تحاول سلطات تونس تجاوز أزمة التموين بالسلع الأساسية عبر حلول تمويلية من المصارف المحلية تتولى خلاص المزودين مقابل ضمان الدولة بالسداد، بعدما عانت السوق خلال الأشهر الماضية من نقص كبير في موارد غذائية تحتكر الدولة توريدها عبر ديوان التجارة.
ومؤخراً، منحت وزارة المالية الضوء الأخضر لديوان التجارة للتوجه إلى البنوك المحلية للحصول على تمويلات تمكنه من سداد فواتير المزودين عبر قروض تضمنها الدولة، بعد تشدد المصارف المحلية في إقراض الديوان الذي يعاني من ارتفاع قائم ديونه واختلال توازناته المالية.
ونهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي قرر مجلس وزاري تكليف البنك المركزي التونسي بتكوين مجمع بنوك أو تحالف مصرفي يقوم بالتنسيق وبرمجة التمويلات لاقتناءات الديوان بقية العام الحالي ولسنة 2024، إلى جانب إقرار زيادة جزئية في أسعار بعض المواد على غرار السكر والشاي والأرز، وهو ما من شأنه تعديل موازنات الديوان.
وقال المدير العام للديوان التونسي للتجارة هيثم الزناد، إنّ الوضعية المالية الخانقة لديوان التجارة انعكست سلباً على عمليات التزود بالمواد الأساسية من الخارج منذ سبتمبر/ أيلول الماضي.
وأكد زناد في تصريح لإذاعة "موزاييك" المحلية "أن التزود بالمواد الأساسية شهد اضطراباً نتيجة صعوبة الحصول على تمويلات متمثلة في قروض بنكية لفتح اعتمادات بنكية لفائدة المزوّدين العالميين".
ويورد الديوان التونسي للتجارة سنوياً أكثر من 3500 حاوية من المواد الغذائية، من بينها أكثر من 1000 حاوية لمادة الأرز، حيث يبلغ الاستهلاك الوطني السنوي من مادة الأرز حوالي 27 ألف طن.
ويحتفظ الديوان بمخزون استراتيجي في حدود شهرين ونصف من الاستهلاك الوطني، أي ما يعادل 6 آلاف طن، موزعة بين مخازن الديوان على أنحاء البلاد كاملة ووحدات التعليب والموانئ.
غير أن المخزونات التي يؤمنها الديوان تراجعت خلال الأشهر الأخيرة، بسبب ضعف الواردات، ما أدى إلى شح المواد في الأسواق وارتفاع أسعارها.
ويقول وزير التجارة السابق والخبير المالي محسن حسن إن تشكيل مجمع بنكي لمواصلة تسيير الشراءات الأساسية يمثل حلاً مؤقتاً لتجاوز أزمة التزويد على المدى القريب، مؤكداً أن السلطة السياسية مدعوة إلى اتخاذ قرارات جريئة لإعادة النظر في منظومة توريد السلع التي تحتكرها.
وأشار وزير التجارة السابق في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن السلطة مطالبة برفع يدها عن القطاعات التي تحتكر توريدها، وتحرير السوق في تأمين حاجيات البلاد من المواد المفقودة في السوق، معتبراً أن صورة الدولة المحتكرة لنشاط توريد الغذاء لا تخدم الاقتصاد التونسي الذي يتطلع إلى انفتاح عالمي أوسع.
ويرى حسن أن السلطة مدعوة لتشريك القطاع الخاص في توريد السلع الأساسية، والاكتفاء بدور التعديل والمراقبة عبر أجهزتها، مشيراً إلى أن الحفاظ على النموذج الحالي للتزويد سيؤدي إلى مفاقمة ديون المؤسسات المكلفة بالمشتريات العمومية.
وحول أهمية تشكيل مجمع بنكي لتمويل الشراءات، قال حسن إن ديوان التجارة الحكومي يحظى دائماً بدعم الجهاز المصرفي الذي يتولى تيسير فتحه لاعتمادات القروض لخلاص المزودين، غير أن ارتفاع قائم قروضه وتجاوزه كل معايير الحذر، جعل البنوك تتراجع عن مواصلة تمويله، ما استوجب تدخل الدولة لوضع الضمانات الكافية.
ومؤخراً أقرت سلطات تونس زيادة في أسعار الأرز والشاي لدى تجار البيع بالجملة والتجزئة، قبل أسابيع قليلة من مصادقة البرلمان على مشروع قانون موازنة 2024 الذي من المفترض أن تُخفض بمقتضاه نفقات دعم المواد الأساسية بنسبة 5.6 بالمائة.