الشهادات الدولارية في مصر تثير مخاوف الجادين وشهية عصابات التهريب وغسل الأموال

27 يوليو 2023
الجنيه المصري يواصل انخفاضه مقابل الدولار (فاضل داوود/Getty)
+ الخط -

بدأ بنكا الأهلي ومصر استقبال طلبات العملاء، الراغبين في شراء شهادتي الادخار بالدولار، التي قررتها إدارتا أكبر ذراعين ماليين للحكومة، مساء أول من أمس.

شهدت فروع البنكين إقبالا طفيفا، في الساعات الأولى من العمل، أمس، وسط توقعات متفائلة من جانب إدارة البنكين، بأن تحصد الشهادات نحو 4 مليارات دولار، من حصيلة السوق الموازية في مصر.
أقبل الجمهور على البنوك متشككين في دعوة قيادات بنكية إلى عدم سؤالهم عن مصدر الدولار المتجه إلى السوق الرسمية، ما
أثار مخاوف الكثيرين، لتناقض تلك الدعوات مع تشدد الحكومة خلال الفترة الماضية في عدم قبول ودائع بالدولار، غير معلومة المصدر، وانتشار قوافل أمنية في أسواق الذهب والمناطق التجارية، تستهدف حملة الدولار، أو من يتعاملون به في السوق الموازية.

تظهر تناقضات الأجهزة الرقابية والقطاع المصرفي، حالة الشبق التي تعانيها الحكومة من أجل الحصول على العملة الصعبة وخاصة الدولار

تظهر تناقضات الأجهزة الرقابية والقطاع المصرفي، حالة الشبق التي تعانيها الحكومة من أجل الحصول على العملة الصعبة وخاصة الدولار، في ظل أجواء شديدة القتامة، تحول دون قدرتها على تمويل الواردات الأساسية، واندفاعها إلى اقتراض الدولار من البنوك، خصما من إيداعات العملاء، وتأخر جهات التمويل الدولية في صرف قروض سبق الاتفاق على وصولها مطلع الشهر الجاري.

يرى محللون ماليون أن إسراع البنوك الحكومية في إصدار شهادات الادخار بالدولار، بفائدة تصل إلى 7% بالدولار، بمتوسط 17% على الجنيه، جاء خطوة استباقية من الحكومة والبنك المركزي، لقرار متوقع من قبل الفيدرالي الأميركي، برفع سعر الفائدة، لتصل إلى 5.5%، بما يرفع توجه المستثمرين الباحثين عن ملاذ آمن وأرباح مستقرة، وحملة الدولار للسوق الأميركي، بعيدا عن الأسواق الناشئة، من بينها مصر.

أوضح محللون أن دعوة قيادات البنوك، عبر أجهزة الإعلام الرسمية أول من أمس المواطنين، إلى شراء الشهادات بدون حد أقصى، وتأكيدهم على عدم مساءلة أي شخص عن مصدر الدولار، عملية مخططة ومدارة رسميا، بهدف الحصول على أكبر عائد من بيع الشهادات بالدولار، بأقصر وقت ممكن.
تؤكد مصادر بنكية لـ"العربي الجديد" أن خطة الترويج لبيع الشهادات موجهة في الأساس إلى المصريين بالخارج وعائلاتهم، الذين تراجعت نسب تحويلاتهم الرسمية، مع لجوء كثيرين إلى بيع الدولار، عبر سلاسل وسيطة، بالإضافة إلى الأسر التي تمتلك الدولار، وتفضل الاحتفاظ به في المنازل أو الشركات التي تخزنه كملاذ آمن، دون أن تستفيد الدولة.
تحاول الحكومة الحصول على الدولار من السوق الموازية، حيث تشير تحليلات إلى وجود ما بين 4 إلى 7 مليارات دولار، تتداول بين المواطنين خارج القطاع المصرفي.

تبلغ مدة الشهادتين 3 سنوات، وتقدم عوائد 9% مقدما بالجنيه، و7% بالدولار، مع صرف الفائدة كل 3 أشهر بالدولار.

تحاول الحكومة الحصول على الدولار من السوق الموازية، حيث تشير تحليلات إلى وجود ما بين 4 إلى 7 مليارات دولار، متداولة خارج القطاع المصرفي

جاءت حالة التفاؤل الرسمي، عن توقعات بارتفاع معدلات الشراء للشهادات، دون أن تترك أثرا على قيمة الدولار بالسوق السوداء، حيث ظل عند قيمه السائدة منذ أسابيع، عند 38 جنيها للشراء و39 جنيها للبيع، كما ظلت أسعاره عند حدودها الرسمية 30.85 جنيها للبيع للبنوك و30.95 للشراء.

يعزو محللون عدم تأثر سعر الدولار في السوق الموازية إلى حالة الترقب التي تنتاب الجمهور، في ظل مخاوف من الدفع بكميات هائلة من المدخرات المخزنة بالمنازل، وحالة الترقب الأمني، وأنباء عن صعوبة حصول أصحاب المدخرات بالدولار على أموالهم عند طلبها من البنوك.

تبادل رجال أعمال عبر تطبيقات الدردشة الخاصة بتجمعاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، دعوات إلى التريث في القرار، خوفا من استدراجهم، في فخ المساءلة عن حيازة العملة الصعبة، بحجة مكافحة غسل الأموال، ولحين الحصول على ضمانات من الدولة، تسمح لهم بسهولة استعادة مدخراتهم ومستحقاتهم في البنوك بالدولار في التوقيت الذي يحددونه، لصالح أعمالهم.

