بدأت مصر في تقليص إمدادات الغاز الطبيعي الحيوية لبعض الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، في ما اعتبرته "بلومبيرغ" إشارة إلى التأثير الاقتصادي المتزايد للحرب التي تشنها إسرائيل ضد قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، على دولة تواجه بالفعل انقطاعات في الكهرباء بسبب نقص الوقود.
وما زال تخفيض الحكومة المصرية لإمدادات الغاز إللصناعة مؤقتاً ولم يؤثر على الإنتاج بعد، وفقاً لمصدرين مطلعين على الوضع تحدثا إلى "بلومبيرغ". مع ذلك، شهدت شركات الأسمدة انخفاضاً في الإمدادات بنسبة 30%، بحسب أحدهما.
وقالت الحكومة هذا الأسبوع إنه منذ أغلقت إسرائيل حقل غاز تمار البحري بسبب الحرب على غزة، توقفت تماماً واردات مصر من الغاز الطبيعي، والتي كانت تصل إلى 800 مليون قدم مكعب يومياً. وقد أدى ذلك إلى المزيد من نقص الكهرباء الذي ابتليت به البلاد بالفعل منذ منتصف العام، حين أدت موجة حر استثنائية إلى استنزاف إمدادات الوقود.
وتعتمد مصر على واردات الغاز من جارتها إسرائيل لتلبية بعض الطلب المحلي، وكذلك لإعادة التصدير إلى أوروبا عبر منشآت الغاز الطبيعي المسال. وكان الطقس الحار غير المعتاد يعني أن مصر تستهلك كل الغاز الذي تنتجه، مما يترك القليل للشحنات الخارجية. وكانت خطة الحكومة هي استئناف الصادرات إلى أوروبا في أكتوبر المنصرم، وهو ما لم يحدث على النحو الذي تمناه البلد الواقع تحت وطأة أزمة سيولة بالعملة الأجنبية، منذ أكثر من عام ونصف.
وفي الوقت الذي كانت تأمل فيه مصر بإنعاش خزينتها بعد توقّف صادرات الغاز المسال لتأمين الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء، جاءت الحرب على غزة لتزيد من المعاناة وتدفع بالخطط إلى مصير مجهول.
ودفع تراجع واردات مصر من الغاز الإسرائيلي، خلال الأشهر الماضية، الحكومة لزيادة عدد ساعات فصل التيار الكهربائي، والتي كانت تتراوح في السابق بين ساعة وساعتين، لتصبح حالياً من ساعتين إلى 4 ساعات يومياً، وفقاً لما أفادت به بعض المصادر "العربي الجديد" مع تأكيدات من مصادر حكومية بأن الوضع قد يستمر حتى بداية العام المقبل.
وقالت شركة مصر لإنتاج الأسمدة، التي تنتج اليوريا، إن إمدادات الغاز انخفضت منذ 27 أكتوبر الماضي، لكنّ أيّاً من خطوط الإنتاج لم يتوقف، بحسب ما ورد في بيان للبورصة المصرية، الأربعاء. وتمثل صادرات مصر من اليوريا، بخاصة إلى أوروبا، نحو 10% من التجارة العالمية للأسمدة.
وتراجعت أسهم "أبو قير للأسمدة" بأكبر وتيرة منذ أكثر من عشر سنوات، الثلاثاء، إذ هبطت 11% في بورصة القاهرة، بعد أن أعلنت الحكومة وقف واردات الغاز الطبيعي، وفقاً لما ذكرته وكالة بلومبيرغ.
وخلال الشهر الماضي، أغلقت شركة شيفرون حقل غاز تمار الإسرائيلي، في أعقاب العدوان الإسرائيلي على غزة وردّ فصائل المقاومة الفلسطينية، إذ علقت الصادرات عبر خط أنابيب "أي أم جي" تحت سطح البحر، الذي يمتد من عسقلان في جنوب الأراضي المحتلة إلى مصر.
وتستورد مصر نحو 7 مليارات قدم مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً من حقلي تمار وليفياثان، تستعملها في تلبية الطلب المحلي ومحطات الإسالة التي تستقبل الغاز عبر خطوط الأنابيب وتصدّره إلى أوروبا في صورة غاز مسال.
وكان الغاز الإسرائيلي، الذي توقّف مؤخراً، يوفر 10% من استهلاك مصر للغاز أو أقلّ قليلاً، إذ تعمل القاهرة على تصدير بعضه إلى أوروبا في شكل غاز مسال.
وتعطي شركة شيفرون، التي تدير حقل الغاز الذي أمرت إسرائيل بإغلاقه، الأولوية للسوق المحلية، رغم تأكيداتها مؤخراً أنها تواصل احترام بعض عقودها مع مصر.
وبموجب القانون الإسرائيلي، يجب على المنتجين في إسرائيل أولاً تلبية الاستهلاك المحلي قبل تصدير أيّ نفط أو غاز.
وشكّل حقل تمار ما يقرب من نصف إنتاج الغاز الإسرائيلي في العام الماضي، وفقاً لمحلل الغاز في وكالة الطاقة الدولية، جيرجيلي مولنار.
ويرى محللو شركة الأبحاث "ريستاد إنرجي" أنّه إذا تفاقم الصراع، وتعرّض حقل ليفياثان للإغلاق، ستكون انتكاسة كبيرة لدول المنطقة، بخاصة مصر، التي زادت وارداتها في المدة الأخيرة إلى ضعف الكميات المتعاقد عليها مع إسرائيل، ما يهدد خطط التصدير لمدة أشهر على الأقلّ.
وقال المحلل في شركة إنرجي إسبكتس، ليو كابوش: "الأمر غير المعروف هو مدة الانقطاع... إذ يعدّ الغاز الإسرائيلي أمراً بالغ الأهمية لتوافر غاز الطبخ في مصر نظراً لتراجع الإنتاج المحلي".