بدت أرقام التضخم المنخفضة التي تعلنها السلطات في السودان مغايرة للواقع المعيشي، وفق تأكيد خبراء اقتصاد ومواطنين، إذ لا تزال موجات الغلاء تنهش القدرات الشرائية للمواطنين بعد أن طاولت مختلف السلع والخدمات في البلد الذي يعاني صعوبات اقتصادية ومالية.
ووفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، انخفض معدل التضخم السنوي خلال ديسمبر/ كانون الأول الماضي إلى نحو 87.3%، مقارنة بـ 88.8% في نوفمبر/ تشرين الأول ونحو 102.2% في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، ليسجل مستويات دون 100% في الشهرين الأخيرين من العام الماضي لأول مرة منذ سنوات، بينما كان قد تجاوز 422% في يوليو/ تموز 2021، في حين تظهر بيانات التضخم في مختلف أنحاء العالم صعوداً غير مسبوق خلال العام الماضي على ضوء تداعيات اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا على أسعار الطاقة والسلع الأساسية.
يشير الخبير الاقتصادي عادل عبد المنعم في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن الواقع يظهر صورة مغايرة لبيانات التضخم المعلنة، موضحاً أن الغلاء مستمر ليطاول السلع الاستهلاكية والأدوية والمواصلات والسكن وهناك تردٍّ في الخدمات.
يضيف أنه لا يمكن السير وفق الواقع الاقتصادي إلى بر الأمان، لافتاً إلى ضرورة توفر إرادة قوية وإدارة رشيدة لاستغلال الموارد المتاحة بصورة علمية وتشجيع المنتجين لتوفير السلع وبالتالي العمل على استقرار مؤشر أسعار المستهلكين.
ويلفت إلى ضرورة تكوين جمعيات تعاونية في الأحياء لتسهيل توصيل المواد الاستهلاكية للمواطن والعودة إلى دعم بعض المواد كالدواء والدقيق ووقود المواصلات والتعليم.
وعلى عكس الرواية الرسمية من تحسن الأوضاع الاقتصادية، يشير محللون إلى أن تردي القدرات الشرائية والأوضاع المعيشية للمواطنين ربما دفعت الأسواق إلى حد الركود الحاد. وتسبب ضعف رواتب العاملين في تعميق أزمة الركود في الأسواق وتدهور الأوضاع المعيشية.
ومؤخراً أقر والي الخرطوم المكلف أحمد عثمان حمزة بضعف أجور العاملين بالقطاع الحكومي وتأثيرها السالب على معيشة العاملين، مشيراً إلى سعيهم لتوفير سلة قوت العاملين وتفعيل التعاونيات بمواقع العمل والمناطق الطرفية من الولاية.
ويقول المحلل الاقتصادي شاذلي عبد الله لـ"العربي الجديد" إن التضخم أصبح من أكثر المشكلات التي تواجه السياسات النقدية السودانية في الوقت الراهن نظرياً وعملياً بما يؤثر على معيشة الناس.
ويؤكد أن التضخم ليس المشكلة الوحيدة التي يعانى منها المواطن، وإنما هناك عدد من الأمراض الاقتصادية، منها البطالة، وتدهور الناتج المحلي وتراجع الاحتياطي النقدي، بالإضافة إلى الدين الخارجي، وجميعها أثرت على طموح المواطن في تحقيق وفرة في المواد الأساسية والخدمات الضرورية من الصحة والتعليم وغيرها.
ويرى أنه للخروج من هذه الأزمة ينبغي على القيادة السياسية تحقيق إصلاحات اقتصادية حقيقية مبنية على أرضية إنتاجية عالية واستغلال أمثل لطاقات الشباب العاطلين عن العمل وإشراك المواطن في تحقيق التنمية والرفاهية المنشودة للشعب.