النفط العربي والإيراني في قلب استراتيجية صراع النفوذ بين واشنطن وبكين

28 يوليو 2021
الرئيس الصيني شي مع نظيره الإيراني روحاني لدى زيارته إلى طهران في 2016 (Getty)
+ الخط -

بينما تعمل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على بناء "تحالف الديمقراطيات الرأسمالية" لاحتواء تمدد بكين التجاري والاقتصادي والتقني، يتزايد التوتر بين عملاقي التجارة والاقتصاد في العالم. أولى مؤشرات تصاعد التوتر نتائج المحادثات التي جرت يوم الإثنين في الصين وقادتها أرفع مسؤولة في إدارة بايدن، وهي نائبة وزير الخارجية ويندي شيرمان، وانتهت إلى طريق مسدود في الحوار بين القطبين.

ويرى مسؤولون أن إدارة بايدن ربما ستكون أكثر تشدداً في علاقاتها مع الصين خلال السنوات المقبلة مقارنة بإدارة الرئيس دونالد ترامب، إذ إن إدارة بايدن ستعمل على محاصرة الصين ليس فقط على انفراد، ولكن عبر تحالف عريض وقوي في أوروبا وآسيا، كما تتجه لزيادة الحظر التجاري والتقني على شركات بكين.

وسط هذا التوتر المبكر في العلاقات بين واشنطن وبكين، يبرز التنافس على الطاقة وتحديداً على إمدادات النفط العربي الذي لا يزال يشكل الثقل الرئيسي في إمدادات الطاقة العالمية.
وعلى الرغم من الحديث المتواصل عن الطاقات المتجددة ونهاية عصر الخام الأسود، فإن النفط ستتواصل أهميته الرئيسية في تلبية احتياجات الطاقة العالمية، وربما حتى نهاية العقد الجاري، حسب تقديرات بيوت الخبرة وصناعة الطاقة العالمية.
في هذا الشأن، يرى خبراء أن الصين قلقة على مستقبل أمن إمداداتها من النفط، وأنها تعمل على بناء "منطقة نفوذ اقتصادي وتجاري" في المنطقة العربية وإيران، مستفيدة في ذلك من الفشل الأميركي في معالجة قضايا المنطقة المهمة.

عن هذه النقطة، يقول الاقتصادي الإيطالي، البروفسور جيان كارلو، في تحليل بنشرة "مودرن دبلوماسي" الآسيوية، إن بكين تبني شراكات اقتصادية طويلة المدى مع دول رئيسية في المنطقة ضمن استراتيجية بناء "الفضاء التجاري والاقتصادي" الجديد المنافس لفضاء الهيمنة الأميركية.

وتركز الصين في بناء الفضاء التجاري والطاقوي الجديد على سد الفراغ الذي تركته واشنطن، حيث تركز على توقيع شراكات طويلة المدى مع كل من العراق وإيران، وتدخل في شراكات بناء مصاف في السعودية وعمليات مبادلة نقدية لليوان في الإمارات العربية.
وتترجم بكين ذلك عملياً عبر تأسيس الشراكات الاستراتيجية في المناطق الغنية بالنفط، إذ لديها شراكات طويلة الأجل مع دول بالمنطقة العربية ومشاريع استثمارية بمنطقة آسيا الوسطى، مثل تلك التي وقعتها في مارس/ آذار الماضي مع الحكومة الإيرانية والتي تمتد لمدة 25 عاماً، وتشمل استثمار 400 مليار دولار على مدى 25 عاماً في مشروعات البنية التحتية، ومشروعات النفط والغاز والبتروكيماويات، وتحديث شبكات الاتصالات والمواصلات. وهذه الشراكة تساهم بدور غير مباشر في تعزيز مكانة الصين بالمنطقة.
وفي العراق، وقعت الشركات الصينية مشاريع شراكات استراتيجية ضمن صفقة أطلقت عليها اسم "النفط مقابل تنفيذ مشاريع التنمية والخدمات".

الصين قلقة على مستقبل أمن إمداداتها من النفط، وأنها تعمل على بناء "منطقة نفوذ اقتصادي وتجاري" في المنطقة العربية وإيران

وحسب نشرة "أويل برايس" الأميركية، في تحليل يوم الاثنين، فإن الحكومة العراقية وافقت على برنامج صيني يقوم على توفير إمدادات نفطية قدرها 300 ألف برميل يومياً مقابل قيام شركة "سي أن سي أي سي" ببناء مجموعة من المشاريع الخدمية والسكنية ومشاريع تطوير الصناعة النفطية وزيادة الإنتاج العراقي، بعضها يمتد لمدة 25 عاماً. من بين هذه المشاريع، تأسيس مصفاة ومجمع بتروكيماويات في منطقة الفاو، جنوبي العراق.

وحسب نشرة "آرغوس" الأميركية، في تقرير لها بهذا الشأن، فإن مصفاة الفاو ستمول بالكامل من قبل الصين، كما أنها مخصصة لتصدير المشتقات النفطية لبلاد التنين وليس للسوق المحلي. كما ستقوم الشركات الصينية أيضاً بإنشاء مطار جوي في الناصرية و90 ألف منزل بمدينة الصدر ضمن مشروع الشراكة العراقية الصينية.
وكانت شركة صاينوبيك النفطية الصينية المملوكة للدولة قد وقعت في بداية العام الجاري اتفاقاً مع وزارة النفط العراقية لمدة 25 عاماً يمنحها حصة 49% من مكامن الغاز في منطقة المنصورية. وبالتالي فإن الصين تبني استراتيجية متكاملة لأمن الطاقة في المنطقة ربما تبدأ بإيران والعراق، ولكنها تتكامل فعلياً مع استراتيجية حليفها الذي يسيطر على موارد الطاقة في سورية ويعمل على كسب مشاريع الطاقة في كل من لبنان وليبيا.
ومنذ سنوات، باتت الصين أكبر مستورد للنفط في العالم واحتلت مكانة الولايات المتحدة، حيث استوردت الصين نحو 10.51 ملايين برميل يومياً في النصف الأول من العام الجاري، وكانت قد استوردت نحو 12.9 مليون برميل يومياً معظمها من المنطقة العربية، وذلك وفقاً لبيانات الجمارك الصينية الصادرة أمس، الثلاثاء.

وبينما تنسحب الشركات الغربية تدريجياً من الاستثمار في النفط العربي، تعمل الصين على زيادة حصتها في تطوير وإنتاج النفط في كل من العراق وإيران وعدة مناطق في شمال أفريقيا.

ورغم أن الولايات المتحدة لم تعد من مستوردي النفط العربي مثلما هو الحال بالنسبة للصين، إلا أن النفط يمثل أهمية استراتيجية بالغة في محاور التنافس الجاري على بناء "النظام العالمي الجديد" ، وتعزيز نفوذها المالي والنقدي والاقتصادي والصناعي.

على الرغم من الحديث المتواصل عن الطاقات المتجددة ونهاية عصر الخام الأسود، فإن النفط ستتواصل أهميته الرئيسية في تلبية احتياجات الطاقة العالمية

من ناحية دور النفط العربي في الحفاظ على الهيمنة الأميركية، على الرغم من عدم حاجة أميركا لاستيراد الخامات النفطية العربية في السنوات الأخيرة، فإن النظام النقدي والمالي  العالمي الذي بُني على الدولار يعتمد في جانب كبير منه على النفط العربي ونفوذ الدول العربية على منظمة "أوبك" التي تبنت نظام بيع النفط بالدولار منذ السبعينيات وأصبح غطاءً مهماً للعملة الأميركية بعد تعويم الدولار وفك ارتباطه بالذهب.
ويستهلك العالم في الوقت الراهن نحو 100 مليون برميل يومياً من النفط ويباع جله بالدولار، وهو ما يعني أن كل الدول المستهلكة لهذا النفط تحتاج إلى دولارات أميركية لشرائه، وبالتالي فإن احتياطات البنوك المركزية العالمية ترفع الطلب على الدولارات لتلبية تسديد فاتورة النفط.

وهذا العامل يرفع الطلب العالمي على الورقة الخضراء، كما أن جل الصفقات على عقود النفط في أسواق المال والمشتقات النفطية تنفذ بالدولار.

على صعيد أمن الطاقة العالمي، فإن واشنطن مسؤولة بشكل مباشر عن توفير الطاقة لتحالف دول"الديمقراطيات الرأسمالية" التي تعتمد عليها في استراتيجية احتواء بكين، إذ إن كل من اليابان ودول النمور الآسيوية ودول الاتحاد الأوروبي تعتمد بشكل مباشر في إمداداتها على النفط العربي.

ويلاحظ أن تحالف الصين وروسيا الذي يعمل على مقاومة نفوذ واشنطن يزيد من نشاطه في مشاريع الطاقة العربية.

من جانبها، تستخدم موسكو سلاح الغاز الطبيعي بشكل فعال للهيمنة على القرار الأوروبي. ويرفع تحالف بكين وموسكو من أهمية الطاقة العربية في تلبية احتياجات أمن الدول الغربية من النفط والغاز الطبيعي.

وكانت اليابان قد دعت خلال الشهر الجاري لتغيير مسار إمدادات النفط من بحر الصين الجنوبي الذي تهيمن عليه بكين إلى مسار آمن بالنسبة لها في حال حدوث تطور غير محسوب  العواقب في المستقبل.

ويرى الدكتور جيمس دورسي، في تحليل بهذا الشأن، في 22 من الشهر الجاري، أن الصين التي تتفادى حتى الآن بناء نفوذ عسكري وأمني مباشر في مناطق مصالحها الاقتصادية الحيوية ربما قد تضطر في المستقبل لبناء المزيد من القواعد العسكرية لحماية أمن الطاقة وموارد السلع الأولية التي تعتمد عليها في تمددها التجاري والصناعي في العالم.

وكانت نشرة "الأكاديمية العسكرية الصينية" قد أشارت، في تقرير، إلى أن الصين تعد العدة لليوم الذي تحتاج فيه لنشر نفوذها العسكري في المناطق الحيوية لمصالحها، وبالتالي فإن على واشنطن مسؤولية توفير أمن الطاقة للدول المتحالفة معها والمستهلكة للنفط العربي.

المساهمون