المواطن المصري و"صفر" الحكومة الكبير

16 فبراير 2020
مخصصات الحكومة المصرية صفر على الصعيد والكهرباء ومحو الأمية(Getty)
+ الخط -


ما كشفه التقرير نصف السنوي الصادر قبل أيام عن وزارة المالية المصرية، يؤكد أن التصريحات الوردية الصادرة عن الحكومة بشأن تحسين الوضع المعيشي والخدمي للمواطن ورفع الأعباء المالية عنه هي للاستهلاك المحلي ليس إلا، وأن حديث كبار المسؤولين عن الاهتمام المتزايد بمنطقة الصعيد وقطاعات حيوية مثل الصحة والصناعة والزراعة والصادرات يتنافى مع الواقع، ولا دليل مادياً عليه.

كما أن وعود الحد من الدين العام ذهبت أدراج الرياح بعد أن تجاوز حجم الدين الخارجي 109 مليار دولار بنهاية شهر يونيو الماضي.

كما تؤكد أرقام المالية أن الحكومة لم تكتف فقط بخفض الدعم المقدم لسلع رئيسية، بل باتت الموازنة العامة تحقق وفورات مالية تقدر بعشرات المليارات من الجنيهات مع خفض تكلفة الوقود وتراجع أسعار النفط والمشتقات البترولية في الأسواق العالمية وزيادة إنتاج البلاد من الغاز الطبيعي.

وفي الوقت الذي تتشدق فيه الحكومة بتنمية محافظات الصعيد الأكثر فقراً وبطالة وعشوائية، وتعلن عن تخصيص مليار دولار لتمويل المشروعات الخدمية في المنطق الجنوبية من البلاد، نجد أن الأرقام الرسمية تكشف أن ما خُصِّص لأهالي الصعيد خلال النصف الأول من العام المالي الجاري 2019-2020 (من يوليو – ديسمبر 2019) هو صفر كبير.

وأن هذا الصفر كان أيضاً من نصيب قطاعات مهمة بالصناعة، مثل دعم الإنتاج الصناعي ودعم الأراضي الصناعية، كما أن الصفر كان من نصيب دعم قطاع الكهرباء، السلعة الأكثر أهمية للمواطن بعد رغيف الخبز. وأمتد الصفر إلى نفقات محو الأمية ومزايا الأمان الاجتماعي العينية.

كذلك، وحسب أرقام وزارة المالية، فقد تم خفض دعم فائدة القروض الميسرة بمعدلات كبيرة لتصل إلى 6 ملايين جنيه في النصف الأول من العام المالي الجاري مقابل 18 مليون جنيه في الفترة المقابلة من العام الماضي، فيما أُنفق 24.9 مليار جنيه فقط على دعم السلع التموينية وبما يعادل نحو 28% من مخصصات العام البالغ قيمتها 89 مليار جنيه.

أما بالنسبة إلى دعم إسكان محدودي الدخل والإسكان الاجتماعي، فإن ما أُنفق عليه بلغ 431 مليون جنيه فقط في نصف عام من بين مخصصات تبلغ 3.9 مليارات جنيه لعام كامل، وما أُنفق على قطاع الصحة يقلّ كثيراً عن نصف المخصصات الحكومية للعام المالي الحالي.

وحسب الأرقام الحكومية، فإن دعم التأمين الصحي والأدوية بلغ 1.4 مليار جنيه من بين مخصصات في الموازنة العامة تبلغ 3.56 مليار جنيه.

تقرير وزارة المالية الأخير كشف عن مؤشرات مهمة تقول إن الحكومة في وادٍ والمواطن في وادٍ آخر. ومن أبرز هذه المؤشرات:

1

بلغ الدعم الحكومي المقدم للكهرباء صفراً في النصف الأول من السنة المالية الحالية 2019-2020 مقابل 7.992 مليارات جنيه قبل عام. أي إن الحكومة لم تدعم استهلاك المواطن من الكهرباء بجنيه واحد، عكس تصريحات كثير من كبار المسؤولين عن استمرار دعم الكهرباء، خاصة للطبقات الفقيرة والمتوسطة.

هذا يعني أن المواطن تحمّل تكلفة فاتورة الكهرباء كاملة خلال النصف الأول من العام المالي الحالي، وأنه اشترى الكهرباء بسعر التكلفة، ولا أستبعد تحقيق الحكومة ربحاً مع تراجع تكلفة الطاقة والبترول عالمياً، أو على الأقل وفرت الدعم المخصص في الموازنة والبالغ 4 مليارات جنيه.

