شهدت البورصة الصينية تراجعات حادة منتصف الأسبوع الجاري، وأدى انخفاض استمر 3 أيام إلى محو ما يقرب من 800 مليار دولار من قيمة الأسهم الصينية، حسب بيانات "زيرو هيدج" الأميركية، وبتراجع بلغ نحو 20%، وامتد الانخفاض إلى كل شيء من اليوان إلى مؤشر S&P 500 وسندات الخزانة الأميركية خلال واحدة من أكثر مراحلها تطرفاً يوم الثلاثاء.
ونجمت الخسائر عن قرار الصين الصادم بمنع قطاعات من صناعة التعليم المزدهرة من جني الأرباح وزيادة رأس المال الأجنبي والطرح للاكتتاب العام.
وتقدر تلك القيمة السوقية بنحو 13.357 تريليون دولار حتى نهاية مايو/أيار الماضي، حسب بيانات مركز الإحصاء والمعلومات الاقتصادية الذي يعرف اختصاراً بـ"سي إي أي سي".
وهذه الأرقام تعني أن أسواق المال العالمية التي تعاني حالياً من تفشي متحور دلتا من فيروس كورونا ربما لن تكون في وضع يمكنها من تحمل هزة كبرى في السوق الصينية التي باتت محط أنظار المستثمرين من أنحاء العالم.
وعلى أثر الانخفاضات الحادة التي هزت البورصة الصينية، طرح المستثمرون وأسواق المال سؤالاً: هل انتهت اضطرابات السوق الصينية بعد الخسائر الفادحة التي تكبدتها خلال الأسبوع، أم أن ما حدث من ارتفاع في تعاملات الأربعاء، هدوء استثنائي يسبق العاصفة وسط التعقيدات السياسية الداخلية والخارجية التي تعيشها بكين وتوتر علاقاتها مع الولايات المتحدة؟
تأتي هذه الأسئلة رغم تحسن سوق المال الصينية أمس، وحسب بيانات البورصة الصينية الخميس، سجلت الأسهم ارتفاعاً مع تكثيف السلطات جهودها لتهدئة المخاوف من مستقبل الاستثمار في التعليم واكتتابات شركات التقنية في الأسواق الأميركية، كما ضخ البنك المركزي سيولة في النظام المالي، كما سمحت سلطات البورصة الصينية كذلك لشركات التقنية بالاكتتاب في السوق الأميركية.
ووفق قناة "سي أن بي سي" الأميركية، عقدت هيئة تنظيم الأوراق المالية في الصين اجتماعات مع المديرين التنفيذيين لبنوك الاستثمار الكبرى، ليل الأربعاء، في محاولة لتهدئة مخاوف الأسواق المالية بشأن حملة بكين على صناعة التعليم الخاص. وتضمنت الاجتماعات، وفق "بلومبيرغ"، العديد من البنوك الدولية الكبرى، بما في ذلك مصرفا "غولدمان ساكس" و"يو بي أس".
وساهمت هذه الإجراءات حتى الآن في عودة مؤشرات البورصات الصينية للون الأخضر وكذلك في ارتفاع أسهم الشركات الصينية المسجلة في السوق الأميركية. وحسب بيانات إغلاق السوق الصينية الخميس، صعد مؤشر "شنغهاي المركب" بنسبة 1.5% ليسجل 3412 نقطة، كما ارتفع مؤشر "شنتشن المركب" 3.07% إلى 2384 نقطة.
وكانت جيوش المستثمرين الصغار في الولايات المتحدة من الهواة الذين يشترون ما يطلق عليه "الدب"، أي شراء الأسهم الهابطة دون دراية على أمل تحقيق ربح سريع حينما ترتفع، قد ساهموا بشكل مباشر في عودة أسعار أسهم التقنية في "وول ستريت" للارتفاع في تعاملات الأربعاء.
