تدهور الجنيه يعصف بمصانع الأدوية في مصر

01 يناير 2023
نقص في العديد من أدوية الأمراض المزمنة (فرانس برس)
+ الخط -

يشهد سوق الدواء في مصر تراجعا حاداً في أنواع الأدوية والمستلزمات الطبية، في المستشفيات العامة والخاصة. ويتركز النقص في كافة أنواع أدوية السرطان والأمراض المزمنة والكيمائية والبيولوجية، لا سيما المنتجة في الولايات المتحدة وأوروبا.

تعاني المستشفيات والعيادات الطبية من عدم توفر الحقن المشعة اللازمة لمعدات الكشف الاشعاعي، مع ندرة في خامات عيادات الأسنان، وحقن التخدير.

كشف أطباء ومسؤولون في شركات أدوية أثناء حضورهم، مؤخراً، مؤتمر "تحديات الرعاية الصحية وفرص صناعة الدواء"، عن عدم قدرة "هيئة الدواء الموحد" التابعة للحكومة عن تلبية احتياجات المستشفيات العامة والموزعين من الأدوية، مع سيطرة البيروقراطية على إدارة عمليات التوريد التي تستغرق ما بين 3-4 أشهر لكل طلبية.

وأكد مسؤولو الشركات الخاصة - 170 شركة - عدم قدرتهم على شراء الأدوية ومستلزمات التصنيع المحلي، في ظل استمرار قيود البنك المركزي على الواردات من الخارج، وعدم التزام البنوك بتعليمات البنك بتمويل صفقات الشراء بحد أقصى 500 ألف دولار، التي صدرت نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

عدم كفاية المخزون

أجبرت أزمة النقص في الأدوية مديري المستشفيات على منع رؤساء الأقسام من صرف الأدوية، مع وضع المخزون منها في صيدلية مجمعة، تتولى تجميع طلبات الأطباء والأقسام، لتبدأ الإدارة المركزية في كل مستشفى بوضع أولويات التوزيع حسب الحالة الصحية للمريض، وفقا لكمية الدواء المسجل بكل مستشفى.

اعترف الأطباء بفشلهم في تلبية حاجات المرضى من الدواء، وسيادة الروتين، لعدم كفاية المخزون الذي يأتيهم من الإدارات الحكومية، وما تحصل عليه المستشفيات الخاصة من مصانع الأدوية والموردين بنظام حصص دورية.

وحذر أطباء من تصاعد أزمة نقص الدواء بالمستشفيات الخاصة والعامة، مشيرين إلى خطورة الأمر مع تدني مستوى إنفاق المصريين على الدواء والصحة العامة، لتراجع قدرتهم الشرائية وارتفاع الأسعار، رغم وجود العديد من الأمراض المزمنة والخطيرة التي تهدد حياة عشرات الملايين من المواطنين.

أوضح أطباء، في تصريحات خاصة لـ "العربي الجديد"، أن الحكومة تعيد النظر في عمليات توزيع حقن التخدير المخصصة لعيادات الأسنان، والتي تمنح شهريا لكل طبيب، بحيث توزع على بطاقات تصرف من الصيدليات العمومية، وفقا لعدد المرضى، لكل طبيب، مع تخصيص نسبة من الكميات المطروحة لطلبة كليات الأسنان، الذين لم يتمكنوا من أداء تدريباتهم العملية منذ العام الماضي، مع وقف بيع "أمبولات" التخدير للجمهور.

شدد الأطباء على أن عدم توفر الدواء بالأسواق أدى إلى انتشار سوق سوداء واسعة للأدوية المحلية، تديرها شركات تسويق المستلزمات الطبية، وصيدليات كبرى، تستقبل طلبات الشراء من الجمهور بفروعها عبر الهواتف، وتوصيله إلى المنازل بالأسعار التي تحددها خارج التسعيرة الجبرية.

إعادة تسعير الدواء

عبر رؤساء شركات عن غضبهم من عدم التزام الحكومة بإعادة تسعير الدواء للمنتجات المحلية، بعد تدهور قيمة الجنيه منذ مارس/ آذار الماضي، مشيرين إلى توقف عشرات المصانع عن العمل بسبب ارتفاع التكلفة وندرة مدخلات الإنتاج التي تأتي من الخارج، في الوقت الذي انتشرت "مافيا" تجارة الأدوية المهربة من الخارج، تسوق على وسائل التواصل الاجتماعي، بعيدا عن الرقابة الطبية، وبالأسعار التي يحددها المهربون.

ودعا أعضاء المؤتمر الحكومة إلى الإسراع بمراجعة شاملة لمنظومة التسعير الحالية لجميع الأدوية، حتى تتمكن الشركات من عبور الأزمة الاقتصادية التي أحاطت بهم، مع تراجع العملة المحلية من 7.5 جنيهات إلى أكثر من 30 جنيها مقابل الدولار في السوق السوداء خلال 9 سنوات، لم تتبدل فيه أسعار الأدوية الأكثر استخداما، وللأمراض المزمنة، بما دفع الشركات إلى التقليل من كميات الإنتاج أو التوقف عن صناعتها نهائيا.

