استمع إلى الملخص
- التنقل اليومي يمثل تحدياً كبيراً يؤثر على الإنتاجية، حيث يقضي 74% من العمال ما يصل إلى 45 دقيقة في التنقل، مما يدفع بعض الشركات لاعتماد سياسات صارمة للحضور.
- يقدّر الموظفون الاستقلالية في العمل، وفرض سياسات صارمة للحضور يهدد الرضا الوظيفي، مما يؤثر سلباً على جذب المواهب والاحتفاظ بها.
مع بداية عام 2025، تتصاعد التوترات بين الشركات وموظفيها في بريطانيا حول سياسات العمل المكتبي. وفي حين اتخذت بعض الشركات قرارات بإلغاء سياسات العمل الهجين التي ازدهرت خلال جائحة كورونا، لا يزال العمّال يتشبثون بتفضيلاتهم، ويواجهون تحديات جديدة تزيد صعوبة العودة إلى المكاتب، خاصة بعد إجازة يناير/ كانون الثاني.
ووفقاً لتقرير عام 2024 عن العمل الهجين في بريطانيا، الصادر عن الشركة المتخصصة Owl Labs، فإنّ أكثر من نصف الموظفين (51%) يعملون حالياً بنظام العمل الهجين، بزيادة قدرها 5% عن عام 2023، بينما يعمل 7% بالكامل عن بُعد. ورغم أنّ ثلاثة أيام في المكتب هي الخيار الأكثر شيوعاً عند مؤيدي العمل الهجين (35%)، فإنّ 25% فقط يرون أنه يتماشى مع تفضيلاتهم.
ويشير التقرير أيضاً إلى أنّ نحو 45% من الموظفين يعتقدون أنّ متطلبات الحضور المكتبي تهدف إلى ملء المساحات الفارغة، بينما أفاد 26% منهم بأنّ شركاتهم عدّلت سياسات العمل عن بُعد أو العمل الهجين على النحو الذي أدى إلى زيادة مستويات التوتر. وفي ظل هذه الضغوط، يبحث أكثر من ثلث الموظفين (35%)، عن فرص عمل جديدة.
ويمثّل التنقل اليومي أحد أبرز التحديات التي تؤثر على الإنتاجية، حيث يقضي حوالي 74% من العمال ما يصل إلى 45 دقيقة في رحلاتهم اليومية، بينما يرى 69% أنهم سيكونون أكثر إنتاجية إذا أزيلت عقبة التنقل. وأكد 30% أنهم سيكونون أكثر استعداداً للذهاب إلى المكتب إذا كانت رحلاتهم أقصر.
ويثير قرار العمل من المكتب الذي أعلنت عنه شركات كبرى في بريطانيا تساؤلات حول مستقبل أنماط العمل في البلاد، وما إذا كانت الشركات ستتمكّن من تحقيق توازن بين متطلباتها واحتياجات موظفيها.
من بين هذه الشركات، تبنّت "أمازون" قرارات صارمة تجبر موظفيها على الحضور إلى المكاتب خمسة أيام في الأسبوع. وأثار هذا القرار توتراً بين العاملين والإدارة، حيث ترى الشركة أنّ الوجود في المكتب يعزز التعاون وروح الفريق، بينما يؤكد الكثير من الموظفين أنّ تجربة العمل عن بعد خلال الجائحة أثبتت فعاليتها، ويعتقدون أنها ليست مجرد امتياز بل باتت حقاً أساسياً. وتجدر الإشارة إلى أنّ شركة أمازون كانت تسمح للمديرين الإقليميين بتحديد سياسات العمل لفِرَقهم، بيد أنّ القرار الجديد ينهي هذا الترتيب، ويجعل سياسة الوجود في المكاتب إلزامية للجميع.
