ترجمة كلام صندوق النقد عن مصر

19 أكتوبر 2022
رئيسة صندوق النقد كريستالينا جورجيفا أثناء افتتاح الاجتماعات السنوية (getty)
+ الخط -

يوم الجمعة الماضي، أعلنت كريستالينا جورجيفا، رئيسة صندوق النقد الدولي، أن مسؤولي الصندوق حلوا جميع "قضايا السياسة الكبرى" مع السلطات المصرية في مناقشاتهم بشأن برنامج إقراض جديد، مشيرةً إلى اجتماعهم مرة أخرى صباح السبت في واشنطن، بسبب وجود بعض القضايا "غير البسيطة" التي مازالت عالقة بين الجانبين.

فلما جاء يوم السبت، وبعد اللقاء المنتظر، نشر جيري رايس، المتحدث باسم صندوق النقد، بياناً أكد فيه أن المباحثات بين الفريقين كانت إيجابية، وأنها شهدت تقدماً ملموساً في "كل السياسات".

وأكد رايس أن التقدم الذي تم إحرازه كان يتعلق بالضبط المالي، من أجل الاحتفاظ بالقدرة على تحمل الدين العام، والنزول بنسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي على المدى المتوسط، وبتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي للفئات الأكثر ضعفاً، وتحسين تكوين الميزانية، وتعزيز الشفافية المالية.

وفي حين اعتاد الصندوق، والحكومة المصرية، نفي وجود شروط مسبقة لحصول مصر على قرض من الصندوق، كان واضحاً أن كل المصطلحات المطاطية الغامضة التي أكد المتحدث باسم الصندوق تحقيق تقدم فيها تعني بصورة واضحة تقليص ما تبقى من الدعم الحكومي المقدم للمواطنين، ويأتي في مقدمته بالتأكيد الدعم المقدم على المحروقات. فلننتظر إذاً رفعاً قريباً لوقود السيارات.

وأضاف المتحدث باسم الصندوق أن السياسات التي تم التوافق عليها أيضاً تشمل "السياسات النقدية وأسعار الصرف التي من شأنها أن تثبت توقعات التضخم، وتحسن انتقال السياسة النقدية، وتحسن أداء سوق الصرف الأجنبي، وتعزز مرونة مصر الخارجية".

وفي حين يقول "المندوب السامي للصندوق" إن هذا من شأنه أن "يُمَكن مصر من إعادة بناء احتياطيات النقد الأجنبي بشكل تدريجي ومستدام"، لم يكن يعني هذا بالنسبة للمواطن البسيط إلا مزيداً من التخفيض للعملة المصرية، بصورة تسمح بإغراء المستثمر الأجنبي لشراء المزيد من الشركات والأصول المصرية، بأسعار شديدة الانخفاض.

ويكمل السيد رايس فيقول إن تنفيذ أجندة الإصلاح الهيكلي الشامل للسلطات من شأنه أن يعزز بشكل تدريجي القدرة التنافسية للاقتصاد المصري، ويقلل من دور الدولة فيه، من أجل الوصول إلى تكافؤ الفرص أمام القطاع الخاص، وتحسين مناخ الأعمال، وتعزيز الانتقال نحو اقتصاد أكثر "اخضراراً".

ولا أعرف حقيقةً عن أي إصلاح هيكلي، أو عن أي دور للدولة يتحدث ممثل الصندوق، ونحن نرى الدولة تتخلص من أصولها لسد مجموعة من "العجوزات"، تشمل عجز الموازنة، والعجز التجاري، وعجز الحساب الجاري، وأيضاً عجز ميزان المدفوعات، ناهيك عن الشركات المملوكة للحكومة التي يتم ضمها إلى الصندوق السيادي "المفترض"، لتعرض على صناديق الثروة الخليجية، في غياب تام لأدنى معايير المحاسبة والشفافية.

