الركود يضرب الأسواق المصرية بعد العيد... والبائعون يشتكون

18 ابريل 2024
هدوء كبير في الأسواق في ظل تراجع القدرات الشرائية لمعظم المواطنين (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- بعد عيد الفطر، تشهد الأسواق المصرية ركودًا بسبب الإنفاق الكبير خلال رمضان والعيد، مما استنزف ميزانيات الأسر وأثر سلبًا على الحركة التجارية، خاصة في الإسكندرية حيث يعاني أصحاب المطاعم والمتاجر من قلة الزبائن.
- الأنشطة التجارية المختلفة من مطاعم ومغاسل سيارات إلى صالونات الحلاقة تعاني من تراجع حاد في الإقبال والمبيعات بسبب الإنفاق المفرط خلال الأعياد والظروف الاقتصادية الصعبة التي تقلل من القدرة الشرائية للأسر.
- يعتقد الخبير الاقتصادي علي الإدريسي أن الركود يعود للأزمات الاقتصادية وارتفاع التضخم، مما يجبر المواطنين على تقليل الإنفاق على السلع غير الضرورية، ويشدد على أهمية دور الحكومة والمؤسسات في دعم رواد الأعمال وتوفير بيئة مناسبة للتجارة.

يخيم الركود على أسواق مصر بعد انقضاء عطلة عيد الفطر، حيث استنزف شهر رمضان والعيد ميزانيات معظم الأسر، ما دعا تجارا وحرفيين إلى وصف الفترة الحالية بأنها الأصعب على مدار العام.

في أحد أشهر أحياء مدينة الإسكندرية على البحر المتوسط شمالي مصر، حيث تنتشر المطاعم والمتاجر من مختلف الأنشطة والتخصصات يخيم الهدوء رغم انقضاء عطلة العيد وعودة الأعمال إلى طبيعتها، ويتوسّد مطعم صغير زاويةٍ هادئة، مثل قصرٍ مهجورٍ، فالأضواء الخافتة تتلألأ في نوافذ المطعم، وتظهر رسوماً واضحة على واجهته الخالية تماماً من الزبائن. فقط بائعون يقفون في انتظار أي مشترٍ.

صاحب المطعم، يقف خلف الباب الزجاجي الرقيق، ينظر إلى الخارج بابتسامة خفيفة، ومع كل نفس يأخذه، تتعاظم التجاعيد على وجهه المتعب، وتشير إلى مرارة الفترة الصعبة التي يعيشها، فيلتفت إلى المطبخ الصغير المجاور، والذي يجلس فيه العمال بلا عمل بينما تُحتسب أجورهم.

يعزف الزبائن عن زيارة المكان في عادة يشهدها المطعم وغيره من المحال التجارية بعد كل عيد، إذ تشهد الأسواق كساداً وركوداً كبيراً في الأسابيع التي تخلف العيد، الأمر الذي يرجعونه إلى إنفاق المواطنين بكل سعتهم قبل، وفي أثناء العيد، مما يؤثر عليهم سلباً بعد ذلك.

"أرى الطاولات الخشبية الفارغة، والكراسي التي تنتظر بلا أمل، وحتى القائمة المصقولة التي لم يطلبها أحد، ويغمرني الحزن العميق لما أواجهه من صعوبات مالية وديون متراكمة".. يقولها المعلم صبحي الفولي، صاحب المطعم، لـ"العربي الجديد".

يضيف "الفولي": سلوك المواطنين شديد الشراهة في المناسبات العامة وبخاصة الأعياد، والتي من شأنها القضاء على أموالهم تماماً قبل، وفي أثناء المناسبة، بغض النظر عن أحوالهم الاقتصادية فيما تبقى من الشهر بعد العيد.

يقول: "لا أستطيع إطفاء الشعلة أو إغلاق المطبخ، فعلى الرغم من عزوف الزبائن، إلا أن سمعة المطعم تجبرني على استمرار تجهيز الوجبات لأكون جاهزاً لأي طلبات محتملة، وحتى تظل رائحة الأطباق الشهية منتشرة في الهواء، في محاولة لجذب المارة".

