الدولار يرتفع أمام الجنيه المصري في السوق الموازية وسط أجواء ضبابية وسياسات حكومة مأزومة
يشهد الجنيه المصري مزيداً من الهبوط بالأسواق المحلية، مدفوعاً بضغوط نفسية، وندرة العملة الصعبة في البنوك المحلية وتراجع قيمة الأسهم والسندات المصرية في الأسواق الدولية، مع تضخم فواتير مستحقة على الخزانة العامة، مستحقة الدفع خلال أيام، لم تستطع الحكومة تدبير أقساطها، ووجود حالة ضبابية في إدارة اقتصاد دولة مأزومة مالياً، منذ سنوات.
أدى تراجع الجنيه إلى ارتفاع جديد في أسعار السلع الرئيسية، التي تسير في اتجاه معاكس لحالة ركود سائدة بالأسواق والشركات غير المنتجة للنفط.
ارتفع سعر الدولار مقابل الجنيه في العقود الآجلة إلى نحو 45.9 جنيهاً، وبلغ 43 جنيهاً في سوق الذهب، و40.6 للبيع و39.9 للشراء في السوق السوداء، بينما يستقر للشهر الثاني على التوالي عند 30.95 جنيهاً في السوق الرسمية.
أدى ارتفاع قيمة تداول شهادات البنك التجاري الدولي خلال الأسبوع الحالي، في بورصة لندن عند حدود 1.15 إلى 1.20 دولار، مع بلوغه ما بين 52.10 إلى 53 عند التداول في البورصة المصرية، إلى موازاة قيمته في السعر المتداول عالمياً، عند 45.9 جنيهاً للدولار.
اعتبر محللون أن تراجع سعر شهادات إيداع البنك التجاري الدولي مؤشر قوي على توجه الجنيه المصري نحو المزيد من الانخفاض خلال المرحلة المقبلة، إذ يندفع المتعاملون بعوامل نفسية لتحديد السعر الآجل على التعاملات بالجنيه، مقابل الدولار، عند مستوى سعر شهادات البنك التجاري، الذي يشكل كتلة كبيرة في حجم التعاملات اليومية في البورصة والتعاملات الدولية.
يأمل محللون أن تتمكن الحكومة من الحصول على عوائد سريعة من بيع عدد من الشركات وزيادة حصة القطاع الخاص في شركات أخرى خلال الأيام المقبلة، لإزالة المخاوف حول عدم قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها المالية قبل الشركاء الأجانب، رغم تشاؤم الخبراء من استمرار هذه المخاوف وتصاعدها خلال عامي 2025 و2026.
أدت المخاوف إلى تراجع تصنيف مصر الائتماني من بي موجب إلى سالب، بينما تحاول الحكومة الوصول إلى فرص جديدة للحصول على قروض وتمويل من الخارج، يمكنها المرور من ثقب ضيق لنهاية نفق أزمة مالية طاحنة.
ضغوط مالية
يتوقع الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب أن تقفز الضغوط المالية التي تواجهها الحكومة، والنفسية الواقعة على طالبي وحائزي الدولار، بسعر الدولار إلى ما بين 40 – 45 جنيهاً خلال المرحلة المقبلة، إذا ما رغبت الحكومة في توحيد سعر الصرف ومرونته داخل القنوات الرسمية.
وأكد أن الحكومة في حاجة ماسة لاتخاذ إجراءات حاسمة لإنقاذ الجنيه، من مزيد من التدهور المستمر، تزيل عدم الثقة التي زرعتها في نفوس المتعاملين بالنقد الأجنبي، وأيضاً بعثة صندوق النقد الدولي التي تقوم بمراجعة البرنامج الذي تعهدت الحكومة بتنفيذه في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وقال عبد المطلب لـ العربي الجديد" إن الحكومة لديها أحد المسارين اللذين يجب أن تسير فيهما بطريقة متوازية، لإنقاذ الجنيه من التدهور المستمر، إما أن تتخذ إجراءات فورية لاستخدام جزء من الاحتياطي النقدي المتاح بحدود 10 مليارات دولار، لسداد أقساط وفوائد الديون المقررة على الدولة، خلال الفترة القصيرة، وتمويل الواردات والإفراج عن البضائع المكدسة بالموانئ بما يحدث انتعاشاً اقتصادياً، يخفض الضغط على الجنيه.
أما المسار الثاني، المكمل للأول، بحسب المصدر نفسه، فيرتبط بأن تعمل الحكومة على تحرير سعر الصرف وإزالة عدم الثقة التي دفعت صندوق النقد الدولي إلى تأجيل منح الحكومة القروض المقررة وفقاً لاتفاق ديسمبر 2022، لضمان الحصول عليها قبل تحرير سعر الصرف، مقابل التزام الحكومة بتنفيذ حقيقي لإصلاح الهيكل الاقتصادي بالدولة، بطرح الشركات العامة في البورصة، ووقف تمويل المشروعات الواقعة خارج الموازنة العامة للدولة، من خلال قروض بضمان وزارة المالية، التي تدفع إلى زيادة الدين الخارجي، بمعدلات هائلة سنوياً.
