دخلت أزمة الإمدادات السلعية في السودان مرحلة أخطر، مع إعلان شركات ملاحة دولية إيقاف نقل البضائع إلى البلد الذي يشهد حرباً بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، و"قوات الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، بينما تشهد الأسواق بالأساس ندرة في السلع الأساسية وقفزات حادة في الأسعار، ما ينذر باتساع رقعة الأزمات.
والثلاثاء الماضي، أعلنت مجموعة مولر ــ ميرسك العملاقة لشحن الحاويات، في بيان لها، أنها أوقفت تلقي حجوزات جديدة للبضائع للسودان، بسبب الاشتباكات الدائرة في البلاد. ورغم محاولة وزيرة التجارة والتموين السودانية آمال صالح تهدئة روع المواطنين بالإعلان، قبل أيام، أن مخزون البلاد من السلع الاستراتيجية المستوردة يكفي لأكثر من شهر، إلا أن الخوف يتزايد من اتساع أمد الحرب وتجمد أوصال إمدادات السلع.
وأدى الاقتتال إلى تداعيات سلبية سريعة على الأوضاع المعيشية والأمنية في البلاد، حيث جاء في وقت تعاني فيه البلاد بالأساس من أزمة اقتصادية طويلة الأمد وتزايد الاحتياجات الإنسانية على نطاق واسع.
مجاعة تطاول الجميع لا تميز بين المدني والعسكري
وحذر تجار ومنتجون من مغبة دخول البلاد في فوضي عارمة ومجاعة تطاول الجميع لا تميز بين المدني والعسكري، ولفتوا في حديثهم لـ"العربي الجديد" إلى أن القطاعات الاقتصادية المختلفة تتكبد خسائر باهظة مع كل يوم يمر وتستمر فيه الاشتباكات.
وقال محمد سلمان، عضو غرفة المصدرين لـ"العربي الجديد": "نتوقع أن تنفد قريباً كل البضائع في المخازن دون أن يكون هناك إحلال، خصوصاً أن كل السبل نحو الإمدادات تتقطع، فهناك إغلاق للطرق المؤدية إلى الموانئ، وأنباء عن امتناع الكثير من البواخر من دخول ميناء بورتسودان نتيجة سوء الأحوال الأمنية، والأحداث ستؤثر مباشرةً بالحركة التجارية مع مصر".
وأضاف سلمان: "في ظل هذه الأوضاع، لن يكون بالتأكيد هناك تعاقدات جديدة لاستيراد السلع"، معرباً عن مخاوفه من انفلات كبير لسعر صرف الدولار، ما سيحمل مخاطر كبيرة للأوضاع الاقتصادية والمعيشية، حتى لو توقفت الحرب.
وأشار إلى حجم الأضرار التي تطاول البنية التحتية جراء الاقتتال، حيث تضررت المباني والوزارات المختصة بالعمل التجاري والاقتصادي، بالإضافة إلى الأثر الكبير الذى وقع أيضاً على البنوك وفروعها في المدن كافة.
بدوره، قال الخبير الاقتصادي، الفاتح عثمان لـ"العربي الجديد" إنه بات من الواضح أن الحرب قد تستمر لفترة أطول، وهذا يعني توقف الحركة التجارية بين ميناء بورتسودان (شرق) والخرطوم، وأيضاً توقف الحركة التجارية بين الخرطوم وبقية الولايات، وتوقف المصانع والمطاحن والمسالخ، وتوقف نقل السلع والخضروات والفواكه من مناطق الإنتاج والأسواق المركزية للمدن والقرى والأحياء.
وأضاف عثمان أن هذه الأوضاع تسب نقصاً كبيراً في المعروض من السلع والخبز، وإن طالت الحرب لأكثر من هذه الفترة فقد تنشأ حالة جوع وسط المواطنين. والمستشفيات تحتاج بدورها للإمداد بالدواء والمعدات الطبية لمواصلة عملها.
أما الطامة الكبرى، فهي أحوال العمال غير النظاميين والباعة المتجولين، ممن يعتمدون على العمل اليومي للحصول على قوتهم، فهؤلاء سيعانون بشدة جراء الحرب وإغلاق المدن والأسواق، وفق الخبير الاقتصادي السوداني.
وقال الخبير الاقتصادي محمد الناير، إنّ "عدداً كبيراً من المواطنين يعتمدون على معاشهم يوماً بيوم، واستمرار الحرب يؤثر في أرزاقهم وتدبير احتياجاتهم"، مضيفاً أن الاشتباكات سببت أضراراً في مختلف الأنشطة الإنتاجية والخدمية، ولا سيما المرتبطة بتوفير السلع للأسواق.
صرخات المنتجين والتجار
في الأثناء، تتعالى صرخات المنتجين والتجار. ونشرت صاحبة مزرعة دجاج تسجيلاً مصوراً على مواقع التواصل الاجتماعي تشكو فيه من حجم الأضرار الواقعة عليها، مؤكدة أن مزرعتها تتعرض للهلاك بفعل توقف الخدمات من كهرباء ومياه وغذاء، بينما عليها التزامات بنكية، حيث أُنشئت المزرعة بمليارات الجنيهات بقروض من البنوك. وقال مرتضى كمال، عضو شعبة الدواجن، إن قطعاناً كبيرة من الدواجن نفقت خلال الأيام الماضية، وفقد الكثير من أصحاب المزارع رؤوس أموالهم.
وحتى قبل الاشتباكات الأخيرة، كان السودان يواجه صدمات معيشية واضطرابات اجتماعية، وسط ارتفاع أسعار المواد الغذائية التي أدت إلى الفقر والجوع والنزوح، وفق تقرير حديث للجنة الإنقاذ الدولية، وهي منظمة غير حكومية عالمية مختصة بتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثة والتنمية، مشيرة إلى أن 39% من السكان يعانون من مستويات قصوى من انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية.
وأجبرت الأزمة الاقتصادية المتصاعدة في السودان على مدار سنوات طويلة، العديد من الأسر على شد الأحزمة، حيث يعيش حوالى 65% من السكان، البالغ إجمالي عددهم 45 مليون نسمة، تحت خط الفقر، وفقاً لبيانات صادرة عن الأمم المتحدة في 2020.