الركود يحاصر بيت لحم للعام الثاني...إغلاق 94% من الفنادق

06 يناير 2025
شوارع بيت لحم فارغة من السياح بسبب ممارسات الاحتلال، 23 ديسمبر 2024 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعاني بيت لحم من ركود اقتصادي حاد للعام الثاني بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة والقيود على الحركة، مما أدى إلى تدهور القطاع السياحي وانخفاض عدد الفنادق العاملة من 75 إلى 5 فقط.
- يواجه القطاع الفندقي خسائر تقدر بـ175 مليون دولار منذ بداية الحرب، مع نسبة إشغال لا تتجاوز 2%، وتعتمد المدينة بشكل شبه كامل على السياحة الدينية الوافدة التي توقفت.
- تأثرت القطاعات الأخرى بشكل كبير، حيث تراجع قطاع الصناعة بنسبة 80% والزراعة بنسبة 90%، مع انخفاض القدرة الشرائية بنسبة تزيد على 60%.

يحاصر الركود الخانق محافظة بيت لحم، جنوبي الضفة الغربية المحتلة، للعام الثاني على التوالي، بينما تُعد واحدة من أهم الوجهات السياحية الدينية في العالم، إذ تسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة والقيود المفروضة على الحركة الوافدة إلى المحافظة، في ضرب مختلف الأنشطة الاقتصادية على رأسها السياحة، ولم يعد يعمل سوى خمسة فنادق من أصل 75 فندقاً، ليتقلص عدد العاملين إلى 400 شخص بدلاً من ثلاثة آلاف عامل.

يعتبر القطاع السياحي الذي تعتمد عليه بيت لحم أكثر القطاعات تضرراً، حيث كان يصل إلى المدينة قبل عام 2020 نحو ثلاثة ملايين سائح أجنبي، وفي عام 2023 دخل نحو مليون ونصف المليون سائح بيت لحم مع نهاية سبتمبر/أيلول منذ ذلك العام، وذلك في مرحلة تعافٍ أعقبت جائحة فيروس كورونا، ما انعكس حينها على تدفق الحركة الشرائية من مختلف القطاعات التجارية، إلى أن عادت الأزمة الاقتصادية للواجهة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2023.

يقول مدير جمعية الفنادق العربية، إلياس العرجا، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "القطاع الفندقي في المدينة يواجه أزمة غير مسبوقة، مع خسائر تُقدر بحوالي 175 مليون دولار منذ بداية الحرب على غزة". ويوضح العرجا أن نحو 75 فندقاً في بيت لحم فيها 5500 غرفة، وتستوعب عادة ما يصل إلى 10 آلاف زائر، لكن في الأيام الحالية تعتبر نسبة الإشغال أقرب إلى الصفر، مقارنة بنسبة تجاوزت 80% في مثل هذا الوقت من عام 2018 قبل جائحة كورونا.

ويشير العرجا إلى أنه خلال موسم الأعياد سابقاً، كان ما يقرب من 9 آلاف زائر يقيمون في فنادق المدينة، حيث يُنفق كل منهم حوالي 50 دولاراً في الليلة الواحدة، مما يحقق دخلاً يومياً يُقدر بحوالي 300 ألف دولار. أما الآن، فإن نسبة الإشغال بالكاد تصل إلى 2% طوال أيام العام.

عن السياحة الداخلية من زوّار الداخل المحتل، يوضح العرجا أن نسبتها لا تتعدى 4% في الوضع الطبيعي، وهي نسبة ضعيفة وغير قادرة على إنعاش القطاع السياحي كونها باتت معدومة في هذا العام. ويشير إلى أن العمل في القطاع يعتمد بشكل شبه كامل على السياحة الدينية الوافدة من الخارج في أعياد الميلاد الحالية، إلا أن توقف حركة الطيران إلى الأراضي المقدسة وغياب الزوار الأجانب تركا أثراً مدمراً على هذا القطاع.

وبحسب العرجا، فإن خمسة فنادق فقط تعمل من أصل 75 غالبيّتها أغلقت أبوابها بما يعادل 94% من إجمالي الفنادق، حيث إن تشغيل الفنادق يُعد عبئاً مالياً أكبر من إغلاقها في ظل الظروف الراهنة. وأشار إلى أن القطاع كان يشغّل حوالي 3 آلاف عامل قبل الحرب، بينما تقلص هذا العدد الآن إلى 400 عامل فقط يقتصر عملهم على الحراسة والنظافة والخدمات الشكلية.