ومن المطعم إلى مغسلة سيارات وسجاد، إذ يعاني صاحب المغسلة من حالة الركود الكبير بعد العيد، فيقول الحاج أسعد عاشور، لـ"العربي الجديد": في أعقاب انتهاء العيد، تعاني الأسواق من الركود، مما يزيد أزمات البائعين ويضعف ميزانياتهم، مع التراجع في حركة المبيعات وتراجع الإقبال على التسوق.

ويضيف: "تعتبر فترة بعد العيد هذا العام أصعب فترة بالنسبة لنا، ويبدو أن العديد من الأسر يقللون من مصروفاتهم، ويتجنبون شراء أي شيء، بينما نحتاج إلى تشغيل محلاتنا لتوفير رواتب العمال والإيجارات وسداد قيمة الفواتير".

أما علاء عابد، صاحب محل حلاقة وسط الإسكندرية، فيتحدث عن تراجع حاد في حجم الزبائن بعد العيد، حيث يعتبر هذا الوقت من السنة "موسماً ميتاً" بحسب وصفه، قائلا لـ"العربي الجديد" إن السوق يشهد تراجعاً كبيراً في عدد الزبائن وحجم المبيعات.

ويضيف عابد: "هذه الفترة تعد واحدة من الأصعب خلال العام، حيث نعاني تراجع القدرة الشرائية للمواطنين وتراجع الإقبال، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها البلد، وإنفاقهم كل السعة المالية التي يمتلكونها قبل وأثناء العيد".

من جانبه يقول على الإدريسي، الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد في الأكاديمية البحرية للنقل البحري لـ"العربي الجديد"، إن هذه الظاهرة تعزى إلى عدة عوامل، أهمها الأزمات والظروف الصعبة التي تثقل كاهل المصريين وقدراتهم الشرائية، بعد فشل الحكومة في إيجاد حلول لضبط الأسواق في ظل تزايد وارتفاع معدلات التضخم التي تنعكس سلباً علي الاسعار ومعيشة المواطنين.

يشير الإدريسي إلى أنه مع استمرار الشكوى من ارتفاعات أسعار السلع الغذائية والطاقة ومواد البناء، يعمل المواطن على تحقيق ما يعرف بالوعي الاستهلاكي وذلك بترتيب الأولويات والسعي لشراء الحاجات الأساسية وتقليل حجم السلع مع الاستغناء عن بعضها خاصة الكمالية أو الترفيهية.

ويلفت إلى أن التضخم المتزايد ليس فقط ما يؤثر في الأسعار وقدرة الأفراد على شراء السلع والمنتجات، وإنما يضاف إلى ذلك ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء وتكاليف المعيشة العامة، مما يجعل الأسر تقلل من مصروفاتها اليومية، وتتقشف في النفقات غير الضرورية.

وعن التجار يقول أستاذ الاقتصاد: "على الرغم من هذه التحديات، يسعى البائعون إلى ابتكار استراتيجيات جديدة لجذب الزبائن وتنشيط الأعمال التجارية، ويستخدم بعضهم تخفيضات الأسعار والعروض الترويجية لجذب المزيد من العملاء، في حين يعتمد آخرون على التسويق عبر الخدمة والتجارة الإلكترونية للوصول إلى قاعدة عملاء أوسع، ويعمل البعض أيضاً على تنويع منتجاتهم وتحسين جودتها لكسب ثقة المستهلكين وتشجيعهم على الشراء.

ويشير الإدريسي إلى ضرورة اتخاذ القطاع الحكومي والمؤسسات المعنية إجراءات لدعم رواد الأعمال وتوفير بيئة مناسبة للتجارة والاستثمار، وتقديم الدعم المالي والتدريب والإرشاد للبائعين الصغار والمتوسطين، وتبسيط الإجراءات الإدارية وتخفيف الضرائب والرسوم الحكومية المفروضة على الأعمال التجارية.

ويضيف أنه يجب أن تركز الحكومة جهودها على أن يتجاوز التجار الركود الحالي، وتعود الأسواق إلى النشاط والازدهار، وهو ما يتطلب تعاوناً وجهوداً مشتركة من جميع الأطراف المعنية لتخطي التحديات الحالية وتعزيز النمو الاقتصادي.

المساهمون