يؤكد الخبير الاقتصادي وائل النحاس، أن القرار جاء كالعادة متأخرا، ويستهدف مد أجل الودائع بالدولار والعملة الصعبة داخل البنوك، وتوظيف عوائد الشهادات في شراء بعض الديون الدولارية التي اقترضتها البنوك لصالح المشروعات الحكومية، وحل أجل سدادها. يعتبر النحاس في تصريح لـ "العربي الجديد" العائد على الشهادات غير مجد، في ظل توقع ارتفاع التضخم، وانخفاض السعر الرسمي للدولار عن السوق السوداء، بما لا يعوض العائد من وراء دفعه للبنوك.

تشير بيانات البنك المركزي إلى انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر بنحو 50%، خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى مارس/ آذار الماضي، مسجلا 2.2 مليار دولار، مع تراجع تحويلات المصريين بالخارج بنسبة 30%، على أساس سنوي إلى 5.5 مليارات دولار.
يخشى اقتصاديون من أن تصب التسهيلات في صالح تجار العملة، وعصابات تهريب السلاح والمخدرات والآثار التي لا تملك أي بيانات عن مصدر أموالها.
يأمل الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب، أن تساعد الشهادات الدولارية، في دفع معدلات التنمية ومواجهة الضغوط المتزايدة على الجنيه.

توقع الخبير الاقتصادي أن تساهم الشهادات الجديدة في جذب 20%، من إجمالي قيمة الحسابات بالدولار المدرجة في البنوك، لاستخدامها في الشهادات المعلنة، مؤكدا قدرتها على جذب أموال مكدسة لدى العديدين في المنازل "تحت البلاطة" يخشون التصرف بها، رغم حاجة أصحابها إلى سيولة بالجنيه.

تشير بيانات البنك المركزي إلى انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر بنحو 50%، خلال الفترة من يناير إلى مارس

وضع عبد المطلب في تصريح لــ"العربي الجديد" شروطا، يجب على الحكومة أن تلتزم بها كي تستخدم الحصيلة المتوقعة، في خدمة الاقتصاد، بما يوقف زيادة معدلات التضخم وتدهور الجنيه والبطالة، منها أن تستخدم الحصيلة في الإفراج عن السلع الاستراتيجية المكدسة بالموانئ ومنافذ الوصول المصرية، والمتعلقة بحاجة المواطنين من الغذاء ومستلزمات الإنتاج، التي تحتاجها صناعة اللحوم والدواجن، بما يعمل على عودة تشغيل تلك المشروعات، وخفض معدلات الغلاء، وتمويل شراء مستلزمات التشغيل بالمصانع التي تعرضت للتوقف، بسبب نقص الواردات، أو شراء قطع الغيار ومعدات التشغيل.

حذر عبد المطلب من استخدام الأموال المتدفقة من عوائد الشراء في تمويل مشروعات حكومية غير مدروسة أو بنية أساسية ليس لها عائد أو لها عائد بالجنيه، مشترطا أن يكون العائد من الاستثمار بالدولار يواكب عائدا بالعملة الصعبة أو يخصص الإنتاج المتوقع منها للتصدير.

شدد الخبير الاقتصادي على ضرورة أن يخصص جزء من العوائد لتمويل المشروعات الصغيرة، خاصة أن جزءا كبيرا من أصحاب تلك المشروعات، يضطرون إلى البحث عن الدولار أو اكتنازه، انتظارا لتوظيفه في شراء احتياجاتهم، في المستقبل، مبينا أن منحهم قروضا بعائد منخفض بالجنيه سيوفر لهم سيولة تقضي على مخاوفهم أثناء التشغيل وتبعدهم عن التمسك بما في حوزتهم من عملة صعبة.
أكد عبد المطلب أن نجاح المبادرة في جذب مدخرات المصريين من الخارج عبر القنوات الرسمية، سيعمل على تدفق المزيد من العملات الصعبة، مشيرا إلى أن توفير الدولار سيمكن الحكومة من عدم الاستسلام لضغوط صندوق النقد، ومؤسسات التمويل الدولية، حول تخفيض جديد بقيمة الجنيه، بما يبطئ الغلاء ويخرج الشركات المصرية من حالة الركود التي دخلت بها منذ 31 شهرا.

الحكومة فشلت في جمع 6 مليارات دولار، لزيادة صافي احتياطات من النقد الأجنبي، من عوائد بيع الأصول العامة، مطلع يوليو

يشير خبراء إلى أن الحكومة فشلت في جمع 6 مليارات دولار، لزيادة صافي احتياطات من النقد الأجنبي، من عوائد بيع الأصول العامة، مطلع يوليو/ تموز الجاري، وفق اتفاق مسبق مع صندوق النقد الدولي، دفعها إلى توظيف أذرعها المالية، لمواجهة نضوب الدولار، الذي تحتاجه بشده لشراء القمح والمازوت، وحل أزماتها الطارئة.

تأتي تحركات الحكومة وسط أنباء قاتمة أصدرها صندوق النقد أول من أمس، حول تصاعد معدلات التضخم بشكل غير مسبوق، مع تراجع متوقع في معدلات النمو من 5% إلى 3.7%.

المساهمون