والملفت هنا أن محمد شاكر وزير الكهرباء، رفض قبل أيام اقتراحا أمام البرلمان بخفض أسعار الكهرباء للصناعة قائلا إنه سيؤثر سلباً في الدعم الموجه للاستهلاك المنزلي، فعن أي دعم يتحدث الوزير؟

كما أن صفر دعم الكهرباء يعني أن الحكومة لا تفي بوعودها، فوزير الكهرباء أعلن مرات عدة أن الإلغاء النهائي لدعم الكهرباء، سيكون في موازنة العام المالي المقبل 2020/ 2021، التي تبدأ في يوليو/تموز المقبل.

2

انخفضت قيمة الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية في مصر خلال النصف الأول من العام المالي الحالي بنحو 37 مليار جنيه مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق، حيث انخفض الدعم من 112.5 مليار جنيه، إلى 75.6 مليار جنيه بنسبة انخفاض 32%، وهي نسبة كبيرة.

وتتنافى تلك الأرقام مع تأكيد وزارة المالية حرص الحكومة على زيادة الأموال المخصصة للإنفاق على برامج الحماية الاجتماعية بموازنة العام المالي 2019/2020، خاصة برامج دعم السلع والإسكان الاجتماعي، والدعم النقدي غير المشروط، مثل تكافل وكرامة، وبرامج الحماية الاجتماعية للمتضررين من النكبات والكوارث، وبرامج التغذية المدرسية، وبرامج حماية وتأهيل وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة، وتطوير الخدمات المقدمة وزيادة مخصصات التعليم والصحة على حساب خفض دعم الطاقة.

3

تراجع دعم المواد البترولية في الموازنة العامة خلال النصف الأول من العام المالي الجاري، من 30.2 مليار جنيه، إلى 9.9 مليارات جنيه، بنسبة انخفاض 67.2%، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. صحيح أن هذا الخفض يتفق مع خطة الحكومة والرامية إلى تحرير سعر الوقود كاملا، حيث أن ما خصصته الحكومة من دعم للمشتقات البترولية 52.9 مليار جنيه للعام المالي 2019 / 2020، لكن السؤال هنا عن مصير الوفر الضخم المحقق في دعم الوقود، ما انعكاساته على بنود المخصصات الأخرى خاصة التعليم والصحة؟

4

تم خفض دعم المزارعين في الموازنة العامة خلال النصف الأول من العام من 504 ملايين جنيه، إلى 14 مليون جنيه فقط بنسبة انخفاض بلغت 97.2%، مقارنة بالعام السابق. وهذا يتناقض مع الحديث الرسمي عن اهتمام الحكومة بقطاع الزراعة الحيوي وزيادة مساحات زراعة القمح وغيرها من المحاصيل الرئيسية.

5

حدوث تراجع حاد في قيمة المساعدات الاجتماعية في الموازنة خلال النصف الأول من العام المالي، حيث تراجعت قيمة المساعدات من 24.6 مليار جنيه، إلى 15 مليار جنيه بنسبة تراجع 39%، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وهو ما يعني أن التصريحات الحكومية عن زيادة المساعدات المقدمة للفقراء غير دقيقة.

6

مواصلة الحكومة سياسة التوسع في الاقتراض من البنوك، رغم الحديث المتواصل عن خفض الاقتراض وكلفته وترشيده لأبعد حد، فقد أظهرت أرقام وزارة المالية أن إصدارات الدين العام زادت نحو 12% في النصف الأول من العام الجاري، وأن الحكومة اقترضت في نصف عام نحو 513 مليار جنيه، مقارنة بـ460.1 مليار جنيه قبل سنة.

7

تثبيت دعم نقل الركاب عند 925 مليون جنيه، وهو نفس قيمة العام الماضي على الرغم من رفع الحكومة تذاكر وسائل النقل العام ومنها مترو الانفاق والقطارات.

8

خفض قيمة معاش الضمان الاجتماعي، فحجم ما تم انفاقه في النصف الأول من العام المالي بلغ 9.252 مليار جنيه مقابل 10.285 مليار جنيه بتراجع قيمته 1.217 مليار جنيه.

هذه أبرز المؤشرات التي كشف عنها التقرير نصف السنوي لوزارة المالية والذي كشف أيضا عن نقاطاً إيجابية منها مثلا زيادة مخصصات التأمين الصحي والأدوية خلال النصف الأول من العام بنحو 319 مليون جنيه، وزيادة دعم السلع التموينية بنحو 561 مليون جنيه، وزيادة نفقات العلاج على حساب الدولة التي زات من 2.57 مليار إلى 3.2 مليار جنيه، إلا أن هذه الزيادات تظل محدودة الأثر مع الزيادات في أسعار السلع والخدمات الأخرى مثل البنزين والسولار والكهرباء والمياه والرسوم الحكومية والضرائب وغيرها.

المساهمون