رفعت تركيا الحد الأدنى للأجور الشهرية إلى 17002 ليرة (578.31 دولاراً) في عام 2024، بزيادة 49% عن المستوى المحدد في يوليو/تموز الماضي، وبزيادة 100% عن يناير/كانون الثاني، حسبما أعلن وزير العمل والضمان الاجتماعي وداد إيشيق هان اليوم الأربعاء.
يأتي القرار على أثر انخفاض الليرة التركية إلى مستوى قياسي جديد اليوم، بلغ 29.4 مقابل الدولار، لتصل خسائرها إلى 36% في عام 2023، بعدما استمرت في انخفاض بطيء لكن مستمر خلال الأشهر الأخيرة من العام الجاري.
وقد تراجعت الليرة 0.2% إلى 29.3985 مقابل الدولار بحلول الساعة 11:42 بتوقيت غرينتش، بعدما لامست أدنى مستوى لها على الإطلاق عند 29.40 أمام العملة الأميركية، وفقاً لبيانات "رويترز".
وبعد اجتماعين وحضور الرئيس رجب طيب أردوغان مع لجنة زيادة الأجور الاجتماع الثالث اليوم، وإثر نقاش استمر نحو ساعتين وربع الساعة في قصر "بيشتيبه"، اتفق أطراف اللجنة، ممثلو العمال واتحاد العمال والحكومة على رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 49%.
وأعلن وزير العمل خلال مؤتمر صحافي بعد الاجتماع مساء اليوم، رفع الحد الأدنى لرواتب وأجور القطاع الخاص من 11402 ليرة إلى 17002 ليرة.
من جانبه، أكد رئيس اتحاد العمال التركي، أرجون أتالاي، أن مطالب العمال كانت تتعلق بتحديد الحد الأدنى للأجور عند 18 ألف ليرة، وهو ما يبرز وجود حالة من التوتر بين توقعات الطبقة العاملة والقرارات الحكومية.
ويأتي هذا الإعلان في سياق يشهد تصاعدًا في التوترات بين العمال وأصحاب العمل، حيث تسعى الحكومة إلى الوفاء بالمطالب العادلة للعمال مع الحفاظ على استقرار الاقتصاد الوطني. يظهر هذا القرار الذي اتُخذ بتوازن بين مختلف الفئات المعنية كخطوة جادة نحو تحسين ظروف الحياة وتحفيز النشاط الاقتصادي في البلاد.
وبالنظر إلى الزيادة الكبيرة في الحد الأدنى للأجور، يأمل العمال في تحسين مستويات دخلهم وتعزيز قدرتهم على تحمل تكاليف المعيشة المتزايدة، بعد ارتفاع الأسعار أكثر من 100% خلال عام وبلوغ التضخم السنوي نحو 62%،
وطاولت زيادة الحد الأدنى للأجور اليوم ما نسبتهم 38% من 16 مليوناً و687 ألف موظف، أي ما يقرب من 6 ملايين و300 ألف، يتقاضون الحد الأدنى للأجور في تركيا.
وتأتي زيادة الأجور عام 2024، لمرة واحدة بحسب تصريح وزير العمل والضمان الاجتماعي التركي، ولن تزيد تركيا الأجور مرتين، كما عام 2023 "الحد الأدنى للأجور كان دائماً يُحدد مرة واحدة في السنة، ونحن نعمل على أن يكون هناك زيادة واحدة فقط" معتبراً أن الزيادة في الأجور التي جرت في تموز الماضي كانت "إضافية"، مشيراً إلى أمله بأن يكون هناك تراجع في التضخم العام المقبل" لن نعقد اجتماعاً ثانياً في يوليو، ولا نعتقد أن هناك حاجة إلى زيادة ثانية".
ويقول رئيس مجلس إدارة "اتحاد العمال الأتراك" DISK تشيركز أوغلو إن الحد الأدنى للأجور هو قضية وطنية وإنها تؤثر أيضاً على جميع الأجور الأخرى، مضيفاً خلال مؤتمر صحافي سابق أنه "يجب تحديد الحد الأدنى للأجور 4 مرات سنوياً في ظل ظروف التضخم المرتفعة".
كما يشير تشيركز أوغلو إلى ضرورة إعادة النظر بالضرائب المفروضة على الحد الأدنى للأجور وأن يتجاوز أجر عاملين بالأسرة الواحدة، الحد الأدنى للفقر، مؤكداً على ضرورة زيادة الحد الأدنى للمعاش التقاعدي ليصل إلى مستوى الحد الأدنى على الأقل، لأن التمييز بين عمال القطاع الخاص والعام يتعارض مع مبدأ المساواة الذي نص عليه الدستور.
