انتقل الصراع على قطاع الاتصالات في اليمن من دائرة السيطرة على موارد القطاع الحيوي، إلى قطع الخدمات تماماً عن مئات آلاف المشتركين في الهاتف النقال في إحدى الشركات العاملة في عدن التي تتخذ منها الحكومة المعترف بها دولياً عاصمة مؤقتة، الأمر الذي بررته مصادر حكومية في قطاع الاتصالات بوقف تسلل الحوثيين من خلال الاستحواذ على شركات خاصة في المجال.
وأغلقت قوات أمنية في محافظة عدن (جنوب) مؤخراً، المراكز التابعة لشركة "يو" لخدمات الهاتف النقال، التي استحوذت على أصول وحدة شركة "إم تي إن" الجنوب أفريقية قبل انسحابها من اليمن، الأمر الذي أدى إلى انقطاع وتوقف الخدمة عن مشتركي الاتصالات في هذه الشركة الذين يزيد عددهم على 700 ألف مشترك في المحافظة.
وشركة يو هي العلامة التجارية اليمنية لشركة الزمرد الدولية الاستثمارية العمانية، التي أعلنت في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي استحواذها على معظم أسهم "إم تي إن" في اليمن، بعد أيام من إعلان المجموعة الجنوب أفريقية انسحابها من البلد الذي تمزقه الحرب منذ أكثر من 7 سنوات.
تسوية الجوانب المالية
ورفضت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات الحكومية أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، الاعتراف بالإجراءات التي اتخذتها "إم تي إن" لإنهاء خدماتها في البلاد وبيع أسهمها إلى شركة اتصالات أخرى، لعدم تسوية الجوانب المالية مع الحكومة وسداد ما عليها من رسوم جبائية.
لكنّ مصدراً مسؤولاً في وزارة الاتصالات، فضل عدم الكشف عن هويته قال لـ"العربي الجديد" إن "المشكلة الرئيسية تتمثل في تسلل الحوثيين للاستيلاء على شركات الهاتف النقال في اليمن خصوصاً التي تتواجد مقراتها الرئيسية في صنعاء الخاضعة لسيطرتهم وذلك عبر شركات خاصة يجري تكليفها بهذه المهمة".
وأضاف المسؤول: "بعد استيلائهم على أصول شركة سبأ فون وإدارة عملياتها، تحايلوا على شركة واي بالإعلان عن إفلاسها ومن ثم بسط أيديهم إليها عبر شركات استثمارية مجهولة، وأخيراً وصل الأمر إلى شركة إم تي إن، التي ينبغي معرفة كل ما يتعلق بإجراءات الاستحواذ عليها".
ويقدر عدد المشتركين في خدمة الهاتف النقال في اليمن بنحو 18.6 مليون مشترك، وتستحوذ شركة يمن موبايل الحكومية على النصيب الأكبر من المشتركين بحوالي 7.4 ملايين مشترك، تليها شركة سبأ فون التي كانت مملوكة لرجل الأعمال حميد الأحمر قبل نقل ملكيتها لشركات ورجال أعمال قبل بداية الحرب بفترة وجيزة ومن ثم احتدام الصراع عليها وبسط الحوثيين السيطرة على إدارتها فيما يبلغ عدد مشتركيها نحو 5.2 ملايين مشترك، وشركة إم تي إن التي انتقلت ملكيتها إلى الشركة العمانية تحت علامة "يو" حالياً بحوالي 4.9 ملايين مشترك.
ويسود سخط كبير من مشتركي شركة يو في عدن ومناطق عدة في المحافظات الجنوبية، لما لحقهم بهم من أضرار جراء انقطاع الخدمات عنهم.
ميثاق كامل، وهو من سكان عدن وأحد مشتركي "إم تي إن" سابقاً "يو" حالياً يعبر في حديث لـ"العربي الجديد"، عن غضبه من توقف هاتفة المحمول عن العمل وانقطاع تواصله مع الآخرين وخسارته المادية بسبب إغلاق مراكز وإيقاف عمل الشركة دون مراعاة للمشتركين.
ارتفاع تكاليف الخدمات
كما يقول بشار عبد الولي من عدن لـ"العربي الجديد"، إن هذا الإجراء أدى إلى ارتفاع تكاليف وخدمات الشركة الأخرى الوحيدة العاملة "يمن موبايل" الحكومية مع وصول قيمة الشريحة الخاصة بالرقم إلى أكثر من 10 آلاف ريال (حوالي 20 دولارا)، في حين لم يكن سعرها يزيد على 1000 ريال.
وما زال معدل انتشار خدمات الهاتف النقال في اليمن منخفضة ومتردية بحسب المعايير الدولية وتتركز أساساً في العاصمة صنعاء وعدن والمدن الرئيسية في المحافظات، إضافة إلى انخفاض معدل خدمات الاتصالات وارتفاع أسعار المكالمات الدولية.
وقدرت احصائية رسمية صادرة عن وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات قبل الحرب، خطوط الهاتف النقال في اليمن بحوالي 10 ملايين خط.
ويؤكد عاملون في شركات الاتصالات، أن مشغلي شبكات الهاتف المحمول يواجهون بجانب الصراعات الدائرة، ضغوطاً متصاعدة نتيجة ارتفاع أسعار الوقود والعوائق المفروضة على استيراد المعدات، مما أدى إلى فقدان القطاع لفرص التطوير خلال السنوات الأخيرة وتأخر انتقاله إلى تقنيات الجيل الرابع التي تم تدشينها منذ نحو ثلاثة أشهر في اليمن.
ويرى الخبير القانوني اليمني أمين الأحمدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ما يجري يضر كثيراً ببيئة الاستثمار والأعمال بعد أن أصبح أهم قطاع إيرادي جاذب للاستثمارات، في حالة انكشاف وترد في منظومة أدائه وخدماته، إضافة إلى عجز الحكومة اليمنية عن التعامل مع هذا القطاع بشكل قانوني وهو ما تجسد في قضية شركة إم تي إن.
صفر دولي جديد للمحافظات
وأثار وزير الاتصالات وتقنية المعلومات اليمني نجيب العوج، الجدل أكثر من مرة مؤخراً بعد أن كشف في مقابلة تلفزيونية في مايو/ أيار الماضي، عن اعتزام وزارته إطلاق صفر دولي جديد للمحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية لا يخضع لرقابة الحوثيين، إضافة إلى تأكيده أمام البرلمان اليمني الذي عقد جلسات مقتضبه عقب تشكيل مجلس القيادة الرئاسي وعودته إلى عدن في نهاية إبريل/ نيسان الماضي، أن مؤسسات الاتصالات ليست منزلاً حتى يتم نقلها بسهولة وأنها عبارة عن استثمارات ويجب أن يكون هناك بيئة حقيقية وسليمة لنقلها من مناطق سيطرة الحوثيين إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.
ويرى الخبير الاقتصادي مختار السعيدي أن ما يحدث في قطاع الاتصالات منذ سنوات قد يكون نتيجة "تنسيق بين المؤسسات العامة وبعض المسؤولين في صنعاء وعدن، وهو ما يؤدي إلى التستر على الاختلالات والتبديد المتواصل لموارد هذا القطاع الذي تتحكم بإدارته صنعاء، بينما هناك مرونة في حركة أعماله وأنشطته وإيراداته بين المناطق الخاضعة لطرفي الصراع الدائر منذ 2015".