تحديات أمام توسع الاستثمارات الجريئة في السعودية

27 يوليو 2024
إقبال على الاستثمارات التكنولوجية في السعودية (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **قصة سارة والتحول الاستثماري**: سارة تدير شركة تكنولوجيا مالية في الرياض، بدأت بفكرة قبل خمس سنوات، والآن تقود فريقاً من 20 موظفاً بفضل استثمار جريء بقيمة خمسة ملايين ريال. تعكس قصتها تحولاً في المشهد الاستثماري السعودي، حيث ارتفعت الاستثمارات الجريئة إلى 1.4 مليار ريال في 2023.

- **مزايا وتحديات الاستثمار**: السعودية أصبحت وجهة جاذبة للاستثمارات الجريئة بفضل بيئة الأعمال المحفزة، الضرائب المنخفضة، والسوق الكبيرة. التحديات تشمل ضعف الجامعات ومحدودية الحرية، مما يعوق الابتكار.

- **الرؤية والتمويل**: تضاعف الاستثمارات الجريئة منذ 2018 يعكس تقدماً مدعوماً برؤية 2030. تتركز الاستثمارات في التكنولوجيا والعمليات المصرفية، مع دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

في حي الملز بمدينة الرياض في السعودية تستيقظ سارة كل صباح لتبدأ يومها في شركتها الناشئة للتكنولوجيا المالية، والتي كانت فكرة إنشائها تبدو بعيدة المنال قبل خمس سنوات، لتقف على رأس فريق من 20 موظفاً، وتخطط لتوسيع أعمالها بفضل استثمار جريء بقيمة خمسة ملايين ريال حصلت عليه مؤخراً.

غير أن قصة سارة، التي اطلعت "العربي الجديد" على تفاصيلها من رائدتها، ليست فريدة، بل تعكس تحولاً كبيراً في المشهد الاستثماري السعودي، إذ تكشف إحصائيات نشرتها وزارة الاستثمار السعودية في يناير/ كانون الثاني الماضي عن ارتفاع قيمة الاستثمارات الجريئة في المملكة إلى 1.4 مليار ريال في عام 2023، مسجلة زيادة بمقدار 21 ضعفاً مقارنة بعام 2018.
ومع ذلك، تواجه المملكة، كغيرها من الدول العربية، تحديات أمام هذا النوع من الاستثمار، أبرزها ما يتعلق بمناخ البحث العلمي وحرية التعبير، بحسب إفادة خبيرين لـ"العربي الجديد".

كما يورد تقرير نشرته منظمة اليونسكو في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 أن نسبة الإنفاق على البحث والتطوير في المنطقة العربية، بما فيها السعودية، لا تزال أقل من المتوسط العالمي.

والاستثمار الجريء هو شكل من أشكال التمويل الذي يوفر الأموال للشركات الناشئة التي لديها إمكانات نمو عالية في المراحل المبكرة.

مزايا وتحديات الاستثمارات الجريئة في السعودية

وفي هذا الإطار، يرى الخبير الاقتصادي مصطفى يوسف، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن السعودية تشهد تحولاً ملحوظاً في بيئة الأعمال، حيث أصبحت وجهة جاذبة للاستثمارات الجريئة والأفكار المبتكرة، مشيراً إلى أن الضرائب في المملكة تقترب من الصفر، ما يعزز جاذبيتها للمستثمرين.

وتتميز السوق السعودية بكونها كبيرة وواعدة، مع نمو مستمر تدعمه تركيبة سكانية شابة، إذ إن أكثر من نصف سكان المملكة تقل أعمارهم عن 30 عاماً، وتجعل هذه العوامل من المملكة بيئة حاضنة للاستثمار، على عكس بعض الدول الأخرى في المنطقة التي قد تكون طاردة للاستثمار، وفقاً لتحليل يوسف.

