تركيا: شائعة استقالة شيمشك تتفاعل مع تأخّره في تنفيذ وعوده

29 اغسطس 2024
محمد شيمشك يشارك في اجتماع وزراء مجموعة العشرين في البرازيل، 25 يوليو 2024 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **استقالة وزير المالية التركي محمد شيمشك والشائعات المحيطة بها**: شائعات استقالة شيمشك بسبب فشله في تحسين الليرة وخفض التضخم أثرت سلباً على الاقتصاد التركي، مسببة هبوطاً في بورصة إسطنبول ومخاوف اقتصادية.

- **السياسات الضريبية الجديدة وتأثيرها على الاقتصاد**: البرلمان التركي وافق على قانون ضريبي جديد يزيد الضرائب على الأغنياء ويقللها على الفقراء، مما أثار مخاوف من ارتفاع تكاليف الإنتاج وزيادة الفقر.

- **التحديات الاقتصادية والانتقادات الموجهة للحكومة**: الاقتصاد التركي يواجه تضخماً وتراجعاً في قيمة الليرة، والانتقادات تركز على أن السياسات الحالية لم تحقق النمو المستدام وتقليص الفقر، مما يزيد الأعباء على المواطنين.

لم تدفن "شائعة" استقالة وزير الخزانة والمالية التركي محمد شيمشك رغم النفي الرسمي والحكومي وإصدار بيانات تكذيب عديدة، بما فيها تصريح للوزير نفسه، لأن ما يراه أتراك حول عدم تحقيق وعود وزير المالية "وفريقه" على صعيد تعزيز قيمة الليرة التركية وخفض التضخم قد يدفعه لـ"الهروب والاستقالة"، ما يهدد ربما، بحسب تصريحات لـ"العربي الجديد"، بهزة للاقتصاد الكلي، بعد ما يصفونه بـ"تفصيل الاقتصاد على مقاس خطط الوزير" الذي نسف السياسة غير التقليدية ويسعى لزيادة الجباية وتقليل الإنفاق الحكومي وتحقيق مطالب الغرب ووكالات التصنيف الائتماني.

وسادت مخاوف من ارتفاع تكاليف الإنتاج وخلط جراء تعدد الضرائب بالأوساط التركية منذ وافقت لجنة التخطيط والميزانية في برلمان تركيا، نهاية الشهر الماضي، على مشروع قانون ضريبي، برره وزير المالية محمد شيمشك بأنه سيعزز العدالة والكفاءة في نظام الضرائب وتعديل قوانينها، معلناً أن حزمة ضريبية جديدة تعدها الحكومة، ترتكز على مبدأ "زيادة الضرائب على ذوي الدخل الأعلى وتقليلها على ذوي الدخل المنخفض" ليتحمل الجميع، حسب الوزير، الأعباء المالية للدولة ودعم الاستقرار المالي والاقتصادي.

وقبل إصدار القانون من البرلمان، أعلن محمد شيمشك أنه سيتم فرض غرامات على حوالي 700 ألف مكلف لم يقدموا إقراراتهم الضريبية المتعلقة بالإيجارات رغم التذكيرات المتكررة، مضيفاً عبر تغريدة على منصة "اكس" قبل يومين أن الحكومة متابعة "لكل نوع من الأرباح غير المشروعة التي لم يتم فرض ضرائب عليها". وما عزز مقولة أن الوزير محمد شيمشك هو "وزير ضرائب"، وستزيد سياسته التقشفية وتقليل الإنفاق الحكومي، بالتوازي مع ما يراه مراقبون، استمرار إرضاء وكالات التصنيف الائتماني والغرب ومطالبها المالية والنقدية، من فقر الأتراك وتراجع سعر الصرف واستمرار نسبة التضخم ضمن الأعلى على مستوى العالم.