ويؤكد مدير جمعية الفنادق العربية أن القطاع السياحي في بيت لحم حساس جداً، فهو أول القطاعات التي تتضرر في الأزمات وآخرها تعافياً، مضيفاً أنه لا توجد مؤشرات واضحة على تحسن الوضع قريباً، في ظل غياب الزوار بشكل شبه كامل. ولفت إلى أنه في مثل هذه الأيام، كانت المدينة تستقبل حوالي 30 ألف زائر يومياً، من بينهم 9 آلاف يقيمون في الفنادق والبقية من زوار خارج المدينة. أما في نهاية دسيمبر/كانون الأول الماضي فإن العدد لا يتجاوز ألف زائر، معظمهم من السكان المحليين.

تُجسد الأرقام التي قدمها العرجا حجم الكارثة التي يواجهها قطاع السياحة في بيت لحم، وهي أزمة لا تؤثر فقط على الفنادق، بل تمتد لتشمل العديد من القطاعات المرتبطة بها مثل المطاعم، والمتاجر، والحرف اليدوية، والباعة المتجولين.

في هذا السياق، قال مدير مديرية الاقتصاد الوطني في بيت لحم، محمد حميدة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن نسبة التأثر السلبي وصلت إلى 100% في قطاع السياحة. ولفت إلى أنه إلى جانب السياحة، تأثرت باقي القطاعات الاقتصادية في بيت لحم بشكل كبير، موضحاً أن نسبة تأثر قطاع الصناعة بلغت حوالي 80%، بينما تضررت الزراعة بنسبة تقارب 90%، بسبب صعوبة وصول المزارعين إلى أراضيهم نتيجة القيود المفروضة.

وأشار حميدة إلى أن القطاع الزراعي، الذي كان يشهد نشاطاً ملحوظاً في مثل هذه الفترة من العام ببيع المحاصيل في ظل وجود حركة نشطة في مدينة بيت لحم، بات يواجه خسائر اقتصادية بفعل غياب الوافدين، وعدم قدرته على الوصول إلى الأراضي الزراعية جرّاء القيود الإسرائيلية.

وأكد أن غياب السياحة لا يقتصر على الحجيج من الخارج، بل يشمل أيضاً الزوار من الضفة الغربية نتيجة الإغلاقات المشددة والحواجز التي فرضها جيش الاحتلال في محيط المدينة، ما أدى إلى انقطاع تدفق العملات الصعبة (مثل الدولار واليورو)، التي كانت تدخل من السياح الوافدين الأجانب والحجّاج وتشكل جزءاً أساسياً من دورة الاقتصاد المحلي.

كما تراجعت القدرة الشرائية في بيت لحم بشكل كبير، وفق حميدة، موضحاً أن "المحلّات التي تبيع أضواء الزينة للأعياد، ومتاجر بيع التحف والهدايا تأثرت جميعها سلباً بنسبة تزيد على 60%، بينما تأثرت محلات الملابس بنسبة 30% وفي المجمل فإن تأثير الأزمة على اقتصاد المدينة يُقدر بحوالي 80% على مختلف القطاعات".

وأكد حميدة أن بيت لحم التي تُعد أكبر مدينة سياحية في الضفة الغربية، لا يمكن أن تستعيد نشاطها السياحي ما دامت الحرب في غزة مستمرة، مشيراً إلى أن جزءاً كبيراً من السياح الأجانب الذين كانوا يزورون المدينة كانوا يبيتون في فنادق إسرائيلية ويأتون في زيارات للمدينة، ولكن هذا الشكل من الزيارات السياحية فُقِد، كما أن انتعاش السياحة والاقتصاد في المدينة بحاجة إلى وقت طويل للتعافي الكامل.

ولفت إلى أن أزمة اقتصاد بيت لحم مركّبة، حيث تعتمد على قطاع سياحي يمرّ بحالة كساد، وعلى قطاع زراعي محاصر بسبب البوابات الإسرائيلية التي تحيط المدينة، وعلى عمل الفلسطينيين في الداخل الذين تعطلوا تماماً منذ بداية الحرب على غزة وعددهم قرابة 40 ألف عامل.

المساهمون