كما تساهم التشريعات والتسهيلات الكثيرة التي تقدمها المملكة في جذب الاستثمارات، إذ تتفوق السعودية على الإمارات من حيث جاذبية الاستثمار في المنطقة حالياً، وذلك بعدما كانت الإمارات تحتل هذه المكانة لفترة طويلة، حسبما أشار الخبير الاقتصادي.

غير أن ضعف الجامعات ومحدودية مناخ الحرية، بما في ذلك حرية الابتكار، لا تزال عوامل تؤثر سلباً على البيئة الاستثمارية في المنطقة، حسب تقدير يوسف. فالدول العربية، بما فيها السعودية، لا تزال مصنّفة باعتبارها دولاً مستهلكة أكثر منها منتجة، على عكس الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، والتي تسمح طريقة الحياة والعمل والتفكير فيها بظهور أفكار جديدة ومبتكرة، فضلاً عن نوعية التعليم وتركيبة المجتمع، بحسب يوسف.

ولتحسين مناخ الاستثمار في المنطقة العربية، يشدد يوسف على ضرورة تشجيع البحث العلمي، وتعزيز حرية التعبير، وزيادة الإنفاق على القطاعات الحيوية مثل التكنولوجيا والصناعة والزراعة، لافتاً إلى أهمية دعم الأفكار الجديدة في مختلف المجالات، بما في ذلك التعليم عن بعد والابتكارات التكنولوجية. ولا مجال لتحقيق ذلك إلا بوجود رغبة حكومية حقيقية لدعم الابتكار والاستثمار، مع مراعاة التوازن بين التطلعات التنموية والحفاظ على القيم التقليدية في المجتمع السعودي، وفقاً ليوسف.

الرؤية والتمويل

في السياق، يشير الخبير الاقتصادي والمستشار المالي، علي أحمد درويش، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن الاستثمارات الجريئة في المملكة العربية السعودية تشهد نمواً ملحوظاً، إذ يعكس تضاعف قيمتها 21 مرة منذ عام 2018 تقدماً كبيراً للمملكة التي كانت تحتل مراتب متأخرة في هذا المجال قبل خمس سنوات.

وتتركز هذه الاستثمارات في مجالات التكنولوجيا والعمليات المصرفية والتسويق المعتمد على المعلومات، وتأتي زيادتها الملحوظة نتيجة لعدة عوامل، أبرزها تبني المملكة رؤية 2030، وإصدار قوانين داعمة لهذا النوع من الاستثمارات بحسب درويش، الذي أكد دور المصارف الخاصة والحكومية في تهيئة البنية التحتية القانونية والاستثمارية، وتقديم التسهيلات والتمويل اللازم.

غير أن التمويل لا يقتصر على الدعم النقدي فحسب، بل يشمل أيضاً توفير الخبرات والطاقات البشرية التي تساعد في رفع مستوى هذه الاستثمارات وزيادة فرص نجاحها، ولذا يشدد درويش على أهمية التركيز على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي تتراوح أعداد موظفيها بين 5 و40 موظفاً، باعتبارها ركيزة أساسية للاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل.

ويوضح درويش أن هذه المؤسسات تتميز بقدرتها على تحقيق الاستقرار والاستدامة بشكل أكبر مقارنة بالمؤسسات الكبرى، وتساهم في تأمين فرص العمل وتحقيق الاستقرار على المستويين الاجتماعي والمالي، ما يعزز أمان المجتمع السعودي ككل.

وفي هذا الإطار، ساهمت مجموعة من العوامل القانونية والمالية، إضافة إلى الرؤية الاستراتيجية واستثمار الخبرات، في بناء البنية التحتية التي مكنت المملكة من تصدر هذا النوع من الاستثمارات، بحسب درويش، مشيراً إلى أن السعودية تعد حالياً من أكثر الدول نمواً في منطقة الخليج العربي، التي تتميز بالاستقرار على المستويات الأمنية والسياسية والمالية.

ويتوقع درويش استمرار هذا النمو على المدى المتوسط، طالما استمرت الظروف الحالية على نفس المنوال، ما يبشر بمستقبل واعد للاستثمارات الجريئة في المملكة.