الفقاعة القادمة من الصين

27 يوليو 2022
أزمة إيفرغراند تهدد القطاع العقاري في الصين (فرانس برس)
+ الخط -

يعيش الاقتصاد العالمي حالياً أسوأ مراحله على الإطلاق، قديماً كانت أزمة اقتصادية أو حتى مالية تقلب الدنيا رأساً على عقب وتصيب الأسواق بالركود والكساد العظيم وربما الشلل التام، وتؤدي إلى إفلاس مؤسسات مالية وتعثّر القطاعات المالية والمصرفية والتأمينية.

لكن، هذه الأيام تجتمع عدة أزمات اقتصادية في آن واحد، التضخم الجامح أخطرها، حيث يهدد الغلاء القياسي الاقتصادات القوية والضعيفة على حد سواء، ويصيب الأسواق بالركود التضخمي، ويشل القدرات الشرائية للمواطن، ويأكل العملات الضعيفة ويغلق المصانع ومنشآت الإنتاج ويرفع معدلات الفقر والبطالة والجرائم والمشاكل الاجتماعية من سرقات وتسول وغيرهما.

وهناك أزمات الطاقة الحادة، حيث قفزات لا تتوقف في أسعار الغاز الطبيعي والنفط لم تشهدها أسواق أوروبا وغيرها من دول العالم.

هذه الأزمة التي زادت حدتها عقب اشتعال حرب أوكرانيا والحرب الاقتصادية بين روسيا والغرب باتت تؤثر سلباً وبشدة على القطاعات الاقتصادية حول العالم، بل وتصيب الأفراد بالرعب، حيث تمس تكاليف الحياة اليومية وترفع سعر الوقود من بنزين وسولار وغاز، وكذا تزيد كلفة فواتير الكهرباء والتدفئة والمواصلات العامة والمياه.

قفزات التضخم وأزمات الوقود والغذاء وزيادة سعر الفائدة وارتفاع كلفة الديون وحرب أوكرانيا تضغط بشدة على الاقتصاد العالمي

وهناك قفزات في أسعار القمح والحبوب وكل السلع الغذائية، وهناك أزمة الإمدادات ونقص السلع الوسيطة والمواد الخام، وهناك الخسائر الفادحة لجائحة ومتحورات كورونا، أسوأ أزمة صحية مر بها العالم على الإطلاق.

وهناك أزمة قفزات أسعار الفائدة على الدولار والتي ستسبب مشاكل مزعجة للدول التي تعتمد على الاقتراض الخارجي في سد الفجوات التمويلية وعجز الموازنة ودعم العملة، حيث ترفع القفزات كلفة وأعباء الديون الخارجية، وتعرقل إجراءات الحصول على قروض جديدة.

جديد أزمات الاقتصاد العالمي قادمة هذه المرة من الصين، حيث يتعرض قطاع العقارات المتعثر أصلاً لضربات عنيفة في ثاني أضخم اقتصاد في العالم.

فديون القطاع الدولارية تجاوزت الخط الأحمر، والشركات الكبرى دخلت مرحلة التعثر، وشركة "تشاينا إيفرغراند" العملاقة تتجاوز المديونيات المستحقة عليها 305 مليارات دولار، وبعضنا يذكر كيف أنّ تعثر الشركة الأولى والأضخم في روسيا تحول إلى الخبر الأول في عناوين الأخبار العالمية منذ شهور، عقب توقفها عن سداد مديونيات مستحقة عليها بمليارات الدولارات، وإقالة كبار مديريها التنفيذيين.

ومنذ الإعلان عن أزمة "إيفرغراند" تخلفت شركات عقارية كبرى ومطورين عن سداد ديونها، بما في ذلك شركات عملاقة مثل فانتاسيا وكايسا، كما تخلّفت شركة تطوير العقارات شيماو الشهيرة عن سداد أعباء ديون خارجية بقيمة مليار دولار كانت مستحقة قبل أيام، في أحدث ضربة لسوق العقارات الصيني المحاصر.

