السياسة اللبنانية تحكم قبضتها على الاقتصاد

04 يوليو 2014
التوتر الأمني يهدد الاقتصاد مجدداً ( انور عمرو/فرانس برس/getty)
+ الخط -


رسمت خيوط اللعبة السياسية اللبنانية آفاقاً قاتمة للاقتصاد اللبناني، حيث سجلت كافة المؤشرات تراجعا في أداء الدورة الاقتصادية. القطاع السياحي أول المتضررين، فالحركة التجارية، وصولاً الى القطاع المصرفي الذي أثبت سابقاً قدرته على مواجهة الأزمات، لكن ذلك لم يمنع من تأثره سلباً بالانقسام السياسي اللبناني.

النصف الأول من العام 2014، وإن تكلل بنجاح الفرقاء السياسيين بتأليف حكومة، بعد أكثر من 10 أشهر من الانتظار، فهو لم يترجم على أرض الواقع إيجاباً، بالرغم من أن الهيئات الاقتصادية أبدت تفاؤلاً خجولاً بعودة النشاط الاقتصادي خلال فصل الصيف، لكن مؤشرات عديدة بددت هذا التفاؤل، أولها، عدم الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، ثانياً الزلزال الامني الذي ترجم باقتحام فنادق في العاصمة بيروت، وعودة مسلسل العمليات الانتحارية إلى الواجهة من جديد، والحديث عن استهداف منتجعات سياحية، ومطاعم ومحال تجارية.

 

خيوط اللعبة

ثلاث سنوات من الحرب في سوريا، لم تكن كفيلة بجمع خيوط اللعبة السياسية في لبنان، والاتفاق على موقف جاد من هذه الحرب، الحكومة اتبعت سياسة النأي بالنفس، فيما دخل فريق في خط المواجهة مع المعارضة، وآخر مع النظام، قسمت دائرة الحرب في سوريا وفق منطق ومنهج كل فريق، لتؤكد مجدداً مدى التشرذم الذي يعيشه القيمون على إدارة السياسة في لبنان. وقد ساهم التشرذم في تراجع الاقتصاد اللبناني بشكل عام، حيث انخفضت نسب النمو من 7 في المئة الى 1 و2 في المئة للعام 2014، كما ظهر التراجع في معظم مؤشرات القطاع الحقيقي، كعدد السياح 16.5 في المئة، وعدد المسافرين 8.3 في المئة، ومعدلات الإشغال في الفنادق 16 في المئة ، والحجم الوسطي لقروض "كفالات" 4.26 في المئة، بحسب نشرة فرنسبنك للفصل الاول من العام 2014.

أما بالنسبة إلى وضع المالية العامة خلال النصف الأول من العام، فالأرقام كفيلة برسم الصورة الحقيقة للاقتصاد، حيث بلغ الدين العام الإجمالي 65.1 مليار دولار حتى نهاية مارس/آذار 2014، بزيادة سنوية نسبتهاً 12.7 في المئة عن الفترة ذاتها من عام 2013، واعلن وزير المالية اللبنانية علي حسن خليل  عند إرساله مشروع الموازنة اللبنانية إلى مجلس الوزراء للمناقشة أن الانفاق العام بلغ 7669 مليار دولار.

 

السياحة أول المتضررين

دفع القطاع السياحي ثمن الانقسام السياسي، وما ترافق معه من توترات أمنية، حيث أكدت دراسة أجرتها شركة الاستشارات والتدقيق "إرنست آند يونغ" (Ernst & Young) عن القطاع الفندقي في منطقة الشرق الأوسط أن نسبة إشغال الفنادق في بيروت بلغت 46 في المئة في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2014، مسجّلة بذلك انخفاضاً بنسبة 58 في المئة، التي كانت قد بلغتها في الفترة عينها من العام 2013، وسجّلت بيروت نسبة الإشغال الثانية الأدنى في منطقة الشرق الاوسط، في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2014، بعد أن سجّلت النسبة الثالثة الأدنى في الفترة نفسها من العام 2013.

بالرغم من تراجع القطاع السياحي خلال الفصل الأول من العام، إلا أن الهدوء النسبي أمنياً بعد تأليف الحكومة سمح للقيمين على إدارة القطاع السياحي بالتفاؤل في النصف الثاني من العام، خاصة بعد عودة السياح، وبدأت تظهر علامات التفاؤل من خلال نسب الإشغال الفندقي، إلى أن داهم الجيش اللبناني أحد الفنادق في منطقة الحمرا في العاصمة بيروت أواخر شهر حزيران/ يونيو، وما تبعه من تفجير انتحاري في فندق في منطقة الروشة السياحية في لبنان، حيث تراجعت نسب الإشغال بشكل ملحوظ، وقال رئيس اتحاد المؤسسات السياحية ونقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار الأشقر لـ "العربي الجديد": بعد انفجار ضهر البيدر ودهم الجيش للفنادق اللبنانية تراجعت نسب الإشغال من 82 في المئة الى 59 في المئة، متوقعاً أن لا تشهد نسب الحجوزات أي إرتفاع يذكر بسبب قدوم شهر رمضان، مضيفاً "أنه إذا نجحت القوى الأمنية بفرض الأمن، سترتفع الحجوزات خلال عيد الفطر، ويستعيد الموسم نشاطه في الشهر الثامن".