أرجأ صندوق النقد الدولي مراجعته لبرنامج إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار، انتظاراً لحصوله على مزيد من الأدلة أن الحكومة ماضية في برنامج الإصلاح الاقتصادي والالتزام بمرونة سعر الصرف وتخارج شركات الجيش من إدارة اقتصاد الدولة.
ارتفاع أسعار السلع
ويدفع شح الدولار إلى موجة جديدة من غلاء السلع الأساسية شملت الألبان والدواجن واللحوم والقهوة والشاي، رغم تراجع الطلب من المستهلكين، واستمرار الشركات غير المنتجة للنفط في مرحلة الركود، للشهر الثلاثين على التوالي، وفقاً لمؤشر مديري المشتريات للقطاع الخاص غير النفطي لمؤسسة "ستاندرد آند بورز غلوبال".
وتسحق أزمة السيولة قدرة الحكومة على مواجهة مستحقات واجبة السداد خلال أيام تبلغ نحو 2.29 مليار دولار، لم يتوافر سوى 8% من قيمتها لدى البنك المركزي حتى نهاية مايو الماضي.
دفع شح العملة الصعبة ثلاثاً من أكبر وكالات التصنيف الائتماني الرئيسية في العالم إلى تخفيض النظرة المستقبلية لقدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المالية.
وتبلغ قيمة الفواتير المستحقة، خلال الفترة من يوليو/ تموز إلى ديسمبر/ كانون الأول 2023 للديون قصيرة الأجل نحو 3.86 مليارات دولار، و11.38 مليار دولار من الديون طويلة الأجل، وفقاً لبيانات البنك المركزي.
وتأمل الحكومة أن تحصل على مساعدة صندوق النقد الدولي لحث الدول الخليجية على تأجيل سداد بعض مستحقاتها، المقررة خلال الفترة المقبلة، من الأقساط المستحقة لودائع بالاحتياطي النقدي تبلغ 28 مليار دولار، واجبة السداد بالكامل حتى عام 2026.
كما تحاول الحكومة جذب مستثمري الأموال الساخنة، بالأسواق الناشئة، بتقديم سعر فائدة تصل إلى 8.88% على السندات المستحقة عام 2047، وبلغ العائد المستحق على السند في مايو 2024، 91.5 سنتاً، بنسبة 15.5%، في بورصة لندن.
ويأمل محللون أن تتمكن الحكومة من تخطي أزمة سداد الديون مستحقة لحملة السندات الأجنبية بقيمة 1.6 مليار، بنهاية العام الجاري، و22.2 مليار دولار خلال عام 2024، مع تشاؤمهم من عدم قدرتها على تدبير الديون المجدولة ابتداء من عام 2025، بقيمة 15.1 مليار دولار، و16.8 مليار دولار عام 2026، عدا قيمة المدفوعات المقررة لصندوق النقد، وحاملي السندات الأجنبية، التي تبلع 4.5 مليارات دولار.
شهد الاحتياطي النقدي ارتفاعاً محدوداً نهاية مايو الماضي، بمعدل مائة مليون دولار على مدار 8 أشهر، ليبلغ 34.66 مليار دولار، بعد تراجع بنحو 20%، العام الماضي، وفقاً لبيانات البنك المركزي، التي تشير إلى قفزات هائلة في القروض بالدولار، إلى 162.9 مليار دولار نهاية ديسمبر 2022.
وخفّض البنك الدولي منذ يومين توقعاته للمرة الثانية، منذ يناير الماضي، لنمو الاقتصاد المصري للعام المالي 2023-2024، بنسبة 0.8%، ليصل إلى 4%، بدلاً من 4.8% و4.1٪، على التوالي.
وأشار إلى تأثر الاقتصاد بارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة وشح العملة الأجنبية، وتعطل الواردات. تعتمد التوقعات على توقف الحكومة عن تمويل مشروعات جديدة للبنية الأساسية لا تحقق عوائد مالية سريعة وتعتمد على مزيد من القروض الخارجية في تمويلها.
يشير الخبراء إلى أن تعهد الحكومة بتوقف التمويل من الموازنة العامة يشهد التفافاً على تعهداتها الدولية والبرلمان، بسماحها لهيئات عامة وإقامة الجهات السيادية والأمنية شركات مساهمة للحصول على قروض وإقامة مشروعات للطرق والقطارات والكهرباء، دون رصدها في الحسابات الختامية للموازنة العامة.
ومن هذه المشروعات العاصمة الإدارية التي بلغت قيمتها 56 مليار دولار، ومحطة الطاقة النووية التي تمولها روسيا بنحو 32 مليار دولار، بالإضافة إلى أقساط الصفقات العسكرية التي جعلت مصر تحتل المرتبة الثالثة في استيراد الأسلحة على مستوى العالم خلال الفترة من 2015-2019، وفقاً لمعهد استكهولم الدولي للأبحاث.