العمل المستقل في تونس: لا إحصاءات ولا حقوق

10 يوليو 2023
اتجاهات جديدة للعمل لدى الشباب (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

يبحث آلاف المنتمين لقطاع العمل المستقل (الفريلانس) في تونس عن تسويات لوضعيتهم الوظيفية في بلد لا تعترف قوانينه بعد بهذا الصنف من الأعمال الذي يكتسح أسواق العالم ويوفر مصادر دخل لمئات الآلاف من حاملي الشهادات الجامعية.

وتغيب في تونس الأرقام الرسمية تماماً حول حجم سوق العمل المستقل، أو نوعية الوظائف التي يعرضها، بينما تؤكد جمعيات ومبادرات للعاملين في هذا القطاع أن "الفريلانسر" في تونس يعملون في مجال التكنولوجيات الحديثة والإعلامية، غير أن عملهم غير مثمن بسبب غياب القوانين الحامية لحقوقهم.

ويشكو العاملون في القطاع المستقل من عرقلة قوانين العمل القديمة لتسوية وضعيتهم إزاء مصالح الجباية والضمان الاجتماعي وعدم قدرتهم على تلقي التحويلات الخارجية مقابل الأعمال التي يتلقونها في الخارج والتي توفر لهم فرص شغل ومصادر دخل تحميهم من البطالة.

ويقدر رئيس جمعيّة أبروديت، وهي شبكة العاملين المستقلين في المجالات الإبداعية، أحمد الهرماسي، عدد المنتمين لقطاع العمل المستقل في تونس بنحو 120 ألفاً أغلبهم من الشباب وخريجي الجامعات ممن اختاروا أن يسلكوا طرقاً متطورة في مكافحة البطالة بعيداً عن الفرص الشحيحة في السوق التقليدية للشغل.

يقدر رئيس جمعيّة أبروديت، وهي شبكة العاملين المستقلين في المجالات الإبداعية عدد المنتمين لقطاع العمل المستقل في تونس بنحو 120 ألفاً

ويقول الهرماسي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "خريجي الجامعات والمنتمين للقطاع الحر وجدوا حلولاً فردية للنجاة من البطالة، غير أن السلطات لا تساعدهم في تأطير هذه السوق وتنظيمها".

ويوضح أن العمل المستقل قطاع ينمو بشكل لافت في كل دول العالم، فيما الدول التي نجحت في تأطيره سيطرت على البطالة وتمكنت من الاستفادة من عائد العمل بالعملة الصعبة الذي يجنيه "الفريلانسر".

ويعتبر الهرماسي أنّ المبادرات المستقلة هي مستقبل العمل في كلّ دول العالم لافتاً إلى أنّ الدول التي تشكو من معدلات بطالة عالية مطالبة بالاستفادة من هذه الإمكانات والمرور سريعاً إلى تأطيرها قانونياً.

ويؤكد أن المنتسبين إلى سوق العمل المستقل محرومون من النفاذ إلى التمويلات البنكية وليست لهم القدرة على تسوية وضعياتهم إزاء مصالح الضرائب أو الانتفاع بخدمات التغطية الاجتماعية، الأمر الذي يجعل نشاطهم مصنفا ضمن السوق الموازية ويعرضهم للمساءلة القانونية في بعض الوضعيات سيما من يتلقون تحويلات مالية من الخارج لقاء الخدمات التي يقدمونها للشركات الأجنبية التي يتعاملون معها".

وتقدر نسبة البطالة في تونس بـ16.1 في المائة وفق أحدث البيانات الرسمية لمعهد الإحصاء الحكومي للربع الأول من العام الحالي. وتظل فئة الشباب ممن تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 عاما الأعلى من بين طالبي الشغل، حيث بلغت نسبة بطالتهم 40,2 في المائة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي مقابل 38.8 في المائة خلال ذات الفترة من السنة الماضية.

تظل فئة الشباب ممن تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 عاما الأعلى من بين طالبي الشغل

ويطالب الباحثون عن الشغل بالتسجيل الشهري على منصات وكالة التشغيل والعمل المستقل لمساعدتهم على الظفر بعروض العمل، غير أن الملتحقين بسوق العمل المستقل غالبا ما ينسحبون من هذه المنصات ليخرجوا من الدائرة الرسمية لطالبي العمل.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي أنشأ شباب مجموعات تهتم بالعمل المستقل تضم مئات الآلاف من المشاركين الذين يتبادلون فيما بينهم المعلومات ويطرحون الصعوبات اليومية التي تعترضهم، في حين ذهب البعض إلى احداث مواقع خاصّة بالـ "فريلانسيرز" ينشرون عليها طلبات وعروض العمل المستقل.

ويتبنى المنتمون لسوق العمل المستقل مبادئ سوق الشغل الجديدة التي لا ترتبط بوظائف مستقرة، بل بمهام عمل محددة ومؤقتة وتمنحهم امتيازات المرونة في الوقت والراتب والعمل.

ويقول الباحث في المخبر الاقتصادي للاتحاد العام التونسي للشغل والأستاذ بالجامعة التونسية عبد الرحمن اللاحقة، إن البيانات الرسمية عن سوق العمل المستقل تغيب تماما في تونس ولم تتحوّل بعد إلى مبحث لدى مؤسسات الإحصاء.

ويؤكد اللاحقة في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه من الصعب جدا تحديد حجم هذه السوق في تونس ودورها في تقليص البطالة في غياب أرقام رسمية عن نوعية الأعمال وعدد المشتغلين فيها أو حجم المداخيل المتأتية من هذا الصنف من العمل.

في المقابل، يشير المتحدث إلى أهمية تأطير هذه المبادرات وتطويرها ومواكبة قوانين الشغل للتحولات المتسارعة في ديناميكية السوق، ويلفت اللاحقة إلى أن منظمة العمل الدولية تحدثت منذ عام 2019 في دراسة حول مستقبل العمل عن التحديات الجديدة لسوق العمل المنفتحة ودورها في خلق فرص العمل واستيعاب البطالة.

باحث اقتصادي: البيانات الرسمية عن سوق العمل المستقل تغيب تماما في تونس

ويشدد على دور المنظومة القانونية في تحفيز أسواق العمل الجديدة ومساهمتها في توفير إيرادات مالية لفائدة الأفراد والدولة.

وكان تقرير منظمة العمل الدولية أكد أن سوق العمل الجديد يوفر فرصا لا حصر لها لتحسين نوعية الحياة، وتوسيع الخيارات، ورد الفجوة بين الجنسين، وإصلاح الآثار المدمرة لعدم المساواة.

وحثت منظمة العمل الدولية على ضرورة الاستعداد جيّداً لاغتنام الفرص الجديدة، معتبرة أن مهارات اليوم لن تتوافق مع وظائف الغد.

المساهمون