الضرائب تثقل كاهل فقراء مصر... و"القطط السمان" مدللة

03 نوفمبر 2022
أكبر عائد ضريبي يأتي من استهلاك السلع وتقديم الخدمات (فرانس برس)
+ الخط -

تخور قوى فقراء مصر تحت حمل ثقيل من الضرائب المتعددة التي تفرضها الحكومة لتمويل نفقاتها الضخمة، بينما يحظى أباطرة المال الذين يوصفون بـ"القطط السمان" بتدليل السلطة وحمايتها، من منطلق الرغبة في إطار تشجيعها للقطاع الخاص في مواجهة انتقادات صندوق النقد الدولي لسيطرة الجيش على مفاصل الاقتصاد، وكذلك رغبة النظام في بيع المشروعات التي أثقلت الدولة بالديون لمجموعة من أصحاب الثروات.

وتظهر البيانات الرسمية أن أكثر من ثلثي عوائد الضرائب التي تمثل 77% من الموازنة تأتي من الفقراء ومتوسطي الدخل الذين يتحملون ضرائب عدة على الاستهلاك والدخل ورسوم الخدمات، لتمثل الرافد الأساسي للحكومة، بينما تتوارى عوائد الضرائب المفروضة على رجال الأعمال وأصحاب الدخول المرتفعة.

وتعالت الأصوات المطالبة برفع نسبة الضرائب على ذوي الدخول المرتفعة من العاملين في الدولة، والقطاع الخاص، للتخفيف مما يعانيه المواطنون من الفقر والغلاء. بينما ترفض الحكومة ذلك، خشية الدخول في صدام مع شرائح من المستثمرين ترغب في تمرير صفقات بيع منشآت عامة لهم بنحو 40 مليار دولار في 4 سنوات.

وتخطط وزارة المالية لرفع حصيلة الإيرادات الضريبية إلى رقم غير مسبوق، ليصل إلى 1.065 تريليون جنيه (44.37 مليار دولار)، خلال العام المالي الحالي (ينقضي بنهاية يونيو/حزيران المقبل)، بزيادة تبلغ قيمتها 85 مليار جنيه عن العام المالي الماضي 2021-2022، ما يثير مخاوف خبراء الاقتصاد من تحمّل محدودي الدخل والفقراء أعباء أكبر، لاسيما أن العديد من الشركات الكبرى التي تدخل ما تعرف بقوائم كبار الممولين يعلنون عن خسائر مالية كبيرة، في ظل تعويم الجنيه أخيراً وتوقف معظم الأنشطة الصناعية، وتضرر الأنشطة التجارية بقيود الاستيراد التي جرى فرضها منذ مارس/آذار الماضي.

تقليص الدعم الموجه للمواطنين

وقفزت حصيلة الضرائب بنسبة 465% خلال 8 سنوات، بينما تقلص الدعم الموجه للمواطنين بنسب 6%، وانخفضت قيم الإنفاق الحقيقية على الصحة والتعليم، وفق البيانات الرسمية. بينما يرى محمد معيط وزير المالية، أن الدولة تعمل على إعادة توزيع الدخل وتحقيق المساواة بين المواطنين من خلال عوائد الضرائب. في حين يصف خبراء اقتصاد السياسات المالية أنها استمرار" لدولة الجباية" التي تعيش من الريع وعوائد الخدمات، بينما تتراجع عوائد الصناعة والزراعة، بما جعل الاقتصاد المصري عاجزاً أمام مواجهة الأزمات الدولية الطارئة، بينما الشعب تطحنه الضرائب والرسوم وفوائد تعاظم الدين الخارجي.

ويتصاعد السخط الشعبي من ارتفاع أسعار الخدمات والرسوم الحكومية، بداية من استخراج شهادات المواليد وبطاقات الهوية والدعم، ورخَص القيادة والسيارات وجوازات السفر، خاصة في ظل تراجع قيمة الدخول والغلاء المستمر لأسعار السلع المختلفة.

