العقرب الإسرائيلي في الحضن التركي

22 فبراير 2022
لم يقتصر تنامي العلاقات على زيادة التبادل التجاري، بل ارتفع حجم الاستثمارات (Getty)
+ الخط -

ترك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جميع الأبواب مفتوحة على زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ لأنقرة في التاسع من مارس/آذار المقبل، مكتفياً بالقول: "ستكون إيجابية وتنعكس على العلاقات الثنائية"، فالمرحلة الجديدة التي تتطلع إليها تركيا اقتضت من منطلق "صفر مشاكل" وحياد، إن لم نقل كسب الخصوم.

مدّ اليد حتى لتل أبيب، رغم الذي وصلت إليه العلاقة بين الطرفين من سوء وتقاذف تصريحات شديدة اللهجة إبّان قصف الاحتلال الإسرائيلي غزة وما تلاه من محاولات قضم "حيّ الشيخ الجراح" في القدس، التي منها على سبيل الذكر، وصف أردوغان إسرائيل بـ"الدولة الإرهابية"، ومن ثم قوله: "إنهم قتلة لدرجة أنهم يقتلون أطفالاً بعمر خمس وست سنوات. لا يشبعهم إلا سفك الدماء".

بيد أن الضيق التركي من معاناة اقتصادية في الداخل جراء تراجع السياحة والصادرات عام 2020 وتهاوي سعر العملة عام 2021 وزيادة الديون، وخاصة الداخلية، ومن حصار خارجي في إطار ملفات غاز المتوسط ومواقف أنقرة من قضايا دول "الربيع العربي"، مضافاً إليها اقتراب موعد إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية العام المقبل، دفعت تلك الأسباب مجتمعة تركيا إلى إعادة النظر بجُلّ علاقاتها، فرأينا زيارة الرئيس التركي لأبوظبي ومغازلة الرياض والقبول بشروط القاهرة، ثم استئناف اللقاءات مع اليونان وتحسين العلاقات مع أرمينيا ومسك عصا أزمة أوكرانيا مع روسيا من المنتصف.

ربما من الضروري الإشارة، قبل الخوض بطبيعة العلاقات التركية - الإسرائيلية، بموجبها وسالبها وتقلباتها، إلى أن تركيا ليست من الناحية التاريخية عدوة لإسرائيل، بمعنى أنه لا يمكن القياس وفق مسطرة الدول العربية التي اتخذت من دولة الاحتلال عدواً استراتيجياً، وإن على المنابر أو بهدف تخدير الشعوب وتفقيرها.

فتركيا، منذ مارس/آذار عام 1949، أقامت علاقات مع المحتل الإسرائيلي، بل كانت أول دولة مسلمة تعترف به، قبل أن يقيم عدنان مندريس، مؤسس الحزب الديمقراطي التركي ذي التوجه الإسلامي، اتفاقاً مع تل أبيب أيام دافيد بن غوريون، وإن على مستوى القائم بالأعمال حتى عام 1991 وقت تبادل البلدان السفراء، ليتوالى ازدهار العلاقات لدرجة توقيع اتفاقات دفاع مشترك ومناورات عسكرية ثنائية.

لكن عام 2008، خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وحصاره، بدأت العلاقات تهتز لتبلغ ذروة القطيعة وربما المواجهة، بعد اعتراض إسرائيل "أسطول الحرية" عام 2010 وقتلها 10 ناشطين أتراك، قبل أن تتقدم تل أبيب بعد 3 أعوام، على لسان بنيامين نتنياهو، باعتذار لتركيا واستعادة السفراء ودفع تعويض لذوي الضحايا الأتراك، لتتأرجح العلاقات حتى عام 2016، وقت عاد شهر العسل الذي لم يطل، لتعود التوترات قبل عامين على خلفية سياسة إسرائيل العدوانية التوسعية وقصفها غزة وقتلها المدنيين.

لكن الاقتصاد، خلال جميع تلك التذبذبات، ظل، وإن بنسب متفاوتة، بعيداً عن السياسة، أو على الأقل لم تنقطع العلاقات الاقتصادية، ولم يتوقف التبادل التجاري على الإطلاق. فعلى سبيل الذكر، جاءت إسرائيل عام 2020، بعزّ الخلافات السياسية، في المرتبة التاسعة بين الدول المستوردة من تركيا بقيمة 4.7 مليارات دولار، وارتفع حجم التبادل التجاري العام الماضي، بنحو 35%، لتتقدم إسرائيل إلى المرتبة الثامنة ضمن المستوردين من تركيا.

بل إنّ المراقب لتطور العلاقات بينهما يلاحظ أن أوجَها كان خلال حكم حزب "العدالة والتنمية"، إذ لم تزد صادرات تركيا لإسرائيل عام 2002 على 850 مليون دولار، فيما ارتفعت 18 مرة خلال وجود الرئيس أردوغان، لتتعدى قيمة التبادل العام الماضي 6.2 مليارات دولار.

ولم يقتصر تنامي العلاقات على زيادة التبادل التجاري، بل ارتفع حجم الاستثمارات الإسرائيلية في تركيا من 11 مليون دولار، حيث وصل "العدالة والتنمية" إلى السلطة، إلى نحو مليار دولار عام 2010، قبل أن يتأثر قليلاً بالتوترات السياسية ويتراجع إلى نحو 770 مليوناً العام الماضي، وترتفع في المقابل الاستثمارات التركية في إسرائيل، التي كانت صفراً عام 2002، لتصل إلى نحو 105 ملايين دولار العام الماضي. ولحق السياحة ما طاول سواها من تطور العلاقات، ليبلغ عدد السياح الإسرائيليين إلى تركيا، قبل أزمة كورونا، نحو 570 ألفاً.

نهاية القول: قالت إسرائيل على لسان غير مسؤول إنها تسعى لتقارب حذر مع تركيا، وإنها لم تطلب مقابلاً لعودة العلاقات وزيارة هرتسوغ أنقرة، لكن التعقيد في التحضيرات، منذ زيارة المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، ألون أوشبيز، أنقرة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد الاتصال الهاتفي بين أردوغان والرئيس الإسرائيلي في نوفمبر/تشرين الثاني، وما تلاها من بالونات اختبار وزيارات، كان أحدثها الأسبوع الماضي، لقاء المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن ونائب وزير الخارجية سدات أونال في تل أبيب، والاتصال أمس، بين وزراء الخارجية، مولود تشاووش أوغلو ويائير لبيد، إنما تدلّ جميعها على مرحلة جديدة وعلاقات أُخرى، إن كان منطلقها المصالح المتبادلة، فعلى الأرجح أن منتهاها المحاور الجديدة والأقطاب التي تتشكل في المنطقة والعالم.

وثمة سؤال عن أثر تنامي العلاقات بين تركيا وإسرائيل، وعمّا إذا كان إيجاباً على أنقرة وتسريع تحسين علاقاتها مع أوروبا والولايات المتحدة، أم سلباً على علاقاتها مع جوارها العربي، رغم تهافت معظم دوله في الحضن الإسرائيلي. 

والأهم، ربما، أثر الانعطافة التركية على المصالح، أكان على مستوى الخارج، أم حتى على رأي الناخب ومستوى معيشته داخل البلاد.

المساهمون