يزداد عدد الفقراء في تركيا بالتوازي مع تراجع سعر صرف الليرة وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية وأجور النقل والمنازل، رغم محاولات حكومة حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، لزيادة الأجور بما يوازي التضخم، كل ستة أشهر.
وتابع حد الفقر لشهر سبتمبر/أيلول الجاري ارتفاعه، ليزيد بنحو 3.378 ليرات عن شهر أغسطس/آب الماضي، وفق دراسة أصدرها الاتحاد العام للأعمال المتحدة في تركيا اليوم الثلاثاء.
وتشير الدراسة إلى تفاقم الأوضاع المعيشية بسرعة، حيث بلغ حد الفقر في تركيا 42 ألف ليرة في سبتمبر، ليرتفع بالمقابل حد الجوع، الذي يمثل المبلغ اللازم لتلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية، إلى 14542 ليرة، بزيادة تبلغ 841 ليرة عن الشهر السابق، بعد ارتفاع الإنفاق الضروري لتلبية الاحتياجات غير الغذائية مثل النقل والسكن والصحة إلى 27109 ليرات في أيلول، بزيادة 5537 ليرات عن أغسطس.
لكن أسباباً كثيرة تحول دون تحسن سعر الليرة منها زيادة الدين الخارجي ودفع أقساطه الفصلية بالدولار للمؤسسات الدائنة بالخارج
وأوصت دراسة اتحاد عمال الأعمال المتحدة الحكومة باتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لارتفاع الأسعار وزيادة نسبة الفقر والجوع، بما في ذلك دعم الأسر الفقيرة واتخاذ تدابير لخفض الأسعار وتحسين الوضع الاقتصادي للمواطنين.
وتشهد العملة التركية تراجعاً مستمراً أمام العملات الرئيسية مسجلة اليوم الثلاثاء، 27.251 ليرة مقابل الدولار، رغم محاولات الفريق الاقتصادي امتصاص فائض السيولة من السوق عبر رفع سعر الفائدة 4 مرات منذ تعيينه في مايو/أيار الماضي، من 8.5 إلى 30%.
لكن أسباباً كثيرة تحول دون تحسن سعر الليرة، كما يقول اقتصاديون، منها زيادة الدين الخارجي ودفع أقساطه الفصلية بالدولار للمؤسسات الدائنة بالخارج، وعدم تحقيق السياحة العائدات المرجوة لهذا العام، رغم ما يقال عن زيادة عدد السياح، إضافة إلى انسحاب المصرف المركزي من التدخل المباشر بالسوق لضبط سعر الصرف، كما كان متبعاً خلال العامين الأخيرين، خصوصاً قبيل وفي أثناء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في أيار من العام الجاري.
وقال مصرفيون اليوم إن الليرة فقدت نحو 24% من قيمتها منذ أن أحجم البنك المركزي ضخ الدولار بالسوق، واتباع سياسات تقليدية، منها رفع سعر الفائدة.
لكن الاحتياطيات الدولية لدى البنك المركزي التركي ارتفعت بحسب المصرفيين بأكثر من 6 مليارات دولار، الأسبوع الماضي، إلى نحو 24 مليار دولار، مواصلاً الصعود بعد توقف البنك عن التدخل في سوق الصرف الأجنبي، ليصل إجمالي الاحتياطيات حتى 22 سبتمبر الجاري، نحو 125.5 مليار دولار، وفقاً لحسابات المصرفيين المستندة إلى المؤشرات الصادرة عن البنك المركزي.
ويقول الاقتصادي التركي مسلم أويصال، إن ارتفاع احتياطي المركزي، عملات أو معادن، مهم وعامل طمأنة للأتراك والمستثمرين، لكن الأهم دورة الاقتصاد ومعيشة المواطنين، إذ برأيه لا يمكن وصف سياسة الحكومة بالناجحة، إن رفعت الاحتياطي أو زادت نسبة النمو، وأبقت على التضخم مرتفعاً عند حدود 58% على أساس سنوي، وزادت نسبة الفقراء أو تكاليف المعيشة إلى أعلى من مستوى الرواتب والأجور.
الاحتياطيات الدولية لدى البنك المركزي التركي ارتفعت بحسب المصرفيين بأكثر من 6 مليارات دولار، الأسبوع الماضي
ويضيف أويصال لـ"العربي الجديد" أن الحكومة سترفع الحد الأدنى للأجور للعاملين بالقطاع الحكومي بنحو 50% مطلع العام المقبل، كما قال وزير الضمان الاجتماعي، وداد إيشكان. كذلك سيُرفع الحد الأدنى للأجور بالقطاع الخاص بما يوازي التضخم، ولكن ذلك ليس حلاً، بل قد يفاقم المشكلة، لأن السعار سترتفع، والليرة ستواصل التراجع بعد ضخ كتل نقدية بالسوق من خلال رفع الأجور.
وحول ما الحل أمام الحكومة التركية، غير زيادة الأجور لإبعاد الأتراك عن حافة الفقر والجوع بواقع زيادة الأسعار أكثر من 150% خلال عام، يقول الاقتصادي التركي أويصال: لا بد من دخول المؤسسات الحكومية كمنافس للقطاع الخاص وكسر الأسعار، بعد تشديد الرقابة ومعاقبة المستغلين، كذلك لا بد من التهدئة بما يتعلق بالضرائب ورفع أسعار الوقود، أي لا ينصب تفكير الحكومة ووزير المالية، محمد شيمشك على عائدات الخزينة أكثر من تحسين مستوى المعيشة، خصوصاً أنه أكد منذ بداية تسلمه مهامه، أن رفاهية الإنسان هي الهدف الأول.
وتسعى تركيا لموازنة معيشة المستهلكين ومواكبة ارتفاع الأسعار وزيادة تكاليف المعيشة، من خلال رفع الأجور مرتين أو أكثر كل عام، إذ شهد العام الماضي ومطلع العام الجاري ثلاث زيادات للأجور بتركيا، إذ لم يزد الحد الأدنى للأجور في ديسمبر/كانون الأول 2021 على 2826 ليرة قبل رفعه في يناير/كانون الثاني من العام نفسه إلى 4253 ليرة ومن ثم رفعه في يوليو العام الماضي إلى 5500 ليرة قبل الرفع مطلع العام الجاري إلى 8500 ليرة قبل الرفع الأخير الشهر الماضي إلى 11402 ليرة.
وحسب الأرقام الرسمية، فإن 38% من 16 مليوناً و687 ألف موظف، أي ما يقرب من 6 ملايين و300 ألف، يتقاضون الحد الأدنى للأجور في تركيا، ما يعني بحسب بيانات اتحاد نقابات العمال اليوم، أنهم باتوا تحت حد الجوع إذ لا يعمل سوى شخص ضمن الأسرة التركية.