الصندوق المخفي لخصخصة قناة السويس!

15 اغسطس 2022
هل تلجأ الحكومة المصرية لبيع قناة السويس؟
+ الخط -

هل نحن في أزمة مالية أم كارثة اقتصادية؟ لا عجب أن يختلف الناس حول الإجابة عن هذا السؤال الخطير في ظل عدم معرفتهم بحقيقة ما يدور حولهم. نحن نعيش عصر التعمية الإعلامية، وحظر تداول المعلومات، ولكن جاءت تداعيات كورونا والحرب الروسية في أوكرانيا، لتكشف أننا أمام جبل من الأزمات المالية، التي حاول النظام إخفاءها عن الشعب، وظهرت آثارها جلية، مع اختفاء المقرضين والمستثمرين.

سارعت الحكومة بتجهيز قائمة مطولة من الشركات لبيعها على وجه السرعة لمستثمرين عرب وأجانب، رغم احتوائها على مشروعات "أيقونة" اقتصادية، تحقق عوائد بالدولار، كشركات الأسمدة. وجدت الصفقة من يدافع عنها، ويعتبرها مكسبا في زمن شحت فيه الأموال، وهرب المغامرون الذين يأتون بالمال الساخن، لتنشيط سوق المال. عندما شرعت الحكومة في برنامج يستهدف ترشيد استهلاك الكهرباء لبيع الغاز والاستفادة من عوائده، دفعت إعلامها ورجالها، إلى تبرير القرار، ببث الطمأنينة في نفوس الناس، بأن الكهرباء لن تنقطع، لأنها موجودة بوفرة. أما عندما أقحمت قناة السويس في برامج الطرح أمام القطاع الخاص، فقد سارعت في ذلك خفية، حتى لا يرى الشعب ما ترتكبه من حمق، إلا بعد أن تقع الكارثة.
القصة وما فيها أن الهيئة الاقتصادية لقناة السويس، وهي الذراع الاقتصادي لشركة قناة السويس للملاحة البحرية، التي أصبحت هيئة عامة ذات طبيعة خاصة، بدأت التفاوض مع بنوك محلية ودولية للحصول على قرض قيمته 20 مليار جنيه، بغرض توظفيها في إقامة مشروعات تنموية جديدة.
اقترضت الهيئة 10 مليارات جنيه من البنوك العام الماضي، توظفها حاليا، في تنمية المنطقة الاقتصادية لغرب السويس والعين السخنة، وظهرت الحاجة إلى استمرار التمويل فدخلت في شراكة مع شركة خاصة، يفترض أن تتولى بنفسها تمويل تلك المشروعات. لم تنته الهيئة الاقتصادية من استخدام قرض العام الماضي، وكانت تأمل أن توافق الحكومة على منحها المزيد، فجاءت الأزمة المالية، لتوقف تلك الطموحات.
تفتق ذهن المسؤولين على إنشاء صندوق جديد لقناة السويس بهدف "إدارة أموالها بشكل مستقل"، بأن حصلت على موافقة البرلمان، على تعديل القانون رقم 30 لسنة 1975. تبين خلال المفاوضات بين الهيئة الاقتصادية والبنوك أن البرلمان وافق بالفعل على تغيير القانون في 20 يوليو/تموز الماضي، بأن جعل الصندوق كيانا اقتصاديا مستقلا مقره محافظة الإسماعيلية، دون أن يدري به أحد، رغم خطورته.

