الهلع يسيطر على أسواق بريطانيا: هبوط الجنيه وانهيار السندات الحكومية

27 سبتمبر 2022
تراجع كبير في قيمة الجنيه (Getty)
+ الخط -

يسيطر الهلع على الأسواق البريطانية مع هبوط الجنيه إلى أدنى مستوياته أمام العملات وانهيار سوق السندات الحكومية، ما يرفع كلفة الاقتراض للمملكة المتحدة إلى مستويات أعلى من كل من إيطاليا واليونان. ويؤدي ضعف الجنيه إلى ارتفاع تكلفة استيراد المواد الغذائية والبنزين والسيارات والسلع الاستهلاكية، والتي ستنقلها الشركات إلى المستهلكين. كما تسود المخاوف على زيادة تكلفة الرهون العقارية، وسط توقعات بأن يرفع بنك إنكلترا أسعار الفائدة مجدداً لدعم الجنيه الإسترليني.

وبحسب استراتيجيي بنك أوف أميركا، فإن أسواق السندات الحكومية البريطانية تسير في طريقها نحو أسوأ عام منذ عام 1949، عندما كانت أوروبا تخرج من أنقاض الحرب العالمية الثانية. ويأتي ذلك بعد الإعلان عن خطة الحكومة لمواجهة التضخم عبر تخفيضات ضريبية كبيرة من دون تحديد مصدر تمويلها.

وأفادت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية بأن وزير الخزانة البريطانية كواسي كوارتنغ سيلتقي مع كبار المصرفيين البريطانيين وغيرهم من كبار الشخصيات اليوم الثلاثاء، في محادثات من المرجح أن تتحول إلى اجتماع أزمة بعد هبوط الجنيه الاسترليني والسندات الحكومية.

وظهرت البنوك من بين أكبر المستفيدين من الميزانية المصغرة التي تم الإعلان عنها يوم الجمعة الماضي، مع خفض رسوم الدمغة لدعم سوق الإسكان، فيما أدى حجم التخفيضات الضريبية، التي تفيد بشكل كبير الميسورين والقطاعات الضخمة، إلى صدمة ومخاوف بشأن كيفية دفعها.

استعداد للتقلبات

على نحو غير عادي، لم يُطلب من مكتب مسؤولية الميزانية، الجهة الرقابية المالية للحكومة، تقديم توقعات حول كيفية تأثير الحزمة على الاقتراض الحكومي والنمو الاقتصادي في السنوات المقبلة. 

وتستعد الأسواق لمزيد من التقلبات. وصل الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوى له على الإطلاق عند 1.035 دولاراً صباح يوم الإثنين، ويتم تداوله الآن عند حوالي 1.08 دولار، بانخفاض 7% هذا الشهر، وفق الصحيفة البريطانية.

أما تكاليف الاقتراض من الحكومة البريطانية، فهي في طريقها لتحقيق أكبر ارتفاع شهري لها على الإطلاق، والذي يعود إلى الخمسينيات من القرن الماضي. وتضررت الثقة الدولية ببريطانيا بسبب نهم الاقتراض لتمويل التخفيضات الضريبية. وقفز العائد على السندات الحكومية لمدة 10 سنوات إلى 4.1% دفعة واحدة من 3.1% قبل الميزانية المصغرة.

كما زادت معدلات الرهن العقاري، وأبرم العديد من مزودي خدمات الرهن العقاري صفقات، حيث توقع الاقتصاديون أن ترتفع أسعار الفائدة إلى 6% بحلول الصيف المقبل. وتعرضت أسهم البنوك والتأمين لضربة كبيرة.

وقال كوارتنغ أمس إنه سيعلن كيف ستنخفض الديون الحكومية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي على المدى المتوسط، في نوفمبر/ تشرين الثاني.

وحذر الرئيس التنفيذي لمؤسسة ريزوليوشنز، تورستن بيل، في حديث مع "سكاي نيوز" من أن الأسواق لا تثق بجدية خطط الحكومة، مضيفاً: "في النهاية، سيعني خفض الضرائب سوء الخدمات العامة، أو زيادة ضرائب الأشخاص الآخرين، وهذه الخيارات يعتبرها السوق سياسات غير جادة".

ولفت إلى أن اليوم، يتم تداول سندات الخزانة البريطانية لأجل خمس سنوات بعائد 4.3%، أعلى من اليونان (4%)، أو إيطاليا (4%)، اللتين استحوذت عليهما أزمة ديون منطقة اليورو قبل عقد من الزمان.

مقامرة متهورة

ويبدو أن الأزمة المتزايدة تتجه لتصبح مثل تأثير الدومينو على المؤشرات الاقتصادية كافة. حيث يظهر التراجع في الجنيه الاسترليني والارتفاع في عوائد السندات أن الأسواق المالية تشعر بقلق متزايد بشأن اتجاه سياسة الاقتصاد الكلي في المملكة المتحدة. 

ويعكس الانخفاض في الجنيه المخاوف من أن عجز الحساب الجاري في المملكة المتحدة (قياس تدفق السلع والخدمات والاستثمارات داخل وخارج البلاد) سوف يتضخم على نطاق أوسع، مما يتطلب عملة أضعف حتى تتماشى معها.

ومن المتوقع الآن أن يبلغ متوسط عجز الحساب الجاري ثمانية في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عامي 2022 و2023، وفقاً لـ "بانثيون ماكروإيكونوميكس"، وهي شركة استشارية بحثية مستقلة. تُظهر بيانات بنك إنكلترا التي تعود إلى عام 1772 أنه تم تجاوز هذا المستوى من العجز في ثلاث مناسبات فقط، كل واحدة منها خلال الحرب العالمية الثانية، بحسب "ذا غارديان".

بعبارات بسيطة، أصبح الشعب البريطاني أكثر فقراً دون الاستمتاع بفوائد العملة الأكثر تنافسية. كذا يواجه حاملو الرهن العقاري تكاليف إضافية "ضخمة" إذا قفزت الأسعار. وحذر وزير الصحة في حكومة الظل ويس ستريتنغ في حديث مع "سكاي نيوز" من أن الاضطراب في سوق الرهن العقاري هذا الأسبوع، والذي أجبر العديد من المقرضين على سحب الصفقات، هو مجرد "غيض من فيض".

وأضاف: "وماذا كانت إجابة المستشار بالأمس؟ لا تقلقوا يا رفاق، في تشرين الثاني/نوفمبر، سأضع بعض القواعد المالية الجديدة". وتابع ستريتنغ أن "هذه ليست قيادة جادة، إنها مقامرة متهورة".

المساهمون