تجدد أزمة الوقود في سورية...النفط يكشف هشاشة النظام ويزيد السوريين برداً

17 ديسمبر 2020
عودة مشاهد انتظار السيارات أمام محطات الوقود (فرانس برس)
+ الخط -

بدأت مشاهد الازدحام أمام محطات الوقود تتشكّل منذ بضعة أيام، في مناطق سيطرة نظام بشار الأسد في سورية، ما يعيد إلى ذاكرة السوريين أيام الأزمة المريرة التي لم يمض على انحسارها سوى بضعة أسابيع، قضوها في طوابير ممتدة للحصول على المحروقات، متعرّضين للابتزاز والسرقة، ليحصلوا على مخصصات سياراتهم، الأمر الذي تسبب أيضا في رفع أجور سيارات الأجرة إلى مستويات غير مسبوقة.

وتتجدد الأزمة، بينما أعلن نظام بشار أنه استورد مليون برميل نفط، الشهر الماضي، بالإضافة إلى ناقلتي غاز، بكمية تقارب 2200 طن.

وتترك أزمات الوقود أثرا عميقا على شريحة واسعة من سكان دمشق، فالوقود يدخل في كثير من مناحي الحياة، وقد يكون من أكثر الشرائح تأثراً سائقو سيارات الأجرة، حيث يوجد في دمشق نحو 33 ألف سيارة أجرة، وتعتبر كل سيارة مصدر دخل لعائلتين على الأقل، ما يعني أن القوت اليومي لنحو 66 ألف عائلة أضحى مهدداً، بحسب أبو مالك رمضان (39 عاما)، من دمشق.

كما يقول أبو هيثم سطوف (52 عاما)، من سكان دمشق، إنه "لم يمض على تراجع أزمة البنزين الأخيرة سوى بضعة أسابيع، وما زلنا نعاني من أوجاع النوم داخل السيارات أمام محطات الوقود، حتى بدأنا نستشعر أن الأزمة تعود من جديد". وأضاف "آثار الأزمة الأخيرة لم تختف بعد، فما زال قرار توزيع حصة السيارات الخاصة كل سبعة أيام ساري التنفيذ، وما زال عامل محطة البنزين يسرقنا بحجة الأزمة"، لافتا إلى أن "أحد العاملين في محطة الوقود خلال الأزمة الماضية كان يأخذ نصف مخصصات البنزين حتى يؤمّن له مخصصاته من دون الوقوف في محطة الوقود".

في المقابل، اعتبر نائب محافظ دمشق، أحمد نابلسي، في تصريحات لصحيفة محلية، يوم الأحد الماضي، أن عودة طوابير السيارات أمام محطات الوقود، يرجع إلى الحالة النفسية للناس، قائلا "بمجرد أن يرى المواطن أن هناك رتلاً من السيارات ينتابه شعور بأن المادة ستنقطع، فيقف في الدور ليأخذ مخصصاته، وهكذا يزداد عدد المنتظرين ويحدث الازدحام".

وأضاف نابلسي أنه لا توجد قلة في المادة الآن، بل على العكس تماماً فقد كان عدد طلبات البنزين التي تصل إلى دمشق يومياً خلال الأشهر الثلاثة الماضية بمعدل 53 طلباً يومياً، والآن ومنذ بداية الشهر الحالي زادت إلى 58 طلباً.

لكن شهود عيان ومحللين اقتصاديين يؤكدون وقوع الأزمة بسبب الهشاشة المالية للنظام، الذي لم يعد قادراً على تدبير الموارد اللازمة للاستيراد، بعد أن انحسر الإنتاج المحلي للنفط بما يتجاوز 90% خلال السنوات العشر الأخيرة.

ووفق الخبراء، لاحت ملامح الإفلاس وعدم القدرة على تسديد ثمن شحنات النفط التي تأتي بطرق ملتوية للموانئ السورية، أو الشاحنات التي تصل إلى مناطق النظام من العراق أو مناطق سيطرة المليشيات الكردية، شمال شرق سورية.

وقال الخبير الاقتصادي السوري صلاح يوسف، إن مصادر التموين الذاتية من النفط انكمشت من 380 ألف برميل يوميا عام 2011، إلى ما بين 20 و30 ألف برميل يومياً.

وأضاف يوسف لـ"العربي الجديد" أن صهاريج نفط ما تزال تأتي من العراق برعاية وإشراف إيران، رغم تراجع هذا الرافد بعد رقابة الأميركيين على الحدود، وكذلك شحنات عبر ميناء بيروت، ينقلها مهربون بإشراف حزب الله، وصهاريج من مناطق سيطرة "قسد" والمليشيات الكردية.

وتابع، رغم تنوع مصادر الإمدادات، إلا أن المشكلة الحقيقية تكمن في دفع ثمن النفط بالدولار، إذ تقدر فاتورة استيراده شهريا بنحو 200 مليون دولار، مشيراً إلى أن استهلاك سورية اليومي يقدر بنحو 4.5 ملايين لتر من البنزين، ونحو 6 ملايين لتر من المازوت، و7 آلاف طن من الفيول، و1200 طن من الغاز، الأمر الذي يحرج النظام الذي يفرض أحياناً على القطاع الخاص تسديد فواتير الاستيراد، أو يرفع السعر كما فعل هذا العام، أو يقايض النفط بسلع ومنتجات سورية، كما يفعل مع روسيا وإيران.

وتزداد معاناة السوريين في الحصول على المشتقات النفطية، خاصة سلعة التدفئة "المازوت"، إذ لم تف شركة "محروقات" الحكومية بوعودها، بمنح الأسرة 100 لتر عبر البطاقة الذكية، بحسب ما أكدت مصادر من دمشق لـ"العربي الجديد".

وأوضحت المصادر أنه لم يتم الاتصال بجميع العائلات، ما يضطرهم إلى شراء المازوت من السوق السوداء بأسعار مضاعفة، تصل أحياناً إلى 2000 ليرة للتر الواحد. علماً أن سعر لتر مازوت التدفئة المدعوم 180 ليرة، والمازوت الصناعي 650 ليرة، بعد أن رفعت حكومة الأسد سعره قبل شهرين بنسبة 120%.

وتوقع المتخصص في النفط عبد القادر عبد الحميد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تزيد معاناة نظام الأسد في تأمين المشتقات النفطية خلال فصل الشتاء، لأن احتياجات مناطق سيطرة النظام، تزيد يومياً عن 140 ألف برميل من النفط، بينما أصبح غير معني بتأمين مستلزمات المناطق المحررة أو شمال شرق البلاد التي تسيطر عليها "قسد".

وقال: "من أين يمكن أن يؤمّن نظام بشار هذه الكمية، بعد تفضيل إيران فنزويلا عليه، والتلويح بمقابل على الأرض كشرط لاستمرار التصدير، سواء عبر ناقلات النفط بحراً أو عبر الصهاريج من خلال الحدود العراقية، وشرط روسيا الدفع بالدولار، بعد تراكم ديون الأسلحة منذ تدخّلها في الحرب قبل خمس سنوات".

ولا يستبعد عبد الحميد سحب الدعم كاملاً عن المشتقات النفطية عبر رفع أسعاره، مشيرا إلى أن المخصصات التي رصدتها الحكومة مجرد أرقام على الورق.

وكان تقرير الموازنة العامة قد أظهر أن قيمة دعم المشتقات النفطية للعام المقبل تبلغ 2700 مليار ليرة، مقارنة مع 11 مليار ليرة فقط في موازنة العام الحالي 2020.

المساهمون