استمع إلى الملخص
- يعاني اليمنيون من أزمة حادة في توفير المياه بسبب الحرب المستمرة، مما أدى إلى توقف مشاريع المياه وارتفاع أسعار شراء المياه، مع تهديد صنعاء بالجفاف.
- تشير تقارير دولية إلى أن 17.4 مليون يمني بحاجة إلى مساعدة للحصول على المياه، مع انتشار الأمراض بسبب نقص المياه الصالحة للشرب، ويوصي الخبراء بتحديث الاستراتيجيات الوطنية للمياه.
تواجه أسرة نميم ياسين صعوبات في الحصول على المياه حيث تحصل عليها من مشروع مياه مدعوم من إحدى المنظمات بريف تعز في وسط اليمن غير أن المشروع لا يأتي إلا مرة واحدة فقط في الشهر، وتدفع مقابل ما تحصل عليه من المياه مبالغ باهظة.
تقول نميم لـ"العربي الجديد": "لدينا مشروع ماء كان يعمل في السابق بالديزل، ويفتح الماء أربع مرات بالشهر، وبات مدعوما من إحدى المنظمات ويشتغل بالطاقة الشمسية، أي لا يستهلك ديزل ولا أي مشتقات نفطية، وللأسف صار يتم فتح الماء مرة واحدة في الشهر".
وتضيف نميم: "مع ذلك ندفع ثمن الديبازي (التأمين) 3600 ريال (الدولار يساوي 1840 ريالاً في مناطق الحكومة الشرعية)، ولو طلع الماء حتى وحدة واحدة يتم تدفيعنا 3600 ريال أخرى، وسافرنا إلى صنعاء، وعدنا لنُفاجأ بأن فاتورة الماء 27 ألف ريال، رغم أننا غير موجودين في البيت، ولا أعرف ما سبب هذا المبلغ الكبير رغم عدم استخدامنا الماء".
ويواجه اليمنيون أزمة خانقة في توفير المياه، حيث تسببت الحرب التي تشهدها البلاد منذ تسع سنوات بتوقف مشاريع المياه، ما جعل بعض المنظمات تدعم مشاريع المياه في بعض المناطق، غير أنها لا تغطيها كلها.
ويعتمد السكان في المدن اليمنية بشكل رئيسي على شراء الماء، حيث يبلغ سعر أربعة آلاف ليتر في صنعاء 10 آلاف ريال يمني (الدولار يساوي 535 ريالاً في مناطق سيطرة الحوثيين) بينما يبلغ سعر الكمية نفسها في تعز 24 ألف ريال (الدولار يساوي 1840 ريالا في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية).
كما أن منظمات وجمعيات خيرية واجهت أزمة المياه عبر مشاريع خيرية مثل "مياه سبيل" في الحارات، حيث يُعبأ غالون كبير في الحارة بالمياه، ليستفيد منه الفقراء بتعبئة المياه مجانا، ما يتسبب بطوابير طويلة أمام هذه الغالونات التي تعاني من انقطاع المياه بين الحين والآخر.
أحمد الحميري، صاحب صهريج لبيع الماء في تعز، قال لـ"العربي الجديد" إن بيع الماء لم يعد مجدياً كالسابق بالنسبة لنا، حيث هناك العديد من العوامل التي أثرت سلبا على عملنا، وفي مقدمتها الارتفاع الدائم لأسعار الديزل والبترول، بالإضافة إلى اضطرارنا إلى بيع الماء من منطقة وادي الضباب التي تبعد عن وسط المدينة أكثر من خمسة كيلومترات".
ويعتمد السكان في معظم المناطق الريفية في اليمن على مياه الآبار لتوفير احتياجاتهم من المياه، كما أن السكان في مناطق أخرى وخاصة المناطق الجبلية يعتمدون على الخزانات الخاصة التي تقوم بتجميع مياه الأمطار في توفير احتياجاتهم من مياه الشرب.
سلمى أحمد (14 عاما) تضطر لأن تحمل الماء على الحمار من البئر التي تبعد أكثر من كيلومتر عن منزلها في ريف صنعاء لتحصل على احتياجات أسرتها من المياه. وتعد صنعاء من أكثر المدن المهددة بالجفاف، إذ يتحدث الخبراء عن جفاف وشيك في حوض صنعاء المائي، الذي يتضمن 22 حوضا فرعيا، ويمتد ليغطي تسع مديريات، بما فيها أمانة العاصمة، في حين لا تتجاوز مساحته الإجمالية 32.9 كيلومترا مربعا، والذي يشهد انخفاضا حادا في منسوب المياه السنوي، يتراوح بين مترين وستة أمتار.
