يترقب الخليجيون انفراجة اقتصادية بتحقيق مصالحة خليجية، من شأنها الحد من الخسائر المتراكمة التي خلفتها الأزمة السياسية بالإضافة إلى تهاوي عائدات النفط وتداعيات جائحة فيروس كورونا الجديد التي فاقمت الصعوبات المالية للدول.
وعلى مدار أكثر من 3 سنوات، سببت الأزمة الخليجية خسائر كبيرة لقطاعات عدة، على رأسها العقارات والسفر والتجارة والاستثمار والبنوك، باعتبار أن الروابط التي كانت تجمع دول الخليج تجذرت في شكل شراكات في هذه القطاعات الحيوية على مدار سنوات طويلة ماضية.
ومساء يوم الجمعة الماضي، أعرب أمير دولة الكويت، الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، في بيان نشرته وكالة الأنباء الكويتية "كونا"، عن سعادته للاتفاق على حل الخلاف الخليجي، مشدداً على أن الاتفاق عكس تطلُّع الأطراف المعنية إلى تحقيق المصالح العليا لشعوبهم في الأمن والاستقرار والتقدم والرفاه.
وعلى مدار السنوات الأخيرة تعرَّض الرفاه الخليجي، وفق محللين اقتصاديين، لتحديات بالغة بسبب الأزمة وتفاقم العجوزات المالية وتآكل الثروات، مع استمرار تراجع أسعار النفط والفواتير الباهظة التي تخلّفها الأزمة الصحية العالمية.
ووفق تقرير حديث نشرته صحيفة نيويورك تايمز تحت عنوان "انفراجة خليجية تحلّق في الأفق"، فإن هناك مكاسب كبيرة ستحصدها دول الخليج لشعوبها وكذلك المنطقة ككل في شتى القطاعات بعد المصالحة الخليجية.
وفي حديث لـ "العربي الحديد"، يقول كامل الحرمي، المحلل الاقتصادي والخبير في الشؤون الاقتصادية الخليجية، إن "الجميع قد خسر في الأزمة الخليجية، فالأرقام أكدت ذلك خلال السنوات الثلاث الماضية، وعلينا الآن التفكير نحو لم الشمل، الذي أصبحت كل دولة خليجية في حاجة ماسة إليه، خاصة في ظل التطورات الاقتصادية والمالية الصعبة الحالية التي فُرضت على الجميع".
ويوضح الحرمي أن "الظروف الصعبة التي فرضت على دول الخليج خلال السنوات الماضية أهمها الانخفاض الحاد في اسعار النفط الذي أثر مباشرةً بميزانياتها، ما دفعها إلى تسجيل عجوزات مالية تقدَّر بنحو 180 مليار دولار، بينما تفاقمت الصعوبات مع ظهور فيروس كورونا في الربع الأول من العام الحالي، حتى خرجت بعض دول المنطقة بتصريحات تؤكد صعوبة دفع رواتب موظفي القطاع العام بسبب ارتفاع العجز لمستويات تاريخية".
ويرى الحرمي أن أهم مكاسب دول الخليج من الانفراجة سيتمثل بكبح العجوزات المالية، وذلك بعد تراجع التكلفة التي تتكبدها كل دول الخليج في حال عودة حركة التجارة والسفر وانتعاش القطاعات العقارية مجدداً.
ولم تقتصر الصعوبات على حكومات الدول التي تحملت نفقات متزايدة وتراجعاً في العائدات جراء الأزمة الخليجية، بل امتدت إلى الشركات في مختلف الأنشطة، وعرضت لضغوط أكبر بعد جائحة كورونا.
وأظهر تقرير صادر حديثاً عن شركة كامكو إنفست الكويتية (خاصة)، تهاوي أرباح الشركات المدرجة في أسواق المال الخليجية بنسبة 34.5%، على أساس سنوي، خلال الربع الثالث من العام الجاري. وأشار التقرير إلى أن أرباح الشركات بلغت خلال الفترة من يوليو/ تموز حتى نهاية سبتمبر/ أيلول نحو 25.1 مليار دولار، مقابل 38.2 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الماضي.
وقال سعد القصبي، الخبير الاقتصادي السعودي، إن الإمارات والسعودية ومصر حققت خسائر مالية جسيمة جراء المقاطعة، وذلك على اعتبار أن القطريين كانوا من كبار المستثمرين في العقارات بالإمارات، كما أن السعودية فقدت السوق القطري كمركز لبيع منتجاتها كالأغذية ومنتجات الألبان بخلاف سوق الإعمار والبناء، كذلك فقدت مصر سوقاً هاماً لمنتجاتها الزراعية بجانب رحلات مصر للطيران التي توقفت عن نقل أكثر من 300 ألف مصري يعملون في قطر.
وأضاف القصبي أن قطر تضررت أيضاً على صعيد التجارة والطيران وغيرها من القطاعات، فقد أعلنت شركة طيرانها الوطنية تكبدها خسائر كبيرة، وفقدت مصادر هامة للغذاء والمواد الأولية كانت تحصل عليها من دول المقاطعة.
ونهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، أعلنت الخطوط الجوية القطرية تكبدها خسائر صافية قدرها 1.9 مليار دولار لعام 2019-2020، وسط أزمة كورونا التي طاولت قطاع السفر العالمي.
وقال القصبي: "الجميع خسر من معركة المقاطعة الخليجية التي كبدت الدول خلال السنوات الثلاث الماضية خسائر بعشرات مليارات الدولارات، ما يدل على أن المصالحة ستعود بالنفع، وسيكون لها مكاسب اقتصادية".
ووفق المدير العام للشؤون الاقتصادية في مركز الاستشارات المالية الكويتي، زياد سلامة، فإن الخسائر الحقيقية تفوق كثيراً الأرقام المعلنة وتكاد تصل إلى أضعافها، ما يستلزم اتخاذ خطوات نحو ترميم المصالح التي تضررت على مدار سنوات عجاف من الخلافات.