ويتمنى الاقتصادي التركي أوزجان أويصال أن يكون القانون الضريبي الجديد "عادلاً" لأنه بالوضع الحالي يتم إعفاء كبار المكلفين ورجال الأعمال، في حين تطاول الضرائب والاقتطاعات ذوي الدخل المحدود حتى بالحد الأدنى للرواتب والأجور. ويشير أويصال، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن اقتصاد تركيا "كبير وقوي"، ولكن ثمة تجريبا وعدم استثمار للإمكانات، خاصة ما يتعلق بـ"تكبيل الإنتاج" وزيادة تكاليفه، ما يؤثر على الصادرات التي تعد أهم روافد الاقتصاد ونقاط قوته (256 مليار دولار صادرات العام الماضي)، كما أن السعي فقط لإرضاء المطالب الغربية ووكالات التصنيف الائتماني بهدف تحقيق الثقة وجذب الرساميل أمر أضر بالاقتصاد ورفع الأسعار وزاد التفاوت بين الأغنياء والفقراء، مذكراً برفع سعر الفائدة لإرضاء الغرب من 8.5% إلى 50% بعد وصول الحكومة ووزير المالية.

وحول ما تناقلته أوساط إعلامية أخيراً حول استقالة الوزير محمد شيمشك، يقول أوزجان أويصال "إنها شائعة" ولا يعلم من أصدرها، هل الوزير نفسه ليعزز وجوده ويمنع أي تدخل حكومي بعدما اشترط قبل تعيينه استقلال القرار المالي والنقدي تحديداً، أم أوساط اقتصادية تركية لتعرف "مزاج الشارع والحكومة" في حال خرج الوزير؟

ولكن، يلفت المحلل التركي إلى أن الاقتصاد التركي "لن يتعرض لهزة بحال استقال محمد شيمشك، بل يمكن أكثر"، لأن بنية الاقتصاد وتشريعاته تسير منذ نحو عامين على نهج جديد ومختلف بالمطلق عن السياسات السابقة، سواء ما يتعلق بسعر الفائدة أو تعزيز قطاعات اقتصادية حقيقية أو حتى مساهمة الدولة، عبر الموازنة العامة، بالمشروعات الكبيرة والاستثمار.

وكانت وسائل إعلامية وتواصل اجتماعي عدة قد تناقلت أخيراً خبر استقالة وزير المالية والخزانة التركي، ما زاد مخاوف وخلط وأضر بقطاعات اقتصادية، منها السوق المالية التي أعلنت هيئتها (SPK) عن تحقيقات لمعرفة مصادر "الزعم الزائف" والذي أدى إلى هبوط حاد في بورصة إسطنبول، وبعدما ضللت الشائعة مستثمري البورصة وتسببت في خسائر لهم إثر انخفاض مؤشر "بيست BIST-100" الرئيسي لبورصة إسطنبول بنسبة 2.6% ليغلق عند 9668.1 نقطة، يوم الجمعة الماضي، وقت انتشار شائعة الاستقالة.

ودفعت "الشائعات" الوزير نفسه ليرد بالقول: "يبدو أن التصريحات الرسمية لم تكن كافية، لذلك سأقول هنا أيضًا (على منصة إكس): لم أستقل. السيناريوهات المتداولة غير صحيحة. إدارة الاقتصاد تعمل بروح الفريق الواحد. نحن واعون للمسؤولية الكبيرة والصعبة التي نتحملها".

وأضاف: "نعمل كل يوم لتحقيق الأفضل بوعي هذه المسؤولية. برنامجنا للإصلاح والاستقرار الاقتصادي يسير بنجاح وبدأنا نحصل على النتائج التي نطمح إليها. العجز التجاري تقلص، واحتياطيات البنك المركزي تحسنت، وخروج الأموال من نظام الوديعة المحمية من تقلبات أسعار الصرف يتواصل بسرعة، ونتخذ التدابير اللازمة لتحسين التوازن المالي من خلال معالجة تأثيرات قانون التقاعد المبكر والزلازل على الميزانية، والأهم من ذلك أننا نتقدم بخطوات قوية نحو هدف استقرار الأسعار. لقد بدأت عملية انخفاض ملحوظ ودائم في معدل التضخم".

