الحروب والمخاطر الجيوسياسية تحدد أسعار النفط في 2024

28 ديسمبر 2023
أسعار الوقود تتجه للهدوء في العام الجديد (Getty)
+ الخط -

يبدو أن المخاطر الجيوسياسية من تطور الحروب الجارية في العالم، بين روسيا وأوكرانيا، والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة واضطرابات الشرق الأوسط، ستكون العامل الحاسم في تحديد أسعار النفط في العام الجديد، وليس معادلة العرض والطلب العالمي كما جرت العادة في السنوات الماضية، إذ لا يزال العالم يواجه مجموعة من الأزمات الاقتصادية والمالية التي تعوق نمو الطلب على الخامات البترولية، خاصة في الصين التي باتت أكبر مستورد للنفط في العالم.

ويراقب وسطاء الصفقات النفطية بحذر منذ عملية "طوفان الأقصى" وما تلاها من تداعيات الحرب الشرسة على قطاع غزة لمعرفة تأثيرها على إمدادات النفط، وعما إذا كانت ستتوسع في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأحمر، حيث تتواصل هجمات الحوثي على السفن التجارية والناقلات النفطية التي تمر عبر باب المندب المهم للتجارة العالمية، وعلى رأسها شحنات النفط التي تعبر إلى آسيا.
كما أن هناك مخاوف من احتمال تأثر الحاويات النفطية التي تمر عبر مضيق هرمز في حال توسع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وإن كان دخول إيران الحرب مستبعدا حتى الآن، وفق مراقبين.
وتمر عبر مضيق هرمز نحو 17.3 مليون برميل نفط يومياً إلى دول آسيا، وعلى رأسها الصين والهند واليابان.
كما يراقب خبراء النفط كذلك تطورات الحرب الأوكرانية في البحر الأسود وتأثيرها على الشحنات البترولية الروسية المصدرة إلى آسيا.
ومعروف أن النفط سلعة حساسة للصراع الجيوسياسي وتتأثر أسعارها بالنزاعات العسكرية والمخاطر الأمنية أكثر من تأثرها بالعرض والطلب في الوقت الراهن الذي يعاني فيه الاقتصاد العالمي من ضعف النمو وزيادة إنتاج دول مهمة مثل الولايات المتحدة والبرازيل، كما يوجد فائض في العرض من الخام الأسود مقارنة بالطلب، حسب بيانات وكالة الطاقة الدولية.

وحسب وكالة بلومبيرغ، حقق النفط حتى الآن أكبر مكاسبه في أكثر من أسبوع، بفعل تصاعد التوترات في البحر الأحمر، مع وقوع هجوم جديد على الشحن في البحر الأحمر، مما دفع السفن إلى تجنب طريق الشحن الرئيسي.
وتم تداول خام برنت القياسي العالمي أمس الأربعاء، بالقرب من 81 دولارا للبرميل، بعد ارتفاعه بنسبة 2.5% يوم الثلاثاء ليغلق عند أعلى مستوى منذ نوفمبر/تشرين الثاني، مع تجاوز سعر خام غرب تكساس الأميركي 75 دولارا للبرميل، كما ذكرت بيانات بلومبيرغ صباح الأربعاء.
وكانت السفينة MSC United VIII البترولية قد تعرضت لهجوم بينما كانت في طريقها إلى باكستان من البحر الأحمر، على الرغم من قيام الولايات المتحدة وعدد من الدول الأخرى بتشكيل قوة عمل بحرية لحماية السفن التجارية في البحر الأحمر.
وتشير بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، إلى أن إجمالي شحنات النفط عبر البحر الأحمر تقدر بنحو 12% من إجمالي النفط المتداول بحرًا في النصف الأول من عام 2023، كما شكلت شحنات الغاز الطبيعي المسال حوالي 8% من تجارة الغاز الطبيعي المسال العالمية.
وحتى الآن لم تؤد هجمات الحوثي إلى ارتفاع كبير في أسواق الطاقة العالمية، حيث قالت الخبيرة في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، كارين يونغ: "إن علاوة المخاطر في أسواق النفط لم تكن مرتفعة كما كان البعض يتوقع".
من جانبه، تساءل فيكتور كاتونا، المحلل في شركة بيانات السلع الأساسية، كيبلر Kepler الأميركية التي تراقب مسار الشحنات النفطية العالمية، "أين هو الذعر وتقلبات الأسعار الجامحة؟".
وقال كاتونا: "أعتقد أن السوق تقلل بشكل كبير من تأثير تعطل باب المندب". تبدو السوق غير قلقة حتى الآن من الاضطرابات في البحر الأحمر.
ولكن على الرغم من هذا الهدوء في أسعار النفط، لا يزال الهجوم الأخير الذي شنه المسلحون الحوثيون المتمركزون في اليمن، إلى جانب الضربات الأميركية على أهداف في العراق، بمثابة علامات أخرى على أن الحرب بين إسرائيل وحماس ربما تهدد بالتوسع إلى صراع أوسع يمكن أن يزعزع استقرار الشرق الأوسط.
 

