تسارعت خطوات تركيا ومصر نحو تطوير علاقاتهما الاقتصادية بعد تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي أكد فيها قبل أيام "أن الشعب المصري شعب شقيق"، مشيراً أن بلاده لا يمكن أن تكون في حالة خصام معه، و"أن عليها ضمان الوفاق معه بأسرع وقت".
وتوقع القائم بأعمال السفارة التركية في القاهرة صالح موطلو شن، زيادة في حجم التبادل التجاري بين بلاده والقاهرة، لأن مصر تعتبر بلداً مهماً للغاية للمصدرين والمستثمرين الأتراك وذلك لمكانتها الاستراتيجية التي اكتسبتها من موقعها الجغرافي وعدد سكانها البالغ 103 ملايين نسمة ووجود قناة السويس وغيرها من العوامل.
ونقلت وسائل إعلامية تركية عن موطلو شن قوله خلال افتتاح الاجتماع الذي نظمته وزارة التجارة التركية ومجلس المصدرين الأتراك في القاهرة بين رجال أعمال أتراك ومصريين بالقاهرة الثلاثاء: إن استمرار علاقاتنا الاقتصادية والتجارية دون تباطؤ خلال السنوات الماضية يحمل أهمية كبيرة، نحن بحاجة لمواصلة هذا الزخم أكثر في الفترة المقبلة.
وأشار إلى أن الخطوات الإضافية التي سيتم اتخاذها ستشجع مستثمرينا للتوجه إلى مصر وسترتقي بتجارتنا إلى مستوى أعلى، مبيناً أن حجم التجارة بين البلدين ارتفع بنسبة 85 بالمئة خلال الربع الأول من العام الجاري مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2021، حيث وصلت قيمة التبادل خلال الربع الأول من العام الجاري الى 2.5 مليار دولار، في حين كان 1.3 مليار دولار في الربع الأول من 2021".
وشارك بالاجتماع الذي تستضيفه العاصمة المصرية، 50 رجل أعمال تركياً يمثلون الشركات التركية و450 رجل أعمال مصرياً يمثلون الشركات المصرية.
ولم يشهد البلدان زخماً وحضوراً "مثل هذا الاجتماع منذ فترة طويلة" بحسب ما قال شريف البربري عضو جمعية رجال أعمال الأتراك والمصريين (TMİAD) خلال الاجتماع، كاشفاً وفق ما نقل الإعلام التركي، "أن الزيارات المتبادلة ستتم في غضون شهرين".
اعتبارات سياسية وتجارية
يرى الإعلامي المصري، جلال جادو في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن مساعي تركيا واضحة بإعادة العلاقات مع مصر، لاعتبارات داخلية تتعلق بالانتخابات العام المقبل، والأهم برأيه، تحسين المستوى المعيشي بعد أن أكل التضخم دخول الأتراك ويخشى من تبدل مواقفهم، بما فيها الانتخابية، لذا نرى "تصميماً تركياً على عودة العلاقات مع مصر" لما تملكه القاهرة من نقاط قوة، ربما من أهمها، سوق هائل يزيد عن 100 مليون مستهلك، يمكن أن يكون المنفد الأهم للمنتجات التركية والإحلال مكان السلع الصينية التي تراجع معروضها خلال الفترة الأخيرة.
ولا تغيب قضايا شرق المتوسط برأي جادو، لأن مصر دولة محورية بـ"منتدى غاز شرق المتوسط" واستضافت الاجتماع السابع لوزراء الطاقة، عبر "الفيديوكونفرانس" وشهد الاجتماع، ربما لأول مرة، حضوراً دولياً رفيع المستوي من وزراء ورؤساء وفود الدول الأعضاء الدائمين من قبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا وفرنسا وفلسطين والأردن بالإضافة الى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي كأعضاء مراقبين، بالإضافة إلى مفوضة الطاقة والمناخ بالاتحاد الأوروبي والأمين العام للمنتدى، أسامة مبارز.
والغاز بالنسبة لتركيا "أمر مصيري" بعد الاكتشافات بالمتوسط خلال العامين الأخيرين وأثر فاتورة الطاقة التي تزيد عن 50 مليار دولار، على الميزان التجاري التركي.
بالمقابل، يؤكد الاعلامي المصري، أن مصر تعاني من مأزق اقتصادي ونسب تضخم غير مسبوقة، لذا قد يكون بتحسين العلاقات وزيادة التبادل مع تركيا، بعض الحلول، لافتاً إلى إعادة تشكل تحالفات جديدة بالمنطقة وربما بالعالم، ولهذه الأسباب، سمعنا تصريحات الرئيس التركي قبل أيام، خلال عودته من أوكرانيا، وبعدها اجتماع رجال الأعمال الأتراك والمصريين في القاهرة".
علاقات اقتصادية مستمرة
ويرى الخبير الاقتصادي التركي، علاء الدين شينغوللير أن تبدل الموقف التركي تجاه مصر "سياسياً" فتح الباب على مصراعيه لعودة العلاقات الاقتصادية "والتي لم تنقطع على فكرة" بل زاد التبادل التجاري، خاصة العام الماضي بأكثر من 32% ليقترب من 3 مليار دولار، متوقعاً ارتفاع حجم التبادل والاستثمارات، فيما لو تم التقارب السياسي على مستوى "المسؤولين الكبار" لأن شروط التكامل الاقتصادي متاحة بين البلدين، فمصر قوة اقتصادية كبيرة وسوق هائل وهي بوابة تركيا إلى أفريقيا.
ويضيف شينغوللير لـ"العربي الجديد" أن لمستثمري بلاده في مصر، أكثر من 500 شركة تركية في مصر كما أن أنقرة تزيد من التسهيلات الاستثمارية، ما يعني مزيد من الاستثمارات المصرية، وكل ذلك سيزيد من التبادل التجاري وتنمية العلاقات "لما فيه مصلحة الشعبين المصري والتركي".
وكان رئيس جمعية رجال الأعمال التركية المصرية، أتيلا أتاسون، قد أكد سابقاً سعي جمعيته لتعزيز التجارة الثنائية بين مصر وتركيا، لا سيما مع التطورات التي تشهدها العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، مشيراً إلى أن التطورات التي تشهدها العلاقات الدبلوماسية بين البلدين سوف تنعكس بصورة إيجابية على التجارة الثنائية.
ويضيف رئيس الجمعية التي تأسست قبل 18 عاماً في القاهرة، وهي تمثل 733 شركة معظمها مصرية، أن الجمعية تمتلك استثمارات مباشرة تزيد عن ملياري دولار في مصر، وأن أكثر من 100 ألف عامل مصري يعملون في منشآت تابعة للجمعية.
وخلال تصريح سابق لـ"العربي الجديد" أكد أستاذ العلوم السياسية سيف عبد الفتاح أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين، لم تنقطع حتى خلال التوتر السياسي بعد الانقلاب على حكم الرئيس محمد مرسي عام 2013، بل زادت ببعض السنوات، عما كانت عليه قبل عام 2013.
وأضاف عبد الفتاح أن التوقعات ومساعي تركيا، ضمن سياسة تحسين علاقاتها مع دول المنطقة، أن تتلاشى الخلافات، حتى على الصعيدين الأمني والسياسي، معتبراً العلاقات الاقتصادية تستمد قوتها من تطور السياسة وأن لا تتأثر بالمطلق بالقطيعة.