وتمثل الضرائب 77% من إيرادات الدولة في الموازنة العامة، خلال العام الجاري. وتستهدف الحكومة إنفاق 3 تريليونات و66 مليار جنيه، وفقا للموازنة المعتمدة من البرلمان، بينما الإيرادات لا تتخطى 1.51 تريليون جنيه، لتساهم الضرائب المباشرة بنحو تريليون و65 مليار جنيه، والعقارية والجمارك بنحو 133 مليار جنيه، بالإضافة إلى الإتاوات السيادية، التي تحصلها المالية من فائض قناة السويس والمحاجر وقطاع البترول والهيئات العامة والقطاع العام والخدمات الحكومية، بمبلغ 348 مليار جنيه.

وفي ظل العجز الدائم في النفقات تلجأ الحكومة إلى الاستدانة لتعويض قيمة العجز، الذي يبلغ 50% من المصروفات العامة، من البنوك المحلية ومؤسسات التمويل الدولية، والذي يتوقع أن يتخطى كثيراً التقديرات الحكومية في الموازنة والبالغة تريليوناً و524 مليار جنيه، إذ يرجح خبراء اقتصاد أن تزداد تلك القيمة مع تداعيات تعويم الجنيه مجدداً نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بنحو 20%، ما يرفع نسبة هبوط العملة المحلية منذ نهاية مارس/آذار الماضي مقابل الدولار الأميركي إلى نحو 52%. ووصل سعر صرف العملة الأميركية أخيراً إلى نحو 24 جنيهاً.

يرى محمد حسن خليل، الخبير الاقتصادي، أن السياسة الضريبية التي تمارسها الحكومة، يتحمل معظمها الفقراء ومتوسطو الدخل، الذين يمثلون 63% من المصريين. يشرح خليل، في دراسة بحثية أجراها عن الموازنة الجديدة، اطلعت عليها "العربي الجديد"، أن ثلثي المصريين هم الأكثر تمويلاً للموازنة العامة، وهم أيضا أكثر الغارمين والمتحملين لأعباء الديون التي تقترضها الحكومة من البنوك المحلية والأجنبية.

ضريبة القيمة المضافة

يوضح خليل أن الفقراء ومتوسطي الدخل يتحملون 6 أنواع من الضرائب المباشرة وغير المباشرة، تبدأ بدفع ضريبة القيمة المضافة التي تبلغ 13% على جميع السلع والخدمات، ويخضعون لضريبة الدخل، تتدرج من 2.5% إلى 25%، مع ضريبة كسب العمل التي تفرض على المرتبات والأجور، والتي تطبق على أصحاب المهن الحرة من الأطباء والمهندسين والصحافيين على سبيل المثال، بالإضافة إلى الضرائب الجمركية المقررة على سلع أغلبها غذائية وإنتاجية.

في المقابل، تخضع الشخصيات الاعتبارية (المؤسسات) والشركات لنوع واحد من الضرائب على الأرباح الرأسمالية بنسبة 22.5% من صافي أرباح الشركات، والتي تطبق على المحلات التجارية والورش الصناعية والشركات الصغيرة والمتوسطة والفردية، والمستوردين والحرفيين.

تبين الدراسة أن أكبر عائد ضريبي يأتي من ضريبة القيمة المضافة التي يتحملها جميع المواطنين، على السلع والخدمات، وتبلغ حصيلتها، في العام المالي الجاري 2022-2023، نحو 478 مليار جنيه، بنسبة 41% من إجمالي الضرائب، ليظل ثلثا الشعب الفقير ومتوسط الدخل، هم أعلى نسبة بها.

وتبلغ حصيلة ضريبة المرتبات 107 مليارات جنيه، والجمارك 46 مليار جنيه، والتمغة على المرتبات 3.5 مليارات جنيه، ليمثلوا معا 635 مليار جنيه، توازي 54% من الإيرادات الضريبية بالموازنة، وهي أوعية يقع عبؤها على المواطنين، بالإضافة إلى الرسوم التي تحصلها الحكومة مقابل الخدمات والتي زادت في الفترة الأخيرة، على تراخيص السيارات والقيادة والشهر العقاري ورسوم المحاكم، والطرق والسجل المدني والجوازات.

وتدفع الجهات الحكومية، من حصيلة الضرائب وعوائد الاستثمار 46% من إجمالي الإيرادات الضريبية، بواقع 43 مليارا من حقول البترول و35 مليارا من المنتجات البترولية و46 مليارا من قناة السويس و25 مليارا من البنك المركزي.