في هذا الصدد، قالت كبيرة محللي السوق في شركة الوساطة المالية "فيليب نوفا بي تي إي"، بريانكا ساشديفا: "الصراع المستمر في البحر الأحمر يدفع أسعار النفط إلى الارتفاع، على الرغم من الطلب الضعيف على الخامات البترولية". وهناك مخاوف واسعة النطاق بشأن تخمة المعروض في العام المقبل على الرغم من القيود الجديدة على الإمدادات من منظمة البلدان المصدرة للبترول وحلفائها. وهذا العامل قد يكون مطمئناً لأسواق النفط ويقف حائلاً دون حدوث ارتفاع كبير في الأسعار العام المقبل.
وفي الوقت نفسه، تعززت الفروق الزمنية في الجلسات الأخيرة، حيث بلغت الفجوة بين أقرب عقدين لبرنت 20 سنتا للبرميل مقارنة بـ4 سنتات قبل أسبوع. ومن المرجح أيضًا أن تشهد الجلسات بين عيد الميلاد ورأس السنة الجديدة أحجامًا أقل، مع غياب العديد من المتداولين، حسب بلومبيرغ.
وكان مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا في نيويورك قد أشار في دراسة نفطية، إلى أن من العوامل التي ستدفع أسعار النفط للتراجع في العام المقبل 2024، أن العالم بات يستخدم كمية أقل من النفط مقارنة بما كان عليه الحال في السابق.
وقال المركز إن العالم كان يستخدم في السابق أقل قليلاً من برميل واحد من النفط لإنتاج ما قيمته ألف دولار من الناتج المحلي الإجمالي. وبحلول عام 2019، بات يستخدم 0.43 برميل فقط، أي بانخفاض قدره 56%.
وحسب التحليل، يعود ذلك إلى بدائل الطاقة المتجددة التي توسعت استخداماتها خلال الأعوام الأخيرة، في توليد الطاقة. كما أن الارتفاع الكبير في إنتاج الخامات الصخرية الأميركية التي بلغت أكثر من 13 مليون برميل يومياً، أدى إلى تقليل أهمية الشرق الأوسط في الإمدادات العالمية.
وكانت دراسة سابقة لجامعة كولومبيا قد قدرت أن تصل أسعار النفط إلى 150 دولاراً في حال توسع الصراع. في هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي ومهناد ديساي، الذي كتب لمركز أبحاث OMFIF، إنه يمكن أن يتصور صراعًا إقليميًا أوسع يتورط فيه لبنان ومصر وسورية، بالإضافة إلى دول عربية أخرى. وفي هذه الظروف، قال اللورد ديساي إن سعر النفط قد يقترب من 150 دولاراً للبرميل.
ونهاية أكتوبر الماضي، حذر البنك الدولي من أن أسعار النفط قد ترتفع إلى أكثر من 150 دولارا للبرميل إذا تصاعد الصراع في الشرق الأوسط. ومن الممكن أن تؤدي الحرب طويلة الأمد في المنطقة إلى ارتفاعات كبيرة في أسعار الطاقة والأغذية، بعد عام واحد فقط من ارتفاع الأسعار بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.

المساهمون