أما نصيحة الصندوق بـ"الاقتصاد الأكثر اخضراراً"، فتبدو خارج السياق تماماً، فكيف نطلب من مواطني بلد، ثلثهم تقريباً تحت خط الفقر، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء، وثلث آخر منهم مرشح للحاق بهم، وفقاً لتقديرات البنك الدولي، أن يتجهوا إلى اقتصاد أكثر اخضراراً، بينما هم لا يملكون القدرة على اختيار أي شيء، بما في ذلك ما يأكلون أو يلبسون أو يصنعون، بسبب ضيق ذات اليد.

يحاول الصندوق فرض شروطه على الحكومة المصرية، رغم نفيه ونفيها، لكي تتمكن من الحصول على القرض، ولا تقدم الشروط التي يضعها في صورة نصائح شيئاً إلا ضمان قدرته على استرداد ما يقرضه، بينما تضاعف معاناة المصريين، وتضيق عليهم عيشهم.

ورغم "النصائح" الاقتصادية التي يقدمها الصندوق للحكومة المصرية، تشير التجارب السابقة للمؤسسة الدولية إلى حقيقة أن أغلب قراراتها تعد "سياسية"، أي أن السياسة تلعب الدور الأهم في اتخاذها، وأن الدور الأميركي فيها لا يمكن إنكاره.

وعلى مدار الأشهر الأخيرة، كان واضحاً اقتراب الصندوق، وأميركا، من الموافقة على القرض المقدم للحكومة المصرية، ومع ذلك استمرت الجولات، والمباحثات، والمفاوضات، والزيارات المتبادلة، بين الصندوق والحكومة المصرية، بما فيها مفاوضات الأسبوع الأخير على هامش اجتماعات الخريف لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن، إلا أن قراراً لم يتخذ حتى كتابة هذه السطور.

ينتظر المصريون قرار الصندوق أملاً في الحصول على مبلغ يساهم في حل أزمة العملة الأجنبية، ويقلل من عجز ميزان المدفوعات، ويمنع تراجع احتياطي النقد الأجنبي في البلاد، بينما يتوقف تقدير أكثر التوقعات تفاؤلاً فيما يخص حجم القرض المنتظر عند مبلغ خمسة مليارات دولار.

لن تنجح المليارات الخمسة إن جاءت في سد عجز أكثر من شهرين، لكن الحكومة ترى فيها شهادة ثقة من أكبر مقرضي العالم، تسمح باقتراض المزيد من مؤسسات أخرى، أو من السعودية والإمارات، أو من خلال طرح سندات جديدة في الأسواق الدولية (وهو أمر مستبعد تماماً في الفترة الحالية)، لتوفير المزيد من المبالغ المطلوبة للخروج بالمصريين من الأزمة الحالية، وإبعادهم عن سيناريو لبنان وسريلانكا.

الحقيقة أن الظرف مأساوي، واحتمالات تجاوزه ضعيفة، ويزيد من وطأة الأمر أننا نبدو كمصريين وكأننا نسير باتجاه مصيرنا المحتوم، بدون قدرة على المقاومة، أو على إيجاد مخرج من الأزمة، بينما تزداد أحوال المواطنين سوءاً يوماً بعد يوم.

ومع تقديري للجهود الرامية لجذب الاستثمارات الأجنبية، ومحاولات تحسين إيرادات قناة السويس، وفرحتنا بتحويلات المصريين العاملين بالخارج، لا تمثل تلك الأمور حلاً دائماً للأزمة المتكررة في مصر، والمتعلقة بتراجع قيمة عملتها كل ثلاث أو أربع سنوات.

هذه الجهود تأتي بالفعل بمليارات الدولارات لمصر كل عام، إلا أنها كلها مرتبطة بالظروف الخارجية، التي تنعدم في كثير من الأحيان قدرة الدولة على تنميتها، كما شهدنا في حالات ظهور وباء أو وقوع حرب.

أما ما يبقى في أيدينا، ويتعين أن نعمل على علاجه، فهو الميزان التجاري، والذي يعاني عجزاً سنوياً ضخماً، لا يقل حالياً عن أربعين مليار دولار. فهل نعمل على سد هذا العجز قبل أن يتسبب في عجز الدولة برمتها، أم أن هذا يعد حلماً بعيد المنال؟

المساهمون