وتابع الوزير التركي أنه "في هذه المرحلة الصعبة، نشعر دائماً بالدعم القوي من فخامة رئيس جمهوريتنا. هدفنا الوحيد تحت قيادته هو زيادة رفاهية شعبنا بشكل دائم. ليس لدينا أي هدف أو مهمة سوى خدمة الأمة"، معلناً عن "تحمل المسؤولية ووعي مهامنا، فصناعة القصص الوهمية على الطاولة تُظهر أن طريقنا صحيح. لا يمكننا السماح لهذه القصص الوهمية بالتأثير على اقتصادنا وأسواقنا. أولئك الذين ينشرون هذه الإشاعات رغم نفيها لا يمكن أن يكونوا ذوي نيات حسنة. يرجى عدم الانخداع".

ويرى المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو أن "شائعة الاستقالة " لها أساس ولا شك، مستدلاً بأن مركز مكافحة التضليل التابع لدائرة الاتصال بالرئاسة التركية نفى قبل أيام من انتشار خبر الاستقالة على وسائل التواصل "نية ورغبة الوزير بالاستقالة".

ولم يستبعد كاتب أوغلو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تلجأ الحكومة أو وزير المال تحديداً للاستقالة أو التلويح بها بسبب الضغوطات والانتقادات التي تتعرض لها الحكومة جراء تأخر، إن لم نقل عدم تنفيذ الخطة الاقتصادية، فبعد أكثر من 15 شهراً، جميع المؤشرات تتراجع والأهم التضخم وسعر الصرف والوضع المعاشي. ويستغرب المحلل التركي "تصميم" الفريق الحكومي على السياسة التقليدية ونسف تراكم سياسات اقتصادية "لم تؤتِ أُكلها" فيبقي على سعر الفائدة المرتفع (50%، الأعلى أوروبياً)، رغم عدم تأثير ذلك على تحسين سعر الليرة "بل تراجعت من نحو 20 إلى 34 ليرة مقابل الدولار والتضخم ارتفع من نحو 38 إلى نحو 71%".

ويصف كاتب أوغلو وزير المالية محمد شيمشك بـ"وزير الضرائب" لأنه يركز على التقشف وتقليل مساهمة الدولة بالاستثمارات، إلى جانب رفع نسبة الضرائب وتوسيع شرائح المكلفين، الأمر الذي سيزيد، لا محالة، معدل الأسعار ويعيق مساعي تخفيض التضخم، والأهم حسب كاتب أوغلو، أنه سيؤثر على تكاليف الإنتاج فيرفع الصناعيون الأسعار على المستهلك المحلي وترتفع أسعار البضائع فتنخفض الصادرات التي يراها أهم ميزات ونقاط قوة الاقتصاد التركي، "إلى جانب السياحة التي للأسف تراجعت هذا العام".

وحول ما يعلنه محمد شيمشك على صعيد ارتفاع الاحتياطي بالمصرف المركزي وتجسير فجوة العجز التجاري وتحسن المؤشرات الاقتصادية، يقول المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو: "ليس من الحكمة نكران أي تحسن، ولكن علينا في الوقت نفسه ألا ندمن المسكنات لحل الأزمات الاقتصادية، وليكن الحكم على ما أعلنته الحكومة وما يتم على الأرض، مع التنبيه إلى الأموال الساخنة التي تأتي إلى تركيا طمعاً بالفائدة المرتفعة، فهي ليست استثمارات حقيقية ولا يمكن الاعتماد عليها بزيادة نمو الناتج أو الصناعات والصادرات".

