الدولار يترك الغذاء مكدساً في الموانئ ويهدد بأزمة جوع عالمية

16 أكتوبر 2022
مصر تعاني من تكدس القمح في الموانئ (getty)
+ الخط -

يتدافع مستوردو المواد الغذائية من أفريقيا إلى آسيا للحصول على الدولارات لدفع فواتير الجمارك والنقل، حيث أدى ارتفاع قيمة العملة الأميركية إلى ارتفاع الأسعار في البلدان التي تواجه بالفعل أزمة غذائية كبرى. ففي غانا، يحذر المستوردون من النقص في المواد الغذائية في الأسابيع التي تسبق عيد الميلاد. وحسب بلومبيرغ، تراكمت آلاف الحاويات المحملة بالأغذية في موانئ باكستان، في حين رفع الخبازون الخاصون في مصر أسعار الخبز بعد نفاد القمح في بعض مطاحن الدقيق وتقطعت بهم السبل بسبب ما يواجهه المستوردون من أزمات في منافذ الجمارك.

وتكافح البلدان التي تعتمد على الواردات الغذائية في أنحاء العالم من تداعيات أسعار الفائدة المرتفعة وقوة الدولار وارتفاع أسعار السلع الأساسية، مما يؤدي إلى تآكل قدرتها على دفع ثمن السلع التي يتم تسعيرها بالدولار. كما أدى تضاؤل احتياطيات العملات الأجنبية في كثير من الحالات إلى تقليل الوصول إلى الدولار وبطء البنوك في صرف المدفوعات وتسديد فواتير الاستيراد.

في هذا الصدد، قال رئيس التجارة العالمية في شركة كارغي الأميركية العملاقة المتخصصة في تجارة المحاصيل، أليكس سانفيليو، "لا يمكن لهذه الدول تحمل تكاليف هذه السلع، ولا يستطيعون دفع أثمانها ... وهذا يحدث في العديد من الدول". ويرى سانفيليو أن مشكلة النقص في الدولارات ليست جديدة بالنسبة للعديد من البلدان ولا تقتصر على السلع الزراعية ولكنها تطاول القوة الشرائية وتضع ضغوطًا أوسع على أنظمة الغذاء العالمية... وتفاقمت في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.

وفي ذات الشأن، حذر صندوق النقد الدولي من كارثة غذائية لا تقل خطورة عن الكارثة الغذائية التي ضربت العالم في العام 2007 -08. واضطرت أزمة النقص في الغذاء وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، إلى المطالبة بتقديم المزيد من المساعدات الغذائية للفئات الأكثر ضعفاً، في حين قال برنامج الغذاء العالمي إن العالم يواجه أكبر نقص في الغذاء وأكبر أزمة في التاريخ الحديث.

ويعاني العديد من المستوردين من ارتفاع التكاليف وتقلص رأس المال وصعوبة الحصول على الدولارات لضمان تحرير شحناتهم من الجمارك في الوقت المحدد. وهذا يعني أن الشحنات تتعطل في الموانئ أو قد يتم تحويلها إلى وجهات أخرى. من جانبه قال المستشار المتخصص في أفريقيا وأسواق السلع، تيد جورج، لبلومبيرغ: "كان هناك دائماً ضغوط على إكمال إجراءات هذه المدفوعات، لكن في الوقت الحالي يبدو أن الضغط لا يطاق".

وفي مصر، أحد أكبر مستوردي القمح في العالم، أصاب النقص في شحنات القمح المتاحة مطاحن القطاع الخاص التي توفر دقيق الخبز غير المدعوم". وحسب بلومبيرغ نفد القمح من حوالي 80% من المطاحن في مصر وتوقفت عن العمل حيث لا يزال حوالي 700000 طن من الحبوب عالقة في موانئ البلاد منذ بداية الشهر الماضي، وذلك وفقًا لغرفة تجارة الحبوب في القاهرة.

وقالت وزارة التموين المصرية يوم الأربعاء الماضي، إنها ستوفر القمح والدقيق لمطاحن القطاع الخاص ومصانع المكرونة. من جانبه قال سانفيليو من شركة كارغيل الأميركية، إنه يتوقع أن يتقلص تدفق شحنات القمح للأسواق العالمية بنسبة تصل إلى 6% في الأشهر المقبلة، مع انخفاض تدفقات الذرة وفول الصويا بنسبة تصل إلى 3.0%، حيث تكافح البلدان النامية لدفع ثمن الغذاء وعلف الحيوانات.

وفي بنغلادش، قد تضطر مجموعة ميغهنا الصناعية التجارية العملاقة إلى خفض كمية القمح التي كانت تخطط لاستيرادها قبل اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا. وذلك بسبب القفزة في أسعار القمح بنسبة لا تقل عن 20% في تكاليف الاستيراد بعد ارتفاع سعر صرف الدولار، حسبما قال مسؤول المشتريات بالمجموعة البنغلادشية، تسليم شهريار. وقال شهريار "تقلبات العملة تتسبب في خسائر فادحة للشركة ... لم نر هذا من قبل".

وفي غانا، حيث خسرت العملة الغانية "السيدي" حوالي 44% من قيمتها مقابل الدولار، مما يجعلها ثاني أسوأ العملات أداءً في العالم. وقال السكرتير التنفيذي لجمعية المستوردين والمصدرين في غانا التي تضم مشتري الحبوب والطحين والأرز، سامسون أساكي أوينجوبيت: "نعتقد أنه سيكون هناك نقص في بعض المواد الغذائية". "الدولار يبتلع عملتنا "السيدي" ونحن في وضع ميؤوس منه".

ومقارنة بأزمة البلدان النامية، فإن دول منطقة اليورو تستفيد من قوة عملتها كما تستفيد الدول المصدرة للطاقة من الإيرادات التي تجنيها بالدولار. ورغم الآمال في إغاثة المستهلكين بعد تراجع أسعار القمح والسلع الغذائية الأخرى خلال الشهور الستة الماضية، فإن ارتفاع الدولار المتواصل يهدد بتقويض ما حدث من تراجع في أسعار المواد الغذائية.
كما تتزايد المخاوف من جديد بشأن استمرار صادرات الحبوب الأوكرانية من منطقة البحر الأسود مع تصاعد الحرب في أوكرانيا. وهناك تساؤلات حول مستقبل صفقة شحن الحبوب من الموانئ الأوكرانية التي تم التوصل إليها بوساطة تركية وإشراف من الأمم المتحدة. ويضاف إلى هذه المخاوف على مستقبل الغذاء العالمي الصدمات المناخية التي ضربت العالم في الأشهر الأخيرة، كما أن المخزونات المنخفضة والارتفاع الشديد في الأسمدة وأسعار الطاقة تزيد من تكاليف إنتاج الغذاء.

وقال صندوق النقد الدولي في توقعاته العالمية هذا الأسبوع مع استمرار بنك الاحتياط الفيدرالي في تشديد السياسة النقدية، إن قوة الدولار مقابل عملات الأسواق الناشئة والنامية ستزيد من ضغوط التضخم والديون على العديد من البلدان.

المساهمون