الحرب على غزة تجمّد مشروع الممر الهندي الأوروبي

23 يناير 2024
لا تقتصر أضرار العدوان على غزة والاحتلال بل على المصالح الكبرى أيضا (سعيد خطيب/ فرانس برس)
+ الخط -

يهدف مشروع الممر الهندي الأوروبي الذي تقوده الولايات المتحدة إلى ربط الهند وأوروبا عبر السكك الحديدية العربية الجديدة، ووصفه بايدن بأنه سيغير قواعد اللعبة، لكنه لن يؤدي إلى أي شيء في الوقت الحالي بسبب تداعيات الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة.

فالمشروع البعيد المدى لتوجيه التجارة بين أوروبا وآسيا عبر الشرق الأوسط أصبح معرضاً لخطر التعطيل حتى قبل أن يبدأ عملياً.

فقد أوقفت الحرب التقدم في ما يعرف بالممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وهو مشروع روّجت له واشنطن وحلفاؤها الرئيسيون العام الماضي والذي يتصور بناء خطوط سكك حديدية جديدة عبر شبه الجزيرة العربية.

ومع تعطيل هجمات الحوثيين سفن الشحن في البحر الأحمر وانتشار الاضطرابات في جميع أنحاء المنطقة، فإن المشروع المسمى اختصاراً IMEC أصبح في حالة تجميد فعلياً، بحسب شبكة "بلومبيرغ" الأميركية.

وتشكل الحرب المستعرة انتكاسة لاستراتيجية الولايات المتحدة، باعتبار أن المشروع يخدم أغراضا متعددة لمواجهة برنامج البنية التحتية للحزام والطريق الصيني، وبناء النفوذ في ما يسمى "الجنوب العالمي"، وتسريع التقارب بين السعودية والاحتلال الإسرائيلي.

في هذا الصدد، قالت المبعوثة الخاصة السابقة للاتحاد الأوروبي للاتصالات، رومانا فلاهوتين، وهي الآن زميلة متميزة في صندوق مارشال الألماني، إن "هذا المشروع جعل إيران والصين وروسيا وحتى تركيا متوترة. وربما يكون هذا أفضل دليل على أهميته الاستراتيجية".

وردا على سؤال حول الجدول الزمني للمشروع، قال شخص مطلع على الخطط المرتبطة بالمشروع لـ"بلومبيرغ" إن اندلاع الحرب في الشرق الأوسط قد صرف الانتباه بعيدا من المناقشات المرتبطة بمشروع الممر الهندي الأوروبي.

تغيير قواعد اللعبة؟

وفي إطار التنافس مع الصين على النفوذ العالمي، كافحت الولايات المتحدة وأوروبا لكسب الدعم في العالم النامي. فقد ظلت العديد من الدول الناشئة على الحياد في مواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا، وأيدت الإنهاء الفوري لحرب إسرائيل على غزة، ورفضت اتباع الخط الأميركي في الحالتين.

ولتعزيز نفوذها، تنخرط بلدان مجموعة السبع في ما أطلق عليه البعض معركة العروض ـالتي تطرح احتمال إقامة مشاريع بنية أساسية ملموسة، بدلا من مناشدة القيم المشتركة.

وكان الممر الهندي الأوروبي واحدا من أكثر المشاريع طموحا. وقد تم ترسيخه في قمة مجموعة العشرين في سبتمبر/أيلول 2023، في مصافحة ثلاثية بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

وقد فاجأ هذا الإعلان الكثيرين. وكان محور المشروع هو طريق السكك الحديدية الجديد الذي سيرتبط بشبكات النقل البحري والشاحنات الحالية، ووصفه بايدن بأنه "استثمار إقليمي يغير قواعد اللعبة".

ورأى المحللون أيضا أن المشروع خطوة نحو الجائزة الحقيقية للإدارة: اتفاق بين السعودية ودولة الاحتلال.

