كشفت وزارة الزراعة العراقية أنّ البلد خسر أكثر من 82 ألف دونم زراعي حتى الآن، بسبب عمليات التجريف التي وصفتها بأنها "ممنهجة" تستهدف البساتين والأراضي الزراعية، مما يزيد من معدلات التصحر وانحسار الزراعة بشكل خطير، بالإضافة إلى التحذيرات من المخاطر البيئية التي تهدد حياة السكان.
المدير العام لدائرة الأراضي الزراعية في الوزارة علي الشمري، قال في تصريح صحافي الخميس، إنّ سوء استخدام الأراضي الزراعية لغير الزراعة أدى إلى تراجع الإنتاج، كما شكل تهديداً مباشراً للبيئة.
وأكد أنّ التجريف "المتعمّد" لأكثر من 82 ألف دونم زراعي، يشكل تهديداً على العراق في زيادة نسبة التصحر وقلة الإنتاج الزراعي، بالإضافة إلى انحسار الأراضي والمساحات الزراعية الخضراء.
وبيّن أنّ تجريف هذه الأراضي والتجاوز عليها وقع لأغراض الإنشاءات السكنية والصناعية، مما دفع الحكومة إلى إيجاد حلول نوعية وفق قرار مجلس الوزراء المرقم 320 لسنة 2022، والذي يقتضي معالجة العشوائيات والتجاوز على الأراضي الزراعية، من خلال تغيير جنس الأراضي من زراعي إلى سكني.
وأضاف أنّ قرار تغيير نوع الأرض من زراعي إلى سكني خوّل دوائر التسجيل العقاري في المحافظات بالمباشرة في إجراءات نقل ملكية الأرض وفق القانون، بعد صدور قرار الموافقة على التمليك من الجهات المعنية.
وأكد أن تعليمات رئاسة الحكومة في هذا الموضوع شملت الأراضي الزراعية المشغولة لأغراض السكن، أو من قام بإنشاء وحدة سكنية بمساحة محددة، ولم يشمل جميع الأراضي الزراعية الأخرى، أو المخالفين والمتجاوزين خارج السياقات القانونية.
وفي تصريح صدر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في وقتٍ سابق صنف فيه العراق بالمرتبة الخامسة بين أكثر دول العالم تأثراً بالمتغيرات المناخية، بسبب ارتفاع درجات الحرارة القياسي، والذي يؤدي إلى فقدان العراق نحو 400 ألف دونم من الأراضي الزراعية سنوياً بسبب هذه المتغيرات.
من جانبه، قال أمين سر اتحاد الجمعيات الفلاحية في محافظة البصرة، توفيق علي، إن قطاع الزراعة العراقي يعاني من مشكلة تجريف الأراضي والبساتين، وتعتبر محافظة البصرة من أكثر المناطق تضرراً من هذا التجريف.
وأكد علي لـ"العربي الجديد" وجود عمليات تجريف ممنهجة تستهدف الأراضي الزراعية والمساحات الخضراء، بسبب التوسع السكاني وعدم معالجة مشكلة السكن في العراق من قبل الدولة، فضلاً عن زحف السكان من المدن نحو القرى والبساتين.
وأضاف أن التجريف أثر بشكل مباشر في مستويات المحاصيل الزراعية وإنتاج التمور، كما تأثرت بساتين النخيل ومزارع الحنّاء والحمضيات، حيث تعرضت هذه الثروة الوطنية لتهديد مباشر بفعل عمليات التجريف.
وبيّن أن هناك نوعين من التجريف؛ يتمثل الأول بالأراضي والبساتين المملوكة لوزارة المالية وحق تصرف الأفراد، أضيفت إلى التصميم الأساسي للمدن وفق قرار مجلس الوزراء العراقي، الذي يقتضي تحويل جنس الأرض من الزراعي إلى السكني.
وأشار إلى أن النوع الثاني من التجريف، والذي يهدد المساحات الزراعية الخضراء يتمثل بالأراضي الزراعية الواقعة خارج التصميم الأساسي للمدن، حيث تحولت إلى أراض جرداء ومجمعات سكنية بمئات الدونمات.
منافذ جديدة للفساد في العراق
الباحث الاقتصادي علي العامري أكد أن قانون أمانة بغداد والبلديات ألزم بمنع التصرف بالأراضي الزراعية لغير التخصص الأساسي الذي جرى تمليكه بموجبه، إلا بموافقة الجهة الحكومية المختصة.
وأوضح العامري لـ"العربي الجديد" أن الأراضي الزراعية أصناف حسب القرار الذي مُنحت بموجبه، فمنها مملوكة للدولة بعقود سنوية أو حق التصرف بشكل دائم يحق لصاحبها التصرف فيها دون حق تغيير الاستخدام وتستطيع الدولة استرجاعها متى شاءت وتعويض صاحبها عن المغروسات.
وأضاف أن هناك صنفاً من الأراضي، يكون مملوكاً للفلاح، ويستطيع بيعها وشراؤها ولا تستطيع الدولة سلبها إلا بتعويض قيمتها شأنها شأن العقارات الأخرى، لكن تمنعه من تشييد الدور السكنية إلا بشروط، ومنع تقطيعها بما يغيّر صنفها الزراعي، من أجل المحافظة على المسطحات الخضراء.
وأشار إلى سوء إدارة الدولة مشكلة السكن وتفاقم عدد السكان، منتقداً اتجاه الحكومة إلى فكرة تقطيع الأراضي الزراعية وتحويل جنس الأرض وبيعها، في محاولة لفتح منافذ جديدة للفساد وسيطرة المتنفذين على مشاريع الإسكان والحصول على أراض واسعة.
وعن المجمعات العشوائية التي أنشئت على الأراضي الزراعية بعد تجريفها أوضح العامري، "وجود 4 آلاف مجمع عشوائي في عموم العراق، تضم 522 ألف وحدة سكنية، ربعها في العاصمة بغداد، وبواقع 1022 عشوائية، تليها البصرة بواقع 700 مجمع عشوائي، وفقاً لإحصائيات وزارة التخطيط".
وأكد العامري أن نسبة كبيرة من هذا المجمعات تعود لشركات متنفذة ومكاتب اقتصادية لفصائل مسلحة، تسيطر على استثمارات هذه الأراضي، وتشتريها من الدولة بأسعار رمزية، ليجري بيعها بأسعار قياسية لن يتمكن المواطن البسيط أو أصحاب الدخل المحدود من شرائها.
وحمّل العامري الحكومة العراقية مسؤولية هذه الأزمات، بسبب عدم حل مشكلة السكن وعدم فرض سلطتها لمنع تجريف الأراضي الزراعية، فضلاً عن عجزها في وضع التصاميم العمرانية للأراضي.