قبل شهور كان الخراب يعشش في كل ركن من أركان المطارات حول العالم، انطفأت الأضواء الباهرة داخل صالات السفر، وانطفأت معها محركات الطائرات، هدأت حركة سير الحقائب والأمتعة في صالات الوصول والمغادرة.
ظهر التراب واضحا على هياكل الطائرات التي باتت راكدة لا تتحرك كالأسواق التي تصاب بالكساد الشديد وتبور بضاعتها فجأة، حصل طيارون وأطقم ضيافة على إجازة مفتوحة عقب حدوث تخفيض شديد في الرواتب، وبعدها طاولها موجة إقالات جماعية، غادرت سيارات الأجرة محيط المطارات، ومعها أغلقت شركات السياحة أبوابها واتصالاتها وسرحت موظفيها.
لاحقت الخسائر الفادحة شركات الطيران وأجبرت العديد منها على إعلان إفلاسها ومغادرة سوق السياحة والسفر، اختفت شركات طيران عملاقة بعد تكبدها مليارات الدولارات، وأخرى عريقة غادرت الساحة بعد أن عجزت دولها ومساهموها عن دعمها ماليا.
خراب اقتصادي لحق بمطارات العالم بسبب كورونا، وصالات السفر تحولت لأماكن تعيسة ومقلقة
والسبب في كل ذلك الخراب الاقتصادي والصحي كارثة كورونا التي حلت فجأة على العالم ودمرت اقتصاد دوله وأرهقت مالية شعوبه واستنزفت جيوب الجميع، وكان قطاع السياحة أبرز الخاسرين على الإطلاق بسبب توقف الحركة كليا ووضع كل دول العالم قيودا شديدة على حركة السفر.
وعلى الرغم من حدوث انفراجة في حركة السير والسفر داخل المطارات خلال الفترة الأخيرة مع زيادة توزيع اللقاحات وتراجع الإصابات والوفيات بالفيروس، إلا أن الوضع لا يزال هشاً وضعيفاً جداً ومتوترا.
لم تشهد حركة داخل المطارات في الايام الأخيرة تحولا جذريا ربما باستثناء حركة الهنود المتجهين إلى الولايات المتحدة وأوروبا هربا من تفشي الوباء داخل بلدهم والذي حصد أكثر من 300 ألف من الأرواح ورفع عدد الإصابات لأكثر من 400 ألف في بعض الأيام، كما أن بعض الدول خففت من القيود المفروضة على حركة الأفراد والطائرات.
تستطيع أن تلمس ذلك الوضع الهش بنفسك وأنت تتجول بحذر شديد في عدد من مطارات العالم خوفا من أن تلمس شيئا لمسه قبلك مصاب بالوباء، أو أنك تقع فريسة لموظف بالمطار يظن أن الفيروس يخترق جسمك رغم حيازتك لتحليل يؤكد خلوك من الوباء، أو أن تفاجي بإلغاء رحلتك لقلة عدد المسافرين عليها.
السفر بات قطعة من العذاب ومرادفا للمشقة والتعب والتوتر العصبي والضغط النفسي والعبء المالي
لم يعد السفر متعة كما كان قبل سنوات، بل بات قطعة من العذاب ومرادفا للمشقة والتعب والتوتر العصبي والضغط النفسي والعبء المالي حيث قفزات تكلفة السفر، فتحليل PCR في مدينة مثل نيويورك تبلغ تكلفته نحو 400 دولار، أما التحاليل التي تجريها الجهات الحكومية مجاناً فتحصل عليها في فترة من 3 إلى 5 أيام، وهي لا تصلح كوثيقة معتمدة للسفر.
خلال الأيام الماضية زرت عدة عواصم مختلفة فوجدت مطاراتها مليئة بالقصص الحزينة والمؤلمة، فقد اختفت الابتسامة والبهجة التي كانت تملأ المطاعم والكافيهات وأماكن الانتظار داخل المطارات وحل بدلا منها البؤس والشقاء والحزن والقلق والتعاسة والتوتر.
في المطارات تسمع قصصاً مؤلمة وآهات كثيرة، بل تشاهدها بعينك، فهذا مسافر تمت إعادته من حيث أتى لأن في حوزته تحليل كورونا مضى عليه 3 أيام ولا يصلح، وهؤلاء أطفال يسافرون دون أبيهم أو أمهم بعد أن وضعت الدولة المستقبلة قيوداً على سفر كبار السن.
وهذا مسافر تمت إعادته من المطار لأن حرفا من اسمه المدرج في تحليل كورونا يختلف عن اسمه في جواز السفر، أو أن الجهة التي أصدرت تقرير التحليل غير موثوق بها، أو أن الدولة نفسها التي صدر منها التقرير تفرض حالة من التعتيم الشديد على حالات الاصابات والوفيات، وبالتالي لا يتم اعتماد تقاريرها الصحية.
وذاك مسافر يفاجأ وهو في منتصف الرحلة " ترانزيت" أن الدولة التي يسافر إليها قد أصدرت قرارات بتقييد حركة الدخول، وبالتالي عليه العودة من حيث جاء، وأنها فرضت حجرا صحيا بشكل مفاجئ ولا يستطيع تحمل أعباءه المالية خاصة في فنادق أوروبا وأميركا، أو أن الدولة أغلقت حدودها فجأة ولم تعد تستقبل مسافرين من الأماكن الموبوءة.
في زمن كورونا تحولت صالات المطارات إلى ما يشبه المستشفيات ودور الرعاية الصحية حيث تواجد كثيف للأطباء والمسعفين وأدوات التعقيم والتحليل وقياس درجة حرارة الجسم، كما كثرت الطوابير التي تنتظر حسم مصيرها، إما إلى الحجر الصحي أو الحجر المنزلي، وربما العودة من حيث جاء.
وقديما قالوا: "سافر، فإن للسفر 5 فوائد، لكن في زمن كورونا، أصبح للسفر 5 عيوب أخطرها القلق المستمر داخل الطائرات والمطارات، بل وخلال توجهك للمطار.