ونجح الأمن الاستباقي في إنقاذ العاصمة من مخططات إرهابية تطال اللبنانين والسياح، لكنه ساهم في الوقت عينه في تراجع نسب الحجوزات في المؤسسات السياحية إلى أقل من 33 في المئة بحسب أمين عام اتحاد المؤسسات السياحية جان بيروتي، الذي أكد لـ "العربي الجديد": أن نسب الحجوزات في الفنادق والمنتجعات في المناطق الجبلية لم تتعد 1 في المئة، داعياً الأطراف السياسية إلى الاتفاق لانتخاب رئيس للجمهورية لإنقاذ الوضع الاقتصادي قبل فوات الأوان".

 

والمصارف تتأثر

حتى القطاع المصرفي تأثر سلباً بالأوضاع السياسية القائمة، وبحسب الخبير المصرفي نسيب غبريل، فإن القطاع المصرفي اللبناني لا يعيش في جزيرة نائية، فهو يتأثر سلباً وايجاباً بما يحصل داخل الساحة اللبنانية وقال لـ "العربي الجديد": تأثر القطاع المصرفي اللبناني خلال الفصل الأول من العام 2014، فالمصارف هي أكثر القطاعات التي تتأثر بالبيئة التشغيلية، كونه القطاع الوحيد الذي يسلف القطاعات الخاصة، ونتيجة غياب فرص الاستثمار، تأثرت القروض المصرفية للقطاع الخاص".

وتابع": تراجعت المشاريع الاستثمارية في لبنان بنسبة 48 في المئة عن العام 2012، وتشير الدراسات إلى تراجع  المشاريع الإنتاجية بنسبة 23 في المئة منذ بداية العام، ومن الثابت أن المشاريع الإنتاجية تساهم في خلق فرص العمل، وتحريك العجلة الاقتصادية، وبالتالي غياب المشاريع الاستثمارية قلص من نسب القروض الممنوحة للقطاع الخاص والتي تعد أساس عمل المصارف".

وأضاف": خلال الفصل الأول من العام أيضاً، تراجعت نسب أرباح المصارف اللبنانية الكبرى بنسبة 3 في المئة عن العام السابق، وفي ظل الشغور في سدة الرئاسة الأولى في لبنان، والتوترات الأمنية من المتوقع أن تنخفض أرباح أكبر 14 مصرفاً في لبنان إلى أكثر من 5 في المئة".

من ناحية أخرى لفت غبريل إلى أن الظروف السياسية الإقليمية، ساهمت بدورها أيضاً في تراجع نسب أرباح المصارف اللبنانية العاملة في الخارج، وقال "خسرت المصارف اللبنانية العاملة في الخارج أكثر من 80 في المئة خلال السنوات الثلاث الماضية".

 

الحركة التجارية... في مأزق

تمر الحركة التجارية في مأزق حقيقي نتيجة انعكاسات الاوضاع السياسية على الاقتصاد اللبناني، منذ ثلاث سنوات وحتى اليوم، حيث فاقت نسب خسائر القطاع مليارات الدولارات، بحسب رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس الذي قال لـ "العربي الجديد": انتهى النصف الأول من العام الحالي بتراجع حاد في نسب الأعمال نتيجة إقفال المؤسسات التجارية، وإفلاسها، مشيراً الى أن الحركة التجارية في شهر فبراير/ شباط الماضي شهدت تحسناً بسيطاً، وتوقعنا مع بداية فصل الصيف، أن تشهد الحركة التجارية بعض التغيير نتيجة استتباب الأمن، لكننا فوجئنا بسلسلة انفجارات متقاربة نهاية الفصل الأول من العام، والتي أدت إلى توقف الحركة التجارية.

وأضاف "من غير المتوقع أن تشهد الحركة التجارية في الوقت القريب أي تحسن، بسبب التوترات الأمنية، موضحاً أن توقيت العمليات الانتحارية في نهاية الفصل الأول من شأنه أن ينعكس سلباً على الفصل الثاني من العام"، لافتاً الى أن القطاع التجاري دفع خلال  السنوات الثلاث الماضية فاتورة الانقسام السياسي، حيث وصلت نسب التراجع في الأعمال الى ما يقارب 35 في المئة.

 

المساهمون