انهيار جديد للريال اليمني رغم "الخطط الإصلاحية"

07 يناير 2022
شركة صرافة في عدن (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -

عاد الريال اليمني للانهيار أمام العملات الأجنبية، بعد شهر من الاستقرار النسبي، الناتج من تغيير مجلس إدارة البنك المركزي التابع للحكومة المعترف بها دولياً في عدن، لينسف كل المعالجات التي طرحها المسؤولون الجدد في البنك، الذين أكدوا في أول اجتماع لهم، قبل أيام، أن "لا خيار أمامهم سوى النجاح، والنجاح فقط"، وأنهم "أمام مواجهة شرسة ومتعددة الأوجه والمحاور".

وانهار سعر العملة اليمنية، منذ مساء الأربعاء، إلى 1120 ريالاً للدولار الواحد، في عدن والمدن الخاضعة للحكومة، وفقاً لمصادر مصرفية تحدثت مع "العربي الجديد"، بينما استقر عند 800 ريال للدولار في الأسابيع الأخيرة من 2021.

وأرجعت المصادر السبب إلى دخول مضاربين جدد في تعز وعدن، حيث قام عدد من تجار الذهب وشركات الصرافة، بإشعال السوق السوداء، بعد طلبات شراء بأرقام مرتفعة تتجاوز 1100 ريال للدولار الواحد.

مضاربات لسحب الدولار

ويعتقد المضاربون أن عدم وصول أي وديعة سعودية، سيعيد الانهيار الاقتصادي إلى المستوى القياسي، الذي بلغه مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي عندما تجاوز الريال حاجز 1700 أمام الدولار، ولذلك لجأوا لسحب العملات الأجنبية وتكديسها تحسباً لانهيار أكبر.

ومن شأن هذا التدهور أن ينسف الجهود والمعالجات التي بذلها مجلس إدارة البنك المركزي الجديد، الذي كان قد أقرّ في أول اجتماع له، قبل أيام، بأنه سيكون "أمام مواجهة شرسة ومتعددة الأوجه والمحاور".

وعلى الرغم من تأكيده أنه يعمل في بيئة غير صديقة، إلا أن محافظ البنك المركزي، أحمد بن أحمد غالب، قال في أول اجتماع بعد عودته إلى عدن أخيراً، إنه "لا خيار أمامهم سوى النجاح، والنجاح فقط".

ويرفض مسؤولو البنك المركزي الاستسلام لمن يصفونهم بـ"المضاربين الجدد"، وفق مصدر حكومي تحدث مع "العربي الجديد"، مشيراً إلى أن تحركات مكثفة جرت خلال اليومين الماضيين، لمحاصرة المضاربين، وكان الاتفاق مع جمعية الصرافين والبنوك على إعادة أسعار الصرف إلى 1000 ريال مقابل الدولار الواحد ابتداءً من صباح أمس الخميس، بشكل مبدئي.

وكان السوق المصرفي في اليمن يترقب وصول وديعة سعودية جديدة للبنك المركزي، من شأنها أن تُحدث استقراراً فعلياً للريال، لكن مع انقضاء الشهر الأول على تعيين مجلس إدارة البنك، لا توجد أي مؤشرات تلوح في الأفق على وصول وديعة خلال الأيام المقبلة.

يعتقد المضاربون أن عدم وصول أي وديعة سعودية، سيعيد الانهيار الاقتصادي إلى المستوى القياسي، الذي بلغه مطلع ديسمبر عندما تجاوز الريال حاجز 1700 أمام الدولار

وحتى يحين موعد وصول الوديعة التي يبدو أنها مرهونة بمعالجات اقتصادية أكبر، شرعت القيادة الجديدة للبنك المركزي في توسيع نطاق المعالجات الثانوية، لكبح انهيارالريال مثلما حدث في الأشهر الأخيرة من 2021.

شركات الصرافة تتحكم في السوق

ويطمح البنك المركزي إلى إعادة الدور المفقود للبنوك التجارية والإسلامية التي خفت بريقها لمصلحة شركات صرافة طارئة ظهرت خلال الحرب وباتت تتحكم بالسوق المصرفي شمالاً وجنوباً.

وفي أول اجتماع مع رؤساء مجالس البنوك، الأربعاء الماضي، شدد محافظ البنك المركزي، أحمد غالب، على أهمية استئناف البنوك التجارية والإسلامية لدورها الوطني، التي خفّت فعاليتها خلال الفترة الماضية لمصلحة قطاعات غير منتظمة وغير منضبطة ولا مرخصة أضرت بالاقتصاد وأثقلت كاهل المواطنين، وفقاً لبيان رسمي نشره الموقع الإلكتروني للبنك.

ووعد محافظ البنك المركزي بتصحيح مسار العلاقة مع البنوك التجارية، وكل ما من شأنه تفادي أي إجراءات بحق البنوك تضر بالعمل المصرفي وتعقّد تعاملها مع البنوك المراسلة في الخارج، فضلاً عن تسهيل التعامل المصرفي لليمن في الخارج والسعي لتذليل العقبات الناتجة من تجميد الحسابات في الخارج.

ولن يقدم البنك المركزي خدماته للبنوك الأهلية مجاناً، حيث اشترط عليها أن تقف معه في تحمّل المسؤولية بمواجهة الانهيار الاقتصادي، وتنفيذ تعليماته، ورفع درجة الالتزام في ممارساتها، وخاصة في ما يتعلق بمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتوفير كل البيانات عن أنشطتها، وفقاً لأحكام القوانين واللوائح المنظمة للعمل المصرفي.