لكن محللين يرون أن المستثمرين الأجانب من بنوك الاستثمار والصناديق الغربية لا يزالون متخوفين من مستقبل الاستقرار في السوق الصينية، رغم العائد المغري بالسوق الذي يفوق كثيراً العوائد في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان.
على هذا الصعيد، يقول خبير العملات بمصرف "ميزيوهو بنك" الياباني، كين جينغ، في مذكرة صدرت الخميس، إن "التعديلات التي أدخلتها السلطات الصينية فجأة ولم تكن متوقعة في السوق تمثل تحديات في إدارة المخاطر الاستثمارية، وإعادة بناء ثقة المستثمرين الأجانب في الأصول الصينية ربما ستأخذ وقتاً أطول".
ويرى محللون أن هنالك العديد من العوامل التي ترفع من مخاوف المصارف والصناديق الغربية وتجعلها تتردد في ضخ استثمارات كبيرة بالأصول الصينية. من بين هذه المخاطر التي تكتنف الاستثمار بالسوق الصينية والاستثمار بشركاتها المسجلة في البورصات الغربية، هيمنة الحزب الشيوعي على السوق والانتقائية التي يتعامل بها مع ملاك الشركات وإصدار إجراءات جديدة مفاجئة تحدد طرح شركات مهمة للاكتتاب وتضييق الخناق على كبار الأثرياء.
كما أن توتر العلاقات بين بكين والولايات المتحدة يزيد من المخاوف بين كبار المستثمرين الغربيين، إذ تضعهم عقوبات الحظر الثانوي الأميركي وربما في المستقبل كذلك الحظر الصيني بين خيارين أحلاهما مر، وهو المفاضلة بين السوقين، الصينية أو الأميركية وليس الجمع بينهما.
وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال" يوم الأربعاء، إن إدارة بايدن تتجه لتوسيع حظر الشركات الصينية وتشديد عمليات استثمارها في الولايات المتحدة، كما تتجه الحكومة الصينية في ذات المنحى لمعاقبة الشركات الغربية المستثمرة في كل من هونغ وماكاو التي تطبق إجراءات الحظر الأميركية.
على الصعيد المالي البحت، تعاني السوق الصينية من فقاعة ديون شركات الإنشاءات والعقارات المتضخمة وزيادة ديون المقاطعات، ومثل هذه الديون قد تفجر في أية لحظة أزمة مصرفية في حال تزايد عدد الشركات المفلسة وعدم قدرتها على السداد.
وينتاب المستثمرين الآن القلق بشأن مستقبل الاستثمار في الأدوات المالية المقومة باليوان، إذا واصلت السلطات الصينية، حسب ما ذكرته "وول ستريت جورنال"، خطط حظر الشركات الغربية من التجارة في أسواق هونغ كونغ وماكاو، وإذا واصل اليوان ارتفاع قيمته مقابل الدولار والحفاظ على المكاسب التي حققها منذ بداية العام الماضي 2020.
وكان اليوان قد تعرض لعمليات بيع مكثفة في بداية الأسبوع من قبل المصارف الاستثمارية. ويرى خبراء أن عودة الثقة في الأصول الصينية ربما اهتزت بعد الإجراءات الأخيرة. ووفقًا لقناة "سي إن بي سي" الخميس، فإن الهواجس الأمنية تسيطر على هيئة البورصة الصينية، خاصة بشأن السماح للشركات التقنية في سوق "وول ستريت".
وتعمل الحكومة الصينية على تشديد فحص المعلومات وسط القلق الذي ينتابها على أمنها القومي والشكوك المتزايدة حول نوايا الولايات المتحدة تجاه حرمانها من التطور التقني في المستقبل.
وقال آدم مونتانارو، مدير صندوق الأسواق الناشئة في لندن: "يبدو أنه لا توجد نية لتدمير نماذج الأعمال والشركات التي تتوافق بشكل أساسي مع أولويات الحزب لتنمية الصين".