لن نتوقف كثيرا عند قرار سابق للبرلمان بحظر إنشاء صناديق مستقلة، تتولى إدارة المال العام، بعيدا عن الموازنة العامة، فقد استهزأت الحكومة بالقرار، ومطالبة النواب بالحفاظ على وحدة الموازنة العامة، وأنشأت عدة صناديق، لا يملك أحد حق معرفة ما يدور حول أموالها، ومنها الصندوق السيادي. الملفت في الأمر، أن صندوق قناة السويس، وفقا لقرار تأسيسه، سيعمل على استخدام الموارد والأصول بهيئة قناة السويس، ويسمح للقطاع الخاص بالعمل مع القطاع العام من الاستخدام الأمثل لتلك الموارد، دون استنزاف موارد الدولة. بهذا النص، لا نعلم هل تختفي موارد القناة من الموازنة العامة، أم جزء منها؟
قناة السويس المصدر الثاني للعملة الصعبة للبلاد. تحقق ريعا دون نفقات كبيرة، بلغت العام الماضي نحو 7 مليارات دولار. يظل المصدر الأول للدخل القومي، عوائد المصريين في الخارج، الذين لا يكلفون الدولة أية نفقات، ويرسلون لأهليهم ما يزيد عن 32 مليار دولار، أمام باقي الموارد فلها نفقات تشغيل وتستورد مكونات من الخارج، ومنها السياحة أو الزراعة والصناعة.
جاءت المفاوضات بين الهيئة الاقتصادية والبنوك لتوضح أن الأمر مرتب له منذ فترة، ولكن الأزمة الاقتصادية دفعت النظام إلى الإسراع في تنفيذ الخطط المخبأة في الأدراج الحكومية، التي تنفذ عادة في غياب الرقابة الشعبية، وبعيدا عن رقابة الصحف، في ظل الحجب والقمع المتواصل لإعلام يدار بقبضة أمنية غليظة. قناة السويس ليست للبيع، هكذا يقول المسؤولون، وهكذا ينادي الشعب، ولكن ما يقوله الشعب لا قيمة له عند حكومة، كشفت الأزمة المالية، الجبل الهائل من الديون الذي كانت تخفيه عن الناس.
أفصح تقرير أخير للبنك الدولي أن حجم الديون، في نهاية مارس/ آذار الماضي، بلغت 158 مليار دولار. وتلتزم الحكومة، وفقا للتقرير بدفع مستحقات لديون خارجية، من مارس 2022 إلى مارس 2023، بنحو 33 مليار دولار. أثارت تلك الديون صندوق النقد الدولي الذي شارك الحكومة في زيادة تلك الأعباء بالتوسع في إقراضها، لمشروعات غير ذي نفع للاقتصاد، بلغت 20 مليار دولار. يرفض الصندوق حاليا منح الحكومة 3 مليارات أخرى وشهادة حسن سير وسلوك تمكنها من الوقوف أمام الدائنين لطلب المزيد من القروض. لم تتوقف تحذيرات الصندوق ومؤسسات التمويل الدولية عن تحذير مصر من انخفاض نسب النمو وزيادة القروض، وعدم إصلاح الاقتصاد الهش الذي يعتمد على ريع الضرائب والرسوم والخدمات.
يتوقع البنك المركزي زياد العجز في الحساب الجاري ومصادر الإيرادات بالعملة الصعبة، في بيانه الأخير، حول أداء ميزان المدفوعات خلال الفترة ما بين يوليو 2021 إلى مارس 2022. عندما تقرأ البيان، يدهشك عجز قدره 11 مليار دولار في 9 أشهر، وارتفاع قيمة الودائع العربية في الاحتياطي النقدي، إلى 14 مليار دولار، عدا قروض أخرى، من 33 مليار دولار اجمالي الودائع بالعملة الصعبة.

تغذي الحكومة الناس بتلك الأرقام في وجبة مسمومة، لتبرير لجوئها إلى طلب مزيد من القروض. يعلم النظام حاليا أن القروض السخية التي حصل عليها من حلفائه، قبل حرب أوكرانيا ولى زمانها. لم تعد هناك قروض رخيصة ولا أموال ساخنة، تدفع بها لدعم النظام، بل وجدنا حلفاءه يضعون شروطا قاسية للإقراض، منها ما كان يخشى النظام، أن يذكروه به، حيث تدعو ألمانيا إلى الإفراج عن المعتقلين السياسيين وخلف الأبواب المغلقة، تنادي بذلك فرنسا وأميركا. رغم هول الأزمة، فإن انكشاف النظام أمام حلفائه وأزمة الديون، لا تبرر له أن يفرط في قناة السويس، التي استشهد في سبيلها أبناء الشعب.

المساهمون