وتدفع شركات القطاع العام والخاص نحو 166 مليار جنيه، بينما يدفع النشاط التجاري والصناعي 63 مليارا، والمهني 6 مليارات، والضريبة العقارية ملياري جنيه، وضريبة الأرباح الصناعية 166 مليارا، وسندات وأذون الخزانة على البنوك العامة والخاصة 93 مليار جنيه.

سياسات صندوق النقد الدولي

يبدي خليل دهشته من أن يتحمل ثلثا الشعب، سياسات التقشف التي يفرضها صندوق النقد الدولي، في كل مرة، تسعى إليه الحكومة للحصول على قروض واتفاق على إعادة هيكلة الاقتصاد، حيث يبدأ الصندوق طلباته، بتقليص الموظفين وتخفيض الإنفاق العام، رغم تراجع القيمة الحقيقية للإنفاق على الصحة والتعليم، التي تخدم أغلبية الشعب.

ويشير خليل إلى أن أعباء الديون الخارجية التي تضخمت إلى نحو 158 مليار دولار حتى مارس/آذار الماضي، تلتهم 54% من مخصصات الموازنة الحالية، ووصلت هذه النسبة إلى 57% خلال العام المالي الماضي.

بدوره، يعتبر مدحت خفاجي، القيادي في حزب الوفد الليبرالي، أن تراجع دور القطاع الخاص في دعم إيرادات الضرائب العامة، يرجع إلى قضاء النظام على أنشطته، ليس في هذه الفترة فحسب وإنما منذ تأميم الأصول وأرصدة رجال الأعمال في خمسينيات القرن الماضي، وتحول الدولة إلى نظام اشتراكي يدير الاقتصاد، ثم انفتاح استهلاكي تديره الدولة عبر أذرع مختلفة، لا علاقة لها بالنظام الرأسمالي الحقيقي.

ويقول خفاجي لـ"العربي الجديد" إن فئة واسعة من رجال الأعمال التي تمارس أنشطتها حاليا، ليس لها جذور رأسمالية، فلم تتمدد في أنشطتها الاقتصادية، إلا تحت عباءة نظام يتحكم فيه القطاع العام والشركات السيادية، ولا تستثمر أموالاً إلا عبر الاقتراض من البنوك بما يزيد أحيانا عن قيمة المشروعات التي تديرها.

ويضيف أنه في ظل هذا الواقع "سيظل العبء على تمويل الإيرادات الضريبية على النسبة الغالبية التي لا تستطيع الهروب من الدفع، عبر التحكم في رواتبها ورسوم الخدمات التي تقررها الدولة".

ويؤكد أن الدول الأوروبية تفرض ضرائب باهظة على المواطنين متصاعدة على الدخل تصل إلى 45% في السويد، مقابل توفير التعليم والصحة ودعم الانتقالات ورفاهية المواطنين، بينما المصريون لا يتحصلون على هذه الحقوق، بما يُدفع الناس إلى السعي للهرب من التزاماتهم الضريبية، خاصة عندما يرون بعض علية القوم، يتهربون بينما تخشى الدولة مواجهتهم لأن صوتهم عال، ويقدرون على الفرار بما يملكون إلى الخارج".

الضرائب تزيد معدل الفقر

ويعتبر خبراء اقتصاد أن زيادة الضرائب أصبحت عادة تزيد من معدل الفقر، لأنها في المقابل المرتفع على ثلثي الشعب، منخفضة ومتساهلة مع الأغنياء، بما أدى إلى تزايد الفجوة في الدخول وتصاعد مستوى الفقر الذي يبلغ حاليا 63% من تعداد المصريين.

ويبدي اقتصاديون دهشتهم من توجه الحكومة لبيع السلع والخدمات بالأسعار العالمية، رغم أن متوسط الدخل للفرد، يقل عن 10% من مستويات الدخول في الدول المقارن بها. ويؤكد الاقتصاديون حاجة الدولة الماسة إلى برنامج قومي للتقشف، ووقف الاقتراض الذي يزيد العبء على المواطنين، لأنه يهدر على مشروعات غير إنتاجية، ويوجه في الغالب إلى سداد ديون قديمة، بما يدفع الحكومة إلى التخلص من استثمارات إنتاجية، تزيد الفقر والوضع الاقتصادي سوءاً.

المساهمون