وفي سياق مشابه، طلبت سلسلة متاجر "أسدا" من موظفيها في مكاتبها بليدز وليستر الحضور ثلاثة أيام على الأقل في الأسبوع إلى مقرّ العمل. أما شركة الاتصالات البريطانية بريتيش تيليكوم، فأعلنت عن سياسة "ثلاثة معاً، اثنان في أي مكان"، حيث دعت موظفيها البالغ عددهم 50 ألفاً للحضور إلى المكتب ثلاثة أيام أسبوعياً. وللتحقق من ذلك، فرضت مراقبة الحضور عبر بيانات تسجيل الدخول والخروج. وفي الإطار ذاته، أثار بنك ستارلينغ موجة من الغضب بين موظفيه بعدما طلب الرئيس التنفيذي الجديد رامان بهاتيا من جميع العاملين المختلطين الوجود في المكتب لعشرة أيام على الأقل شهرياً.
وفي حديثه لـ"العربي الجديد"، يقول مايك، وهو موظف شاب في العشرينيات من العمر في خدمة الويب الخاصة بـ"أمازون": "إنّ تحرك أمازون لفرض سياسة العودة إلى المكتب لمدة خمسة أيام كان محبطاً بالنسبة لي، وخاصة أنّ معظم الشركات تتبع سياسة ثلاثة أيام في الأسبوع. لا أرى فوائد واضحة لذلك. يبدو أنّ الهدف من سياسة العودة إلى المكتب لمدة خمسة أيام قد يكون مرتبطاً بتقليص عدد الموظفين أو إعادة هيكلة القوى العاملة دون الحاجة إلى تسريحات رسمية. فمن خلال فرض متطلبات أكثر صرامة للعمل داخل المكتب، قد يجد بعض الموظفين الذين يفضّلون العمل عن بُعد أنفسهم مضطرين للاستقالة، ما يتيح للشركة خفض أعداد العاملين بطريقة غير مباشرة".
ويضيف مايك أنّ هذا التوجّه يُمكن أن يساهم في تبسيط العمليات، حيث يسهّل العمل داخل المكتب تحديد حالات عدم الكفاءة في الفريق، ما يؤدي إلى تكوين فريق أكثر تركيزاً وانسجاماً، بل وربما أصغر حجماً، ويقول إنّ بعض المحللين يعتقدون أنّ هذه السياسة قد تكون مدفوعة برغبة في تعزيز صورة الشركة أمام المستثمرين، إذ يمكن أن توحي بأنها تخفض التكاليف أو تزيد الإنتاجية، ما قد يؤدي إلى ارتفاعٍ "مصطنع" في سعر السهم.
وفي هذا الإطار، تقول أستريد ألين، وهي زميلة أبحاث بارزة في معهد دراسات التوظيف البريطاني، إنّ الأبحاث تشير بقوة إلى أنّ الموظفين يقدّرون مستويات أعلى من الاستقلالية في ما يتعلّق بمكان عملهم وزمانه وكيفية أدائه، وتشير إلى أنّ هذا النوع من الاستقلالية يعزز الرضا الوظيفي ويرفع مستويات الأداء، وترى أنّ عودة الموظفين إلى العمل المكتبي قد تهدد هذه الاستقلالية، وهو ما قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية طويلة الأجل على رضاهم وأدائهم.
تضيف ألين أنّ تقرير لجنة العمل الهجين لعام 2023 يُظهر أنّ أصحاب العمل الذين يفرضون سياسات صارمة للحضور إلى المكاتب، يواجهون تحديات أكبر في جذب المواهب والاحتفاظ بها. وعلاوة على ذلك، يفشلون في استقطاب المهارات المتنوعة. وتشير ألين إلى أنّ 70% من أصحاب العمل الذين تبنوا العمل الهجين أكدوا أنّ هذا النموذج سهّل عليهم عملية التوظيف، فيما أفاد نحو ثلثهم بأنه أتاح لهم توظيف مجموعة أكثر تنوعاً من المواهب.
وتشير إحصاءات مكتب الإحصاءات الوطنية (ONS)، إلى أنّ العمل عن بُعد أصبح جزءاً لا يتجزأ من سوق العمل البريطاني، حيث عمل 41% من البريطانيين من المنزل كلياً أو جزئياً بحلول سبتمبر/ أيلول 2024. وفي حين أنّ نسبة الشركات التي تتبنى سياسات مرنة آخذة في الازدياد، لا تزال بعض الشركات الكبرى تفرض العودة الكاملة إلى المكاتب، وهو ما يعكس انقساماً واضحاً في سياسات العمل.