ويرى مراقبون أن تصريح وزير العمل والرئيس حول عدم زيادة الأجور سوى مرة واحدة العام المقبل "قد يتغيّر" لأن المقياس هو استقرار الاسعار وكفاية الأجور، مبرراً التصريحات بأن العام المقبل ستبدأ نتائج خطة الفريق الاقتصادي، على خفض نسبة التضخم وتحسن أو تثبيت سعر العملة، الأمر الذي سيحسن مستوى المعيشة.
ويقول المحلل التركي، يوسف كاتب أوغلو لـ"العربي الجديد" إن رفع الحد الأدنى للأجور يعتبر دون التوقعات التي ذهبت إلى 18 ألف ليرة على الأقل، ليتناسب مع ارتفاع التضخم العام المقبل، وربما تراجع التوقعات كان بسبب تخفيف العبء عن ارباب العمل المكلفين بدفع نسبة كبيرة للدولة مقابل رفع الأجور والتكلفة عليهم كبيرة، لأن اجمالي الأجور نحو 21 الف ليرة قبل اقتطاع الضرائب وتصبح 17002 ليرة أجراً صافياً.
ويرى كاتب أوغلو أن خزينة الدولة ستتحمل 700 ليرة عن كل أجر، وفق اتفاق وصلت إليه اللجنة بحضور الرئيس اليوم، وذلك بما يتناسب مع تطلعات الدولة لتعويض المواطنين عن ارتفاع التضخم وتحسين معيشة العمال الذين يقتربون من 16 مليون عامل في تركيا، لأن رفع اليوم لأجور القطاع الخاص سيقابله رفع لعمال القطاع الحكومي لاحقاً.
ويضيف المحلل التركي أن الأسعار بالأسواق بدأت بالجمود وبداية الانخفاض، بعد انعكاس سياسات الحكومة على الأسواق، ولكن تبقى نسبة التضخم هي التحدي الأكبر أمام الحكومة للعام المقبل، لأن عدم خفض التضخم قد يضطر لجنة تحديد الأجور للاجتماع ثانية وربما زيادة أخرى للأجور وذلك رغم نفي وزير العمل أي زيادة ثانية العام المقبل.
يذكر أن عامي 2022 و2023 شهدا زيادتين على الحد الأدنى للأجور، في يناير وأخرى في يوليو. في بداية عام 2022، تمت زيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة 50%، وفي يوليو بنسبة 30%. كما تابعت تركيا النهج نفسه العام الجاري، إذ رفعت الحد الأدنى للأجور مرتين أيضاً، بنسبة 54.66% في بداية العام و34.04% في يوليو، لتتجاوز الزيادة الإجمالية 107% مقارنة بالعام السابق.
وبدأ العام بحد أدنى صاف قدره 4253 ليرة وارتفع إلى 5500 ليرة في منتصف العام، وإلى 8506 ليرات في بداية عام 2023، وإلى 11402 ليرة في يوليو.
ويبقى الحد الأدنى للأجور، ورغم رفعه اليوم بنسبة كبيرة، دون الحد الأدنى للفقر التي حددها الاتحاد التركي لنقابات العمال "Türk-İş" بنحو بملغ 45 ألفا و686 ليرة تركية وحد الجوع بمبلغ 14 ألفا و25 ليرة تركية، بعد أن أشار إلى ارتفاع تكلفة المعيشة الشهرية للموظف الأعزب إلى 18 ألفا و239 ليرة تركية.
وزاد معدل التضخم السنوي في تركيا إلى 61.98% في نوفمبر/تشرين الثاني، وهو أعلى مستوى هذا العام، لكنه أقل بقليل من التوقعات، مما يشير إلى أن دورة قوية لرفع أسعار الفائدة قد تكون بدأت تؤتي ثمارها في تهدئة الطلب.
وتفاقم التضخم بعد أزمة عملة في نهاية العام 2021، ولامس أعلى مستوى له في 24 عاماً عند 85.51% في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
وخلال العام 2023، فقدت الليرة حتى الآن نحو 35% من قيمتها، مما أدى إلى تفاقم أزمة تكلفة المعيشة بالنسبة للأتراك والمقيمين في هذا البلد.
وسبق أن عدلت الحكومة عن سياستها تماماً إثر إعادة انتخاب الرئيس رجب طيب أردوغان في مايو/أيار، وتخلت عن سياسة غير تقليدية تتمثل في خفض أسعار الفائدة.
وانخفضت الليرة بعد ذلك بحدة في الصيف مع تخفيف السلطات قبضتها على العملة قبل أن تتباطأ وتيرة الانخفاضات في الأشهر الأخيرة من العام.