تحاول الحكومة الأردنية مسك العصا من المنتصف في تعاملها مع ملف الأسعار الذي يشهد ارتفاعات غير مسبوقة على مختلف السلع، بخاصة الأساسية والغذائية منها سواء المنتجة محليا أو الموردة من مناشئ مختلفة.
فمن ناحية، تحاول الحكومة التصدي لارتفاع الأسعار وتخفيف الأعباء عن المواطنين والحد من احتقان الشارع ومواجهات ساخنة مع مجلس النواب الذي سينعقد في دورة استثنائية الشهر المقبل.
ومن ناحية أخرى، تعمل الحكومة لاحتواء مطالبات قطاعات تجارية وصناعية برفع أسعار منتجاتها والسلع المستوردة بداعي ارتفاع كلف الإنتاج وتوريد البضائع من الأسواق الخارجية. وفي هذا الإطار، لوحت نقابات بتنفيذ احتجاجات تصل إلى حد الإضراب في حال تجاهل مطالبها.
وأعلنت نقابة أصحاب المطاعم نيتها التوقف عن العمل والإضراب الشامل في حال عدم الموافقة على زيادة أسعار منتجاتها وبنسبة تصل إلى 40%، وهو ما ترفضه الحكومة في الوقت الحالي.
وكان رئيس الحكومة بشر الخصاونة قد وجه الوزارات والمؤسسات الحكومية المعنية لتشديد الرقابة على الأسواق ومنع الارتفاعات غير المبررة للأسعار.
وحسب مسؤول أردني، فإن الحكومة تضغط على التجار والصناعيين لعدم رفع الأسعار وتهديدهم باتخاذ إجراءات مشددة في حال المغالاة والقيام بممارسات مخلة بالسوق في الوقت الذي تواجه فيه الجهات الحكومية ارتدادات ارتفاع الأسعار عالميا.
وقال المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة تسعى لمساعدة التجار والصناعيين والقطاع الزراعي لأجل الاستمرار بتوفير السلع للسوق وتلبية احتياجات المستهلكين وتفادي حدوث نقص في الكميات.
وأضاف أنه تتم حاليا دراسة طلبات لقطاعات إنتاجية، من بينها المطاعم، تقدمت بها لوزارة الصناعة والتجارة والتموين، أخيرا، بشأن رفع الأسعار، وأن أي قرار سيراعي عدم زيادة الأعباء على المواطنين والتأكيد على الالتزام بالمنافسة في السوق وإمكانية تخفيض هوامش الربح هذه الفترة.
وحددت الحكومة خلال العام الحالي أسعار الدجاج والزيوت النباتية وأصناف من الخضار بسبب ارتفاع أسعارها.
وقال البنك المركزي الأردني، في أحدث تقرير له اطلعت عليه "العربي الجديد": لقد ارتفع المستوى العام للأسعار مقاسا بالتغير النسبي لأسعار المستهلك خلال الشهور الأربعة الأولى من العام الحالي بنسبة 2.6% مقابل ارتفاع نسبته 0.4% في الفترة ذاتها من العام الماضي.
وجاء هذا الارتفاع، وفقا للتقرير، محصلة لارتفاع أسعار الخضروات والبقول الجافة والمعلبة بنسبة 18.8% بالمقارنة مع تراجع نسبته 18.7% في الفترة ذاتها من العام الماضي متأثرا في جانب منه بعوامل الطلب والعرض في السوق المحلية.
وبين التقرير ارتفاع أسعار مجموعة النقل بنسبة 5.4%، إلى جانب بند الوقود والإنارة الذي ارتفعت أسعاره بنسبة 10.6% بالمقارنة مع تراجع نسبته 6.5% خلال الشهور الأربعة الأولى من عام 2021، ويأتي ذلك في ضوء ارتفاع أسعار النفط عالميا.
وزير الصناعة والتجارة والتموين يوسف الشمالي قال خلال لقاء عقدته لجنة الاقتصاد في مجلس النواب الأردني إن ارتفاع أسعار المواد الأساسية محليا يعود إلى عدم التعافي عالميا جراء جائحة كورونا فضلا عن الحرب الروسية الأوكرانية والتغير المناخي وارتفاع الطلب عليها من الصين والهند إضافة إلى ارتفاع كلف الشحن والنقل.
وأضاف أنه لن يتم رفع أسعار مادة الخبز حتى نهاية العام الحالي، حيث تم إنشاء شركة لزراعة مادة القمح من صندوق استثمار أموال الضمان لإنتاج 70 ألف طن من هذه المادة.
وأكدت الحكومة عزمها على رفع أسعار المشتقات النفطية لأربع مرات متتالية اعتبارا من الشهر الجاري إضافة إلى الارتفاعات التي طرأت خلال الأشهر الماضية.
ومن جانبه، قال رئيس غرفة تجارة عمّان ونقيب تجار المواد الغذائية خليل الحاج توفيق، لـ"العربي الجديد"، إن مأسسة العمل المتعلق بالأمن الغذائي في غاية الأهمية، خاصة في هذه المرحلة التي يواجه فيها الأردن كما باقي البلدان تحديات كبيرة بسبب الأزمات العالمية وارتفاع الأسعار إضافة إلى مخاطر نقص إمدادات السلع الغذائية وتراجع الإنتاج.
وأضاف أن الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، ولا سيما سلاسل توريد وإنتاج المواد الغذائية المختلفة، ضرورية لضمان نجاح جهود تعزيز الأمن الغذائي إلى جانب تعظيم الاستفادة من الفرص المتاحة في القطاع الزراعي وتحقيق التشابك بين القطاعات ذات العلاقة.
وأشار إلى أن الاهتمام بالأمن الغذائي وتعزيزه محليا يساهم في مواجهة ارتفاع الأسعار عالميا وانعكاسها على السوق المحلي كما حدث خلال الأشهر الماضية عندما شهدت العديد من السلع ارتفاعات كبيرة في الأسواق الخارجية، ولكن تعاون التجار حد من انعكاسها على الأسعار محليا بنسبة الزيادة نفسها في الخارج.