الجفاف يعمق أزمات الاقتصاد التونسي

03 ابريل 2023
أزمة الجفاف تهدد ما تبقي من مقدرات اقتصادية رئيسية في تونس (فرانس برس)
+ الخط -

لا تأتي الأزمات فرادى، ففي الوقت الذي يعاني فيه الشعب التونسي العديد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المستعصية والتي يتضاءل الأمل في وجود حلول لها مع مرور الوقت، قفزت أزمة الجفاف على الساحة التونسية لتهدد ما تبقي من مقدرات اقتصادية رئيسية طالما اعتمد عليها التونسيون في معاشهم.

ومنذ انفراد قيس سعيد بالسلطة في 25 يوليو/ تموز 2021 وتجاهله المستمر للاحتجاجات المعبرة عن الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، وعلى الرغم من إجراء الدور الأول من الانتخابات التشريعية وانتظار استكمال الدور الثاني، الا أن الأوضاع الاقتصادية تزداد تدهورا لا سيما في ظل اتساع الفجوة بين مسار سعيد الذي لا يقف كثيرا عند التحديات الاقتصادية وبين معارضيه الذين يعولون على الشارع من أجل إيقاف هذا المسار وإيجاد حلول تشاركية لتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي من خلال حوار وطني شامل يحاول أن ينقذ ما يمكن إنقاذه.

وبرزت أزمة الجفاف ونقص المياه في الأشهر الأخيرة لتمثل عامل ضغط جديدا يشكل حلقة جديدة من حلقات الضغط علي المواطن التونسي الذي يعاني تصاعد معدلات التضخم وارتفاع معدل البطالة، بالإضافة إلى غياب تام للرؤية الاقتصادية للدولة واتجاهها نحو تقديم حلول مناسبة لتلك الأوضاع، علاوة علي فشل ملف التفاوض مع صندوق النقد الدولي.

مظاهر أزمة الجفاف وآثارها

منذ سبعة أعوام تعاني تونس نقصاً مستمرا في كميات مياه الأمطار المتساقطة على البلاد، وجفافا مستمرا للعام الثالث علي التوالي، وهو الأمر الذي دفع مسؤولي وزارة الفلاحة التونسية إلى التصريح بأن "الوضع خطير للغاية بسبب سنوات الجفاف المستمرة، وحتى الآن يبلغ منسوب السدود في تونس 25% من سعتها، بينما وصل في بعضها إلى 10%، وفقط 660 مليون متر مكعب هي كميات المياه في 37 سدا بالبلاد".

ومنذ سبتمبر/ أيلول، سقطت 110 ملايين متر مكعب فقط من الأمطار في تونس، أي حوالي خمس المعدل الطبيعي، إذ إن المعدل الاعتيادي لا يقل عن 520 مليون متر مكعب، ويعد العام الماضي الأكثر عطشاً بالنسبة لتونس، وتجلّت مشكلة شح المياه في كل البيوت دون استثناء.

ويمثل نقص المياه وتتالي مواسم الجفاف أبرز التحديات التي تواجه القطاع الزراعي الذي يستأثر وحده بنحو 80% من الموارد المائية، ويساهم بحوالي 14% من إجمالي الناتج المحلي، وفى ظل غياب استراتيجيات للتحول نحو زراعات أقل استهلاكاً للمياه أو التعويل على بذور أكثر قدرة على تحمّل الجفاف، أصبحت أوضاع المزارعين مأساوية خاصة أن ما يعرف بصندوق الجوائح الذي يعد آلية التعويض الوحيدة للمزارعين، لا يملك الإمكانات الكافية لتغطية كافة الخسائر المترتبة عن الجائحة.

كما أن الجفاف يهدد بفقدان البلاد السيطرة على أمنها الغذائي وتصاعد الحاجة إلى توريد الحبوب وتفكك منظومات زراعية أساسية ومنها اللحوم والألبان وتربية المواشي، وفي العامين الأخيرين وبسبب الجفاف وندرة الأعشاب وغلاء الأعلاف، اضطر كثير من المزارعين للتخلي عن آلاف الأبقار، مما خلف تراجعا كبيرا في إنتاج الحليب الذي اختفى من رفوف أغلب المتاجر، وكل هذه تشكل مظاهر منطقية للمزيد من الاختلالات في الميزانين الغذائي والتجاري، خاصة مع اتجاه السلطات لمنح الأولوية لمياه الشرب عبر الحد من الحصص المائية الموجهة للقطاع الزراعي، وهي الاجراءات التي أدت إلى المزيد من الاشتعال في معدل التضخم.

أزمة حادة ودين متفاقم

تشهد تونس أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات تفشي جائحة كورونا، وارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية إثر الأزمة الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى الأزمة السياسية الداخلية، ولعل أبرز ما يوضح عمق الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد التونسي هو توقع وزارة الاقتصاد والتخطيط أن معدل النمو الاقتصادي لن يتعدى 1.8% فقط، وهو الأمر الذي دفع البنك المركزي للإقرار بالأثر السلبى للجفاف على النمو الاقتصادي للعام الحالي، متوقّعاً أن يظل النمو في مستويات ضعيفة، وأن النشاط الاقتصادي لا يزال رهن انتعاشة الطلب الخارجي، وكذلك مجموعة من العوامل الداخلية المتعلقة على وجه الخصوص بوضعية المالية العمومية وتسارع التضخم واستمرار الأزمة المائية.

وارتفع معدل التضخم في تونس إلى 10.2% في يناير/ كانون الثاني الماضي على أساس سنوي، صعودا من 10.1% في ديسمبر/كانون الأول السابق له، وكان محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي قد توقع أن يرتفع التضخم في عام 2023 إلى 11% صعودا من 8.3% في نهاية 2022.

كما بيّن تقرير حديث نشرته وزارة المالية على موقعها الرسمي أن الدين الخارجي صعد خلال عام 2022 إلى مستوى 66.2 مليار دينار، ما يشكل 60% من مجموع الدين العام، مقابل قروض داخلية بقيمة 43.9 مليارات دينار، كما خفضت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني درجة تونس إلى Caa2 مع آفاق سلبية، وعللت ذلك بضعف الحوكمة والمخاطر الاجتماعية الكبيرة.

وعلي الرغم من تراجع نسبة البطالة من 18.4% في عام 2021 إلى 15.3% للعام الماضي فإن هذه المعدلات مرشحة للارتفاع الكبير بعد استمرار أزمة الجفاف وتأثيراته السلبية على القطاعين الزراعي والصناعي، وهو الأمر الذي يفاقم من حدة الأزمات التي يعانيها الشعب التونسي.

كما أن الأزمة التونسية تزداد حدة بتعثر المفاوضات مع صندوق النقد بشأن القرض، الذي كانت السلطات التونسية تعول عليه كثيرا في الخروج من أزمتها الراهنة، وهو التعثر الذي دفع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للتحذير الأسبوع الماضي من توجه الاقتصاد التونسي نحو المجهول، جاء ذلك في أعقاب تحذير المسؤول عن السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي من أن تونس تسير نحو انهيار ينذر بتدفق المهاجرين للاتحاد الأوروبي، مستبعدا مساعدتها إذا لم توقