الحفرة التي وقع فيها الاقتصاد البريطاني

03 سبتمبر 2019
تظاهرات ضد الخروج من الاتحاد الأوروبي (فرانس برس)
+ الخط -

المصائب لا تؤتى فرادى كما يقولون، والأخبار الصادرة من بريطانيا هذه الأيام تؤكد أن الاقتصاد البريطاني على موعد مع أيام بالغة الصعوبة، وأن فاتورة اتفاق مغادرة المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي والمعروف اختصارا "بريكست" ستكون أفدح مما تخيله كثيرون، بمن فيهم المصوتون لصالح الخروج في استفتاء شهر يونيو 2016، فقد بدأت شركات ومؤسسات مالية كبرى نقل أصولها من بريطانيا، مع الاستغناء عن بعض موظفيها.

وعلى مدى 3 سنوات، غادرت مئات المليارات من الدولارات حي لندن المالي الأشهر في أوروبا، وقدرت مؤسسات مالية عالمية حجم الأصول التي تم تحويلها من لندن إلى عواصم أوروبية بنحو 10% من إجمالي أصول البنوك البريطانية، أي ما يوازي تريليون دولار.

وفي شهر مارس الماضي، نقلت أكثر من 275 شركة بعض أنشطتها وموظفيها وأصولها ومقراتها الرئيسية من المملكة المتحدة إلى دول بالاتحاد الأوروبي منها ألمانيا وفرنسا ولوكسمبورغ، ومن بين الأصول التي تم نقلها نحو 800 مليار جنيه إسترليني من البنوك، و65 مليارا من مديري صناديق الاستثمار، و65 مليار جنيه أخرى من شركات التأمين.
وفي وقت لاحق، نقلت شركات أخرى 61 مليار جنيه إسترليني (نحو 75 مليار دولار) من لندن إلى مراكز مالية منافسة في دول منطقة اليورو، لتشككها في إمكانية التوصل إلى صفقة بين بريطانيا وبروكسل بشأن الخروج وفشل حكومة تيريزا ماي في إحراز أي تقدم في هذا الملف.

لكن الخسائر التي تكبدتها بريطانيا طوال السنوات الثلاث الماضية قد تكون أقل من الخسائر التي ستتكبدها في الفترة المقبلة، خاصة إذا ما حدث خروج بلا اتفاق نهاية الشهر المقبل كما يريد رئيس الوزراء، بوريس جونسون، الذي هدد قبل يومين بالدعوة إلى إجراء انتخابات عامة مبكرة، بدلاً من القبول بمطلب برلماني محتمل لتأجيل آخر لموعد الخروج إلى شهر يناير المقبل.

ومع اقتراب موعد الخروج المقرر له يوم 31 أكتوبر، يشهد المزيد من الصناعات والقطاعات في بريطانيا أضراراً بالغة وتخارج أموال ضخمة، فقد انكمش نشاط التصنيع خلال شهر أغسطس بأسرع وتيرة في سبع سنوات، مع تزايد الغموض بشأن اتفاق البريكست، ومخاوف حول احتمال حدوث ركود اقتصادي سواء في بريطانيا أو في منطقة اليورو.

وبدأ القلق يصيب صناعة التأمين الحساسة في البلاد خاصة مع إدارة حكومة جونسون الملف. كما تراجع سعر الجنيه الإسترليني، ليتداول دون مستوى 1.20 دولار للمرة الأولى منذ أوائل 2017، قبيل يوم حاسم في البرلمان البريطاني.
حكومة جونسون تسابق الزمن لوضع نهاية للملف الشائك، فلم يتبق سوى أقل من شهرين على موعد الخروج، والجميع يحذر من خروج بلا صفقة، فأكبر مصرف أميركي هو سيتي غروب يؤكد أن الخروج دون اتفاق قد يؤدي إلى تراجع عائدات السندات البريطانية إلى الصفر أو أقل من ذلك، وهو ما يعني هروب المستثمرين الأجانب من أدوات الدين الحكومية.

تعقد ملف بريكست ستكون له تداعيات كارثية ليس فقط على الاقتصاد البريطاني، بل وعلى الاقتصاد الأوروبي الذي راح كبار مسؤوليه يبحثون اليوم الثلاثاء تأسيس صندوق طوارئ لمواجهة الكوارث في الاتحاد الأوروبي، وربما يمتد الأثر إلى الاقتصاد العالمي الذي يعاني أصلا من مشاكل بسبب الحرب التجارية الشرسة بين الصين والولايات المتحدة.

هذه الصورة السوداوية عبّر عنها بنك إنكلترا المركزي الذي رأى أن الاقتصاد البريطاني سيتقلص بنسبة 8% خلال عام، وأن أسعار العقارات ستفقد 33% من قيمتها في حال الخروج بلا صفقة.

بل إن محافظ البنك المركزي، مارك كارني، حذر قبل أيام من أن بريكست بدون اتفاق كما هو مقرر سيسبب صدمة فورية للاقتصاد البريطاني. بل وتحدث عن انهيار الإسترليني الذي سيتسبب، كما قال، في ارتفاع أسعار السلع المستوردة مثل الوقود والمواد الغذائية فجأة، وزيادة معدلات التضخم.
في ظني أن الناخب البريطاني لو عرف حجم المأزق الاقتصادي والمالي، وقبله السياسي، الذي سيتسببه تصويته لصالح خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي لتأنى في التصويت، وفكر مائة مرة قبل أن يقول: "نعم" للبريكست.
المساهمون