تنتج الشركات المحلية 4 مليارات وحدة دوائية، تبلغ قيمتها 3.5 مليارات دولار سنويا، وتعتمد 98% من مكونات إنتاجها على الاستيراد من الخارج، مع تراجع معدلات التصنيع المحلي لتلك المكونات، وتخلف تكنولوجيا التصنيع، وعدم قدرتها على ملاحقة التطور الذي تشهده المصانع الدولية التي تتجه إلى الأدوية البيولوجية، خاصة في علاج الأمراض المزمنة.

قال رئيس شركة "ابن سينا" للأدوية عمر عبد الجواد: ليس من الحكمة أن يكون منتهى الأمل توفير المال للحكومة من بيع الأصول، داعيا إلى ضرورة امتلاك استراتيجية استثمارية تنقل التكنولوجيا وتفتح للدواء المصري أسواقا جديدة في الدول العربية وأفريقيا وآسيا.

وأرجع العضو المنتدب لمجموعة "زيلا كابيتال"، وائل زيادة، أزمة صناعة الدواء إلى وجود سعرين للعملة، وعدم قدرة المصانع على توفير مدخلات الإنتاج، ومخاوف المستثمرين من تدهور أصولهم الرأسمالية، مع تكرار تعويم للجنيه يؤدي إلى تآكل الأرباح ورأسمال الشركات.

وطلب العضو المنتدب للشركة القابضة للأدوية من الحكومة، أشرف الخولي، وضع رؤية واضحة للمستثمرين تحافظ على استقرار صناعة الأدوية، ودخول شركاء أجانب في التصنيع ومساعدتهم في فتح أسواق خارجية، وتوسيع ملكية المصريين للشركات العامة عبر طرح الناجح منها في البورصة عبر اكتتاب عام.

بيع شركات الأدوية

وقال الخولي إن توجه الحكومة نحو بيع الشركات في إطار "وثيقة الملكية العامة"، ومنها مصانع الأدوية، لمستثمرين عرب وأجانب لن يحل مشكلة الدواء محليا، مؤكدا أولوية وضع رؤية تطمئن المستثمرين على وجود عملة مستقرة وإزالة القيود البيروقراطية التي تعرقل العمل، خاصة عند تسجيل وتسعير الدواء، بالإضافة إلى حوكمة الشركات، وتنشيط حركة بيع الشركات في البورصة، وعرضها على المصريين، بعد إعادة تقييم أصولها، بما يتوافق مع حسابات مدققة، لمدة عامين قبل الطرح.

وأظهرت مناقشات المتخصصين وجود صعوبة كبيرة أمام تصدير الدواء المصري للدول العربية، وخاصة الخليجية، التي تطلب رفع مستوى المصانع المحلية إلى المقاييس الأميركية، وإلزام المصنعين بالسعر الجبري للدواء.

وتجرع المصريون الدواء المر، مع الخفض المستمر للجنيه، وأنفق البنك المركزي 25 مليار دولار من أرصدة البنوك والقروض الدولية، والأموال الساخنة، لدعم استقرار سعر الصرف من يونيو/ حزيران 2020 حتى مارس/ آذار 2022، بما أدى إلى وضع مالي غير مستقر، مع هروب 25 مليار دولار أخرى من التدفقات الأجنبية، بعد زيادة الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة على الدولار، فانخفض تصنيف مصر الائتماني إلى سالب B، مع توقع "فيتش" عدم قدرة الدولة عن سداد ديونها.

ويدخل الاقتصاد المصري العام الجديد 2023، وسط صدمات خارجية تنذر بأوضاع قاتمة، وأجواء محلية تدفعه إلى مزيد من التراجع والركود والبطالة، مع ندرة مستلزمات الإنتاج. وفقد الجنيه 58% من قيمته عام 2022، وارتفع معدل التضخم الأساسي إلى 21.5% في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ويتوقع خبراء أن يتراوح ما بين 25% إلى 27%، مع زيادة أسعار الفائدة.

وتبذل الحكومة جهودا مضنية، لإعادة إنعاش اقتصاد أوقعته في فخ "إدمان الديون" التي أنفقتها على مشروعات لا تدر عائدا سريعا أو عديمة الجدوى، ساعية إلى إقناع المواطنين، بقدرتها على تجاوز أزمة مالية حادة، صنعتها بأيديها، فدفعتها إلى بيع الأصول العامة بسعر بخس، مقابل مشروعات لا يستفيد منها الجمهور.

يشير تقرير الأداء السنوي للموازنة العامة الصادر منذ أيام، عن البنك المركزي للعام المالي 2021-2022، إلى وجود شهية شرسة للحكومة للاقتراض، وطلب معونات من دول ومؤسسات مالية إقليمية وعالمية، من شتى بقاع الأرض، بما "أبقي الدولة رهينة بقدرة الحكومة على الاقتراض واستمرار المعونات"، من أجل تمويل العجز الدائم والمستمر في الموازنة.

وشكلت ودائع دول الخليج بالبنك المركزي نحو نصف الديون، حتى نهاية يونيو/ حزيران الماضي، بعد أن ارتفعت وديعة الإمارات إلى 5.7 مليارات دولار، والسعودية إلى 5.3 مليارات، وقطر إلى 3 مليارات ومقايضة اليوان الصيني قيمتها 2.7 مليار دولار.

المساهمون