وفي "دافوس" الأسبوع الماضي، قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إن النهج الأميركي كان "العمل نحو التوصل إلى صفقة شاملة تتضمن التطبيع بين إسرائيل والدول العربية الرئيسية"، إضافة إلى "أفق سياسي" للفلسطينيين. وقال: "كان هذا هو هدفنا قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي".

وعد على الورق

كل هذه الفوضى وضعت حدا مفاجئا لمشروع الممر الذي يبلغ طوله 3 آلاف ميل عبر البلدان التي أصبحت الآن في حالة تأهب قصوى نتيجة وقوعها في الحرب أو بالقرب من دائرتها. فالغضب الشعبي العربي إزاء حصيلة الشهداء المدنيين في غزة يعني أن حكومات الدول المشاركة في برنامج الهجرة الدولية، مثل الإمارات، يجب أن تتعامل بحذر. وتستبعد السعودية أي اتفاق مع تل أبيب ما لم يكن هناك طريق واضح لقيام دولة فلسطينية.

وربما كان مشروع الممر يتناسب تماما مع الخطاب الجيوسياسي الأميركي، لكنه قد يتعثر حتى في غياب عمليات حربية في الشرق الأوسط.

وقال كريغ سينغلتون، وهو زميل بارز في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" (مؤسسة بحثية في واشنطن): "في حين أن الممر يبدو واعدا بالتأكيد على الورق، إلا أن الديناميكيات الإقليمية المعقدة ستشكل دائما تحديات في التنفيذ".

ومن بين الموقعين على اتفاق سبتمبر/أيلول الماضي، ثمة دافع واضح لاستئناف الاتفاق إذا هدأت التوترات الإقليمية.

وفي السياق، قال مدير التقنيات الاستراتيجية وبرنامج الأمن السيبراني في "معهد الشرق الأوسط في واشنطن" محمد سليمان إن "المنطق الاستراتيجي لا يزال ثابتا، بل أقوى. وتظل الدول المشاركة ملتزمة بشدة بهذه الرؤية".

وقد أشار بايدن إلى المشروع "التاريخي" في عدة مناسبات منذ قمة مجموعة العشرين، بما في ذلك الاستشهاد به كوسيلة لمواجهة مبادرة الحزام والطريق. وقال الرئيس في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض في أكتوبر الماضي: "سوف نتنافس على ذلك. نحن نفعل ذلك بطريقة مختلفة".

فرصة هائلة؟

ويستعد بايدن لانتخابات نوفمبر/تشرين الثاني التي من المرجح أن تكون بمثابة مباراة العودة في مواجهة دونالد ترامب. ومع التزام الحزبين الأميركيين باتخاذ موقف متشدد ضد الصين، تسعى إدارة بايدن إلى الفصل بين سياستها الخارجية، بما في ذلك من خلال التأكيد على استعدادها للعمل مع الحلفاء في مشاريع متعددة الأطراف.

ويعترف مهندسو مشروع الممر بأن هناك حاجة ملحة لمثل هذه الجهود في الوقت الحالي، وسط التحولات السريعة في النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية.

وردا على سؤال حول تلك التغييرات في دافوس، أشار سوليفان إلى أهمية "إعطاء صوت أكبر للدول التي لم يكن لديها هذا الصوت بعد عام 1945، لكنها تستحقه اليوم".

وقال فلاهوتين، صانع السياسة السابق في الاتحاد الأوروبي، إنه مع سعي رأس المال الغربي الآن إلى إيجاد بدائل للصين للاستثمار، فإن "البلدان الواقعة في ما يسمى بالجنوب العالمي، وخاصة الهند، لديها فرصة هائلة".

ومع ذلك، في بعض النواحي، تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها اللحاق بركب الصين، التي أطلقت مبادرة الحزام والطريق قبل أكثر من عقد من الزمن.

وانتهى سينغلتون إلى القول: "تكافح واشنطن بجدية لمواجهة الرؤية الاقتصادية الكبرى للصين. ويُعد انهيار الممر الهندي الأوروبي بمثابة تذكير صارخ بأن الخطط الإستراتيجية الكبرى غالبا ما تتعثر في مواجهة الحقائق الجيوسياسية القاسية".

المساهمون