شركات صينية تعمل في قطاع العقارات باتت تقبل بيع المنازل الجديدة بنظام المقايضة بالطعام بدلا من المال

كما تعرّض قطاع العقارات الصيني المضطرب لضربة جديدة هذا الشهر، عندما توقف المستثمرون عن إتمام أقساط الرهن العقاري لوحدات ضمن مشاريع غير مستكملة.

أزمة القطاع عبر عنها خبر طريف كانت مثار تندر مواقع إخبارية عالمية مؤخرا، حيث أعلنت شركات صينية تعمل في قطاع العقارات أنها تقبل بيع المنازل الجديدة بنظام المقايضة بالطعام بدلا من المال، ومقابل دفع مقدمات المنازل بتوريد منتجات زراعية، من بينها الخوخ والبطيخ والثوم في مسعى منها لجذب المشترين.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

أزمة القطاع الصيني باتت معقدة جداً، فالشركات العقارية الكبرى توقفت عن سداد الديون المستحقة عليها، والبنوك توقفت عن منح تلك الشركات سيولة لاستكمال مشروعاتها.

وهناك فزع بين حاجزي العقارات والوحدات السكنية، وعزوف من مشتري العقارات عن إتمام أقساط الرهن العقاري لوحدات اشتروها ضمن مشاريع عملاقة لم يتم استكمال العمل بها بسبب جفاف الأموال وتراجع التدفقات النقدية، والشركات لا تجد السيولة الكافية لاستكمال تلك المشروعات المتوقفة أو إقامة مشروعات جديدة تجني منها الأموال.

أضف إلى ذلك أن أسعار المساكن تراجعت بشدة، وهو ما أدى إلى إحجام ملايين الصينيين عن البيع فزعاً ولو بخسائر، أو تأجيل قرار الشراء إلى حين استقرار السوق وضمان عدم انهياره.

الشركات العقارية الكبرى توقفت عن سداد الديون المستحقة عليها، والبنوك توقفت عن منح تلك الشركات سيولة لاستكمال مشروعاتها

كما سجلت مبيعات المنازل تراجعاً لمدة 11 شهراً متواصلة، وهو مما تسبب في عجز شركات رئيسية عاملة في القطاع عن سداد ديونها. وقبلها تعرّضت شركات العقارات الصينية لضربة ناجمة عن أزمة كوفيد، إذ دفعت الضبابية الاقتصادية العديد من المستثمرين المحتملين إلى إعادة النظر في خططهم لشراء المنازل.

الصين تحاول وبكل الطرق احتواء أكبر وأخطر أزمة عقارية قد يشهدها العالم، إذ تعتزم تأسيس صندوق لتمويل القطاع العقاري بقيمة تصل إلى 300 مليار يوان، أي نحو 44 مليار دولار، بهدف حل أزمة الديون العقارية الحادة.

لكنّ هذا المبلغ غير كافٍ في ظل ضخامة المبالغ المستحقة على الشركات الكبرى، ورفض البنوك ضخ سيولة جديدة في القطاع، وعزوف المشترين عن حيازة عقارات جديدة.

صحيح أن الصين تغلبت على أزمة كورونا ونجحت إلى حد كبير في تطبيق سياسة صفر كورونا، لكن قدرتها على احتواء أزمة قطاع العقارات تبدو ضعيفة في ظل ضخامة الديون المستحقة على القطاع.

أزمة الديون والرهن العقاري الحالية ليست شبحاً يهدد فقط الصين وثروات ومدخرات المواطنين بها، بل كارثة يمكن أن تضرب الاقتصاد العالمي في مقتل، خصوصاً أن هذا الاقتصاد بات لا يتحمل مزيدا من الأزمات، فالكوارث التي يمر بها تكفي وزيادة، ويكفي داء التضخم وأزمة الطاقة.

ومع تفاقم الأزمة يوما بعد يوم تستعيد الذاكرة ما حدث في العام 2008 عندما جرّت أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة العالم كله إلى أسوأ أزمة مالية عرفها التاريخ.

المساهمون