ويعزو خبراء انخفاض منسوب المياه في حوض صنعاء إلى عدة عوامل، أبرزها النمو السكاني المتسارع في العاصمة صنعاء، وزيادة أعداد الآبار المحفورة حول حوض صنعاء من 13000 بئر إلى 18500 بئر حاليا، بزيادة 5500 بئر، حيث يوجد أكثر من 6000 بئر في مديرية بني حشيش شرق صنعاء، وتستخدم معظم مياه هذه الآبار في ري أشجار القات التي تستهلك 40% من المياه الجوفية المستخرجة من حوض صنعاء.
وتشير إحصائيات منظمة الأغذية والزراعة وافتراضاتها بشأن النمو السكاني، إلى أنه من المتوقع أن يزداد الطلب السنوي على المياه في اليمن زيادة تدريجية بنسبة تصل إلى 120% بحلول عام 2050. وفي مارس/آذار الماضي، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن 17 مليوناً و400 ألف يمني بحاجة إلى مساعدة للحصول على المياه.
جاء ذلك في منشور للمنظمة الأممية على منصة "إكس" بمناسبة "اليوم العالمي للمياه" الواقع في 22 مارس من كل عام. وقالت: "يحتاج 17 مليوناً و400 ألف شخص في اليمن، نصفهم أطفال، إلى مساعدة للحصول على خدمات المياه والصرف الصحي، ونحتاج إلى توحيد الجهود لتحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة المتمثل في ضمان توفر المياه وإدارتها المستدامة للجميع".
وكشفت تقارير دولية أن نحو 4.5 ملايين طفل يمني يعيشون في منازل لا يتوفر فيها مصدر مياه ملائم. وعدم حصول معظم اليمنيين على مياه صالحة للشرب تسبب في انتشار العديد من الأمراض والأوبئة وفي مقدمتها الكوليرا والملاريا، حيث حذرت الأمم المتحدة في مايو/أيار الماضي من تفاقم تفشي الإسهال الحاد والكوليرا في اليمن بسبب عقد من الصراع، مع تسجيل عشرات الآلاف من الحالات المصابة منذ بداية عام 2024، كما توقعت المنظمة أن يصل عدد حالات الكوليرا إلى 255 ألفاً بحلول سبتمبر/ أيلول 2024 إذا لم تُعزز جهود الاستجابة".
خبير الموارد المائية المهندس مروان الوجيه قال لـ"العربي الجديد" إن اليمن من أكثر الدول فقراً مائياً عالمياً، وأكثر الدول العربية شحاً في المياه وتحت خط الفقر المائي، فمثلا تبلغ حصة الفرد من المياه 120 مترا مكعبا سنويا مقارنة بالمعيار العالمي وهو 1000 متر مكعب سنويا".
وأشار الوجيه أن هذا ناتج عن التغيرات المناخية التي يُعتبر اليمن من أكثر الدول المتأثرة فيها، بسبب غياب الاستراتيجيات لمواجهة هذه الظاهرة، وما زاد الوضع سوءا هو الصراع الجاري في البلد الذي أدى إلى انهيار البنية التحتية، بالإضافة إلى أن الانفجار السكاني الحاصل هناك ضغَطَ على المصادر المائية، وهذا بدوره أدى إلى انخفاض حصول الفرد على الكمية الكافية والنظيفة من المياه".
ولفت الوجيه إلى عدم تطبيق القوانين المتعلقة بترشيد استخدام المياه، حيث أدى الحفر العشوائي للآبار واستخدام 80% منها في زراعة القات إلى هبوط في مستويات المياه خصوصا في حوضي صنعاء ودلتا تبن، وتصل أعماق الحفر إلى 1000 متر، وهذا الانخفاض في مستوى المياه الجوفية يشكل خطرا كبيرا على جودة المياه، كما أن التغيرات المناخية أدت إلى شح الأمطار.
ثم إن جفاف المصادر السطحية أدى بدوره إلى الضغط على المياه الجوفية، حيث إن السحب يقدر بمعدل ضعفي التغذية للمياه الجوفية". وأكد الوجيه أنه لمواجهة هذه التحديات، لا بد من تحديث الاستراتيجيات الوطنية الخاصة بقطاع المياه، وتحديد نافذة واحدة لتحديد الأولويات، وإشراك القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والمانحين، وتعزير المشاركة المجتمعية، ولتنفيذ هذه المصفوفة، لا بد من توزيع الأدوار بين الشركاء، كالمانحين وجهات حكومية ومنظمات دولية".