- تدهور الأوضاع الاقتصادية بسبب ضعف الإنتاج والصادرات، التأثيرات الأمنية السلبية، وتخريب البنوك، مما أدى إلى تراجع الاحتياطيات الأجنبية وزيادة "الدولرة" بين المستهلكين ورجال الأعمال.
- الحرب أدت إلى نزوح أكثر من 8.5 ملايين شخص، انكماش الاقتصاد بنسبة تقدر بـ12%، تضرر البنية التحتية، وانهيار النظام المصرفي، مما فاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية للسكان.
انخفض الجنيه السوداني إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخه، وسط أوضاع اقتصادية متردية، ما يضاعف معاناة المواطنين الذين يواجهون ارتفاعات حادة في أسعار السلع الأساسية واختفاء العديد منها مع دخول الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع عامها الثاني، ولا تلوح في الأفق نهاية قريبة لها.
وصل سعر صرف الدولار في السوق الموازية إلى نحو 1600 جنيه في ختام تعاملات الأربعاء، بينما كان يجري تداوله بنحو 1400 جنيه قبل شهر، و570 جنيهاً قبل عام، في حين يبلغ سعره في البنوك 1300 جنيه. وتنشط السوق الموازية في ظل اختفاء رقابة الأجهزة المختصة وتوقف عمليات الاستيراد وتراجع دور المصدرين، ما جعل معظم البنوك السودانية تفقد مخزونها من العملة الصعبة وتعمل على صرفها بالعملة المحلية.
وأدى التدهور المتواصل في سعر العملة السودانية إلى تراجع شديد في قدرة المستهلكين على الشراء، كما زاد عمليات "الدولرة"، إذ زاد تنافس رجال الأعمال وشرائح واسعة من المواطنين على تحويل مدخراتهم من الجنيه إلى الدولار.وتوقع اقتصاديون أن تواصل العملة السودانية تدهورها إلى مستويات جديدة تصل من خلالها إلى أكثر من ألفي جنيه مقابل الدولار الواحد، فقد شهدت بعض الولايات بالفعل تراجع قيمة العملة إلى أكثر من 1700 جنيه للدولار.
وقال الخبير الاقتصادي توفيق ياسين لـ"العربي الجديد"، إن تدهور سعر الجنيه يرجع إلى ضعف الإنتاج والصادرات، كالزراعة والثروة الحيوانية وقطاع التعدين، بجانب التأثيرات الأمنية التي أثرت سلباً على مختلف الأنشطة والتخريب الذي شهدته البنوك وتعطيل عملياتها وانخفاض مواردها المالية وتراجع مستوى الاحتياطيات الأجنبية فيها، وهو ما زاد تعميق الأزمة المالية في القطاع المصرفي.
ورغم محاولة البنوك السيطرة على سعر الصرف، حيث لجأت إلى تدابير لضبط سعر الجنيه مقابل الدولار، إلا أن تردي الأوضاع الاقتصادية ساهم في زيادة الهوة بين السعرين الرسمي والمتداول في السوق الموزاية. وفي موازاة ذلك، عدلت بعض البنوك السودانية رسم التحويلات للتطبيقات البنكية وزادت النسبة بواقع 300%، في خطوة واجهت انتقادات من قطاع كبير من المواطنين في السودان وخارجه، الذين ظلوا يعتمدون بصورة أساسية على تحويلات التطبيقات المصرفية التي أصبحت السبيل الوحيد للمواطنين، بخاصة الموجودين في مناطق غير آمنة ولا توجد فيها بنوك.
وقال المواطن إبراهيم باباكر، من ولاية الجزيرة، لـ"العربي الجديد"، إن "الإجراءات التي اتخذتها بعض البنوك بشأن التحويلات البنكية تؤثر بصورة كبيرة على قطاع واسع، حيث بقينا نتعامل عبرها مع أهلنا في السودان وخارجه طيلة فترة الحرب، والآن ستضاف أعباء جديدة علينا"، موضحاً أنه "في حالة التحويلات دائماً تكون هناك رسوم من المرسلين والمستقبلين، والآن تضاعفت النسبة من قبل المصارف، وبالتأكيد الأثر سلبي وكبير".
في السياق، ينتقد خبراء ما يصفونها بخيارات اقتصاديات الحرب، التي تلجأ إليها السلطات المصرفية، معتبرين أنها لا تجدي كثيرا في حالة السودان، بل تأتي بنتائج عكسية، ما يزيد تدهور سعر العملة المحلية، خاصة في ظل الطلب الكبير على الدولار لاستيراد السلاح والذخائر والوقود في ظل الحرب الدائرة.
وسقط السودان في أتون الفوضى عقب تصاعد التوترات بين الجيش وقوات الدعم السريع وتحولها إلى اشتباكات في الشوارع في العاصمة الخرطوم في منتصف إبريل/ نيسان من العام الماضي 2023. وسرعان ما امتد القتال إلى جميع مدن وبلدات البلاد. وتسببت الحرب المحتدمة في نزوح أكثر من 8.5 ملايين شخص من منازلهم، واضطرار عائلات للنزوح عدة مرات، بينما يكافح الناس للهروب إلى الدول المجاورة التي تعاني من مشاكل اقتصادية وأمنية خاصة بها، في ظل انهيار شبكات إنتاج وتوزيع الغذاء وانعدام الأمن.
وأعادت الحرب السودان عشرات السنوات إلى الوراء، وفق محللين. وأضرت المعارك بالنشاط الاقتصادي، لينكمش الاقتصاد بنسبة 12% في 2023، وفق تقديرات البنك الدولي، بينما يؤكد خبراء اقتصاد تحدثوا مع "العربي الجديد"، أن النسبة واقعياً تصل إلى 20% في ظل الأضرار الواسعة التي لحقت بمختلف الأنشطة الاقتصادية. ومن المتوقع أن يكون معدل الانكماش أكثر من مثلي ما حدث خلال الحروب في اليمن وسورية.
وتعرضت البنية التحتية لأضرار بالغة، وانهارت خطوط الإمدادات، وأصيب النظام المصرفي الرسمي بالشلل، ما أدى إلى عدم دفع العديد من الرواتب. ووفقا لصندوق النقد الدولي، فإن ما يقرب من نصف السكان بلا عمل. وقفزت الأسعار بشكل حاد في العديد من المناطق، في حين أدى انقطاع التيار الكهربائي، الذي ألقي باللوم على الطرفين المتحاربين بالتسبب به، وتعطل شبكات المحمول إلى إعاقة عمليات الدفع عبر الهاتف المحمول التي يعتمد عليها كثيرون.