ويرى أنه "لا بد من البحث عن مصادر تمويل وعوامل دفع للاقتصاد، فمثلاً لو سمحت تركيا بتملك السوريين الحاصلين على جنسية أوروبية، فسيتم ضخ عشرات مليارات الدولارات خلال فترة وجيزة، ويمكن أن يتحرك قطاع العقارات الراكد فيحرك معه معظم الأعمال والمهن، ولو تم استصدار قانون جدولة الديون وتصحيح أوضاع المتأجرين عن سداد الضرائب، فسنكون أيضاً أمام وفورات مالية، هذه أمثلة ممكنة. والأهم التفكير في جذب الاستثمارات الأصولية الحقيقية التي تنعكس على الإنتاج والصادرات، وعدم التفكير بأرقام الأموال التي تأتي للاستثمار بخزائن المصارف أو الأسواق المالية".

بدوره، يرى مدير أكاديمية فكر بإسطنبول باكير أتاجان أن الاقتصاد التركي "فعلا تتم هيكلته وفق خطة الحكومة والوزير محمد شيمشك"، لذا لا يستبعد أن تكون "الشائعة مقصودة وموجهة للداخل والخارج" لتبرير رفع الضرائب داخلياً والتمسك بالوزير، وما يناله من ثقة وعلاقات مع الخارج، سواء مؤسسات مالية أو وكالات تصنيف ائتماني.

ولكن، يلفت أتاجان في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن تسمية شيمشك بوزير الضرائب هي دعابة ولكنها شبه حقيقية، لأنه وأمام تراجع الموارد وزيادة التهرب الضريبي، لا بد من إعادة النظر بمسألة العدالة الضريبية وملاحقة كبار المكلفين المتهربين وإنصاف ذوي الدخول المحدودة، ولكن مع مراعاة التوازن لعدم ارتفاع الأسعار والضرر بمعيشة الأتراك، مبيناً الحاجة الضرورية لإيجاد موارد داخلية، لأن بلاده تستورد بنحو 50 مليار دولار سنوياً نفط وغاز.

ويكشف عضو حزب "العدالة والتنمية" أتاجان أن لجنة التخطيط والميزانية في البرلمان وافقت على مشروع قانون قدمه حزب "العدالة والتنمية" لتعديل قوانين الضرائب وتعزيز العدالة من خلال مكافحة الأنشطة غير الرسمية وفرض غرامات صارمة، وسيتولى أكثر من أربعة آلاف مراقب ضريبي مهام التفتيش على مدى العام لضمان الالتزام، وتعديل الحد الأدنى لضريبة الشركات، حيث ستُفرض ضريبة بنسبة 10% على الشركات المحلية، في حين ستُفرض ضريبة بنسبة 15% على أرباح الشركات الدولية من أنشطتها في تركيا.

وحول تأثير القانون الجديد على جذب الاستثمارات، يضيف أتاجان أن القانون لحظ ذلك عبر مقترحات إعفاء الشركات الجديدة من الضرائب لمدة 3 سنوات، مع الحفاظ على حقوق الحاصلين على شهادات حوافز استثمارية. ولكن، لجهة الاستثمارات الكبيرة، سيتم فرض ضريبة بنسبة 30% على أرباح الاستثمارات الكبيرة وأرباح مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، في حين ستقتصر الإعفاءات في المناطق الحرة على إيرادات الصادرات فقط.

يذكر أن الحكومة بتركيا، ومنذ تشكيلها، منتصف العام الماضي، أعلنت عن خطة العمل في المجال الاقتصادي، والذي حمل عنوان "الخطوات الصحيحة لقرن تركيا"، والبرنامج المتوسط المدى للأعوام 2023-2025، والأولويات والعناوين الرئيسية للسياسة الاقتصادية ضمن خطة 2023-2025، وأبرزها النمو المستدام وتقليص عجز الحساب الجاري، وزيادة الاستثمارات، إلى جانب الرفاه الاجتماعي، ومكافحة التضخم. وهي أهداف لم تتحقق، برأي اقتصاديين أتراك، بل زاد الفقر وتراجعت الليرة وارتفعت نسبة التضخم، لذا "جاءت شائعة استقالة الوزير لتمكينه وتهدئة الشعب التركي".

المساهمون