وخلافاً لتصحيح العلاقة مع البنوك وتضييق الخناق على شركات الصرافة التي تتحكم بالسوق السوداء، ما زالت الإدارة الجديدة للبنك المركزي في عدن، تراهن على "دعم كبير ومتعدد الأوجه" من السعودية وبقية دول الخليج، وفقاً لما ذكره محافظ البنك في اول اجتماع له، الأسبوع الماضي.

مهمة صعبة أمام البنك المركزي

وتبدو المهمة صعبة أمام قيادة البنك المركزي للمحافظة على المكاسب التي تحققت خلال الشهر الماضي، وخصوصاً في مسألة مكافحة الفساد، حيث وعدت بالالتزام الصارم بالقوانين واللوائح الناظمة وأعمال مبادئ الشفافية والحوكمة والتعامل بكل صرامة مع أي تجاوزات، بما في ذلك تنفيذ اتفاق البنك المركزي مع وزارة المالية بوقف التمويل التضخمي لعجز الموازنة.

وتتجه الحكومة إلى تنفيذ إصلاحات تصفها بالهيكلية والعميقة، تتركز في المجالات المالية والاقتصادية والبناء المؤسسي، بهدف تعزيز الموارد وترشيد الإنفاق العام ومحاربة الفساد.

كان 2021 بمثابة عام سقوط العملة اليمنية نحو الهاوية، الأمر الذي انعكس بشكل حاد على معيشة ملايين المواطنين، في البلد الذي تمزقه الحرب ودفعت بنحو 80% من سكانه نحو الفقر

ويرى الخبير المصرفي، بشير القاضي، في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن الحكومة اليمنية أمام مهمة شاقة لتنفيذ خطة إصلاحات مالية واقتصادية شاملة بتوصية من المؤسسات المالية الدولية، على رأسها صندوق النقد والبنك الدوليان، لإعادة الدورة النقدية وتنظيم عملية الإنفاق وتجفيف منابع الفساد والقضاء على الاختلالات المالية والإدارية في الأجهزة الحكومية المختصة، بما يؤدي إلى استعادة تصدير النفط والغاز المورد الرئيسي الذي تعتمد عليه الموازنة العامة.

وكان 2021 بمثابة عام سقوط العملة اليمنية نحو الهاوية، الأمر الذي انعكس بشكل حاد على معيشة ملايين المواطنين، في البلد الذي تمزقه الحرب ودفعت بنحو 80% من سكانه نحو الفقر.

واضطرت أُسر كثيرة إلى التوقف عن تعليم أبنائها، والدفع بهم إلى سوق العمل لإعالتها ومساعدتها على مواجهة متطلبات الأعباء المعيشية التي أصبحت صعبة للغاية.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد زاد الطلب بصورة قياسية طوال عام 2021، على السلع الغذائية والوقود والمساكن والخدمات العامة الشحيحة المتوافرة من كهرباء ومياه وغيرها، مع عودة عشرات آلاف الأسر من دول الاغتراب، خصوصاً من السعودية بسبب تسريحات واسعة على إثر تداعيات كورونا.

وتتحدث الحكومة اليمنية من آن إلى آخر عن خطط وإجراءات إصلاحية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، بينما يتأزم الوضع المعيشي مع تهاوي سعر العملة الوطنية في ظل الحرب المستمرة منذ نحو سبع سنوات، التي أفرزت تفاوتاً حاداً في سعر الصرف بين المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة وغيرها من مناطق نفوذ الحوثيين.

يستقر سعر الدولار في صنعاء عند نحو 601 ريال، وتجاوز 1700 ريال نهاية 2021، قبل التحسن لأسابيع، بينما كان متوسط سعره قبل الحرب يقدر بنحو 215 ريالاً

ويستقر سعر الدولار في صنعاء عند نحو 601 ريال، بينما كان قد تجاوز 1700 ريال نهاية العام الماضي، قبل التحسن لبضعة أسابيع، بينما كان متوسط سعره قبل الحرب يقدر بنحو 215 ريالاً.

وسبّب الصراع تهاوي موارد الدولة، بينما تعوّل الحكومة المعترف بها دولياً على دعم خارجي لتقليص حدة الأزمات الاقتصادية والمعيشية.

إجراءات جادة للإصلاح

لكن الباحث الاقتصادي، حمدي السياغي، يقول لـ"العربي الجديد" إن إعادة تفعيل خطوط التعامل والثقة مع الصندوق والبنك الدوليين ومجتمع المانحين، تتطلب إظهار الحكومة وأجهزتها المعنية توجهات وإجراءات جادة في الخطط الإصلاحية وهيكلة الاقتصاد بما يتناسب مع الظروف الراهنة والحد من منافذ الفساد وتبديد الموارد العامة.

ويشير السياغي إلى ضرورة السيطرة على السوق النقدية وضبط عملية تداول العملة للحد من أي مظاهر للمضاربة، التي تعد أحد أهم الأسباب التي أدت إلى انهيار سعر صرف الريال أمام العملات الأجنبية خلال الفترة الماضية، مضيفاً أن "أهم خطوة يجب العمل عليها من منظور المؤسسات المالية الدولية، تنظيم العمل المالي والمصرفي والتصدي للأزمات الاقتصادية".

المساهمون