- النفط، الذي يشكل ثلثي الموازنة الوطنية، يتأثر بالإغلاقات المتفرقة لأسباب سياسية وغموض في التحركات المالية، مما يزيد من التحديات الاقتصادية.
- الوضع السياسي المضطرب يؤثر سلباً على الاقتصاد، مع تهديدات بإغلاق مجمع مليتة للنفط والغاز والحاجة إلى حل حكومي موحد لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وجذب الثقة الدولية.
على الرغم من مرور أكثر من 6 شهور على الفيضانات المدمرة التي اجتاحت البلاد في سبتمبر/أيلول الماضي، لا تزال ليبيا تعاني من تداعياتها على الاقتصاد الذي يواجه أزمات خانقة.
وحسب مراقبين، فإن كلمة سر خروج ليبيا من كبوتها هي الوصول إلى مواردها الغنية والاستفادة منها.
وعن الأزمة المالية التي تجتاح ليبيا حالياً، ذكرت وكالة "نوفا" الإيطالية للأنباء في تقرير حديث حمل عنوان "اللعبة الكبرى للسيطرة على الموارد المالية في ليبيا"، أن "الموازنة الليبية لعام 2024 معطلة وميزانية الاستثمارات لعام 2023 لم يُصدق عليها بعد، في حين يتأخر صرف الرواتب العامة لمدد طويلة".
وحسب التقرير، "يغطي الإنفاق على الرواتب حوالي ثلثي الموازنة الوطنية"، مضيفا أن "النفط يتدفق بانتظام في ليبيا منذ ثلاث سنوات، باستثناء عمليات الإغلاق المتفرقة التي تُستغَل دائمًا في تحقيق غايات سياسية. كل ذلك في سياق يتسم بغموض الحسابات والشكوك حيال إمكانية تحرك مبالغ مالية كبيرة خارج القنوات الرسمية".
من جانبها، أوضحت كبير المحللين بمجموعة الأزمات الدولية، كلاوديا غاتزيني، أن التطورات التي تشهدها ليبيا تدور جميعها حول النفاذ إلى الموارد المالية للبلاد.
وتهديد جهاز حرس المنشآت النفطية الليبي بإغلاق مجمع مليتة للنفط والغاز وهو المنفذ الوحيد لتصدير الغاز الليبي إلى إيطاليا عبر خط أنابيب غرين ستريم (والذي نُفذ بالفعل يوم 25 فبراير/شباط واستمر لمدة يوم واحد)، لم يكن سوى مظهر هامشي لمباراة أوسع نطاقاً بكثير من أجل الموارد المالية الهائلة لليبيا".
وأشارت غاتزيني، في حديث خاص للوكالة، إلى أن "الخطوة الأهم في هذا السياق تمثلت في قرار رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، تأسيس صندوق إعادة الإعمار واسع النطاق بعد كارثة فيضان درنة، برئاسة بلقاسم حفتر أحد أبناء الجنرال خليفة حفتر، ومن المفترض أن يموله فعليا محافظ المصرف المركزي في طرابلس الصديق الكبير"، مضيفة أن "المجلس النيابي شكّل في الوقت ذاته لجنة مالية برئاسة النائب عمر تنتوش والتي من المفترض أن تحل محل الهيئة المالية القديمة المرتبطة بالمجلس الرئاسي في طرابلس، وذلك بهدف ضمان وصول الأموال إلى الشرق مع محاولة تجميد الأموال المستحقة لحكومة طرابلس".
ورأت المحللة الإيطالية أن "هذه كلها مسائل تبدو في الخلفية مرتبطة بالمشكلة الفعلية لصرف الرواتب، حتى وإن تبين أن رواتب شهر يناير/ كانون الثاني قد صُرفت بالفعل".
ورداً على سؤال حول التحذير الذي أطلقه عقيلة صالح إلى مصرف ليبيا المركزي وإلى كافة المؤسسات والشركات العامة في البلاد بعدم التعامل مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، قالت غاتزيني إنها لا تستطيع "التنبؤ بالمستقبل إزاء هذا التهديد وما إذا كانت المؤسسات المالية سوف تتوصل لاتفاق لتجنب تحمل نفقات الدبيبة. ولكن يبدو لي أن جوهر القضية يكمن في كون ليبيا بصدد لعبة سياسية تنهمك فيها الأطراف في فحص قضايا ذات أهمية اقتصادية بالغة".
وفي سياق متصل، أوضحت دراسة حديثة نشرها معهد "زا سينتري" الأميركي للأبحاث في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تحت عنوان "انتعاشة ليبيا الكليبتوقراطية" أن "مصرف ليبيا المركزي يقع في قلب شبكات محسوبية مهمة، بالنظر إلى دوره في ضبط المنظومة المصرفية وتحديد نسب توزيع عوائد النفط بين سلطات شرق وغرب ليبيا".
وشددت الدراسة على أن "عائلة الجنرال حفتر في شرق ليبيا تحظى بتأثير قوي على المؤسسات الاقتصادية والمالية، ما أتاح منح قروض ميسرة وإسناد مناصب محورية لأشخاص قريبين من العائلة، وذلك من خلال آلية تسهم في نمو الاتجار غير المشروع".
ورأى كبير المستشارين في مركز "ميد-أور" للأبحاث التابع لمجموعة "ليوناردو" الإيطالية لصناعات الدفاع، دانييلي روفينيتّي، أنه "حتى وإن غابت الاشتباكات العسكرية عن الساحة الليبية في الوقت الحالي، فإن الواقع على الأرض يتسم بالكآبة: فالعملية السياسية تشهد شللاً كاملاً، ما يؤدي إلى تنمية الاقتصاد غير المشروع وخلق المزيد من الانقسامات، في ظل تعطل الاقتصاد الرسمي".
وتابع روفينيتّي، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، أن "وزير الاقتصاد والتجارة الليبي محمد الحويج بحث يوم 7 مارس/ آذار الجاري مع مدير عام البنك الإسلامي للتنمية ومدير فرعه في ليبيا مجالات التعاون لتنفيذ خطة التنمية الاقتصادية والتوطين الصناعي في ليبيا"، مستدركاً بقوله إنه "يبدو من الصعوبة بمكان، على الرغم من ذلك، متابعة بعض المشاريع في ظل غياب هيكل سياسي إداري ملائم يدعمها. وعلاوة على ذلك، هناك ما يقرب من 5 مليارات دولار من عائدات النفط مفقودة من حسابات الدولة".
وأوضح أنه "من الطبيعي تماماً في هذا السياق، أن تجد الشركات الإيطالية العاملة في ليبيا مشقة في مزاولة أنشطتها الاقتصادية. لكن هذا الواقع يفتح المجال أمام سيناريو آخر أسوأ: إذا أبطأت ليبيا تعاونها مع إيطاليا، فسوف يعرضها ذلك لمزيد من الوهن من وجهة النظر الاقتصادية".
وختم الخبير الإيطالي بقوله: "أشدد مجدداً على أن الحل في ليبيا يمر أولا وقبل كل شيء من طريق السياسة. والحقيقة هي أن طرابلس بحاجة إلى حل حكومي من شأنه السماح بإدارة البلاد بأسلوب موحد ومنسجم، ما يصب أيضاً في مصلحة الاقتصاد، من خلال إعطائه دفعة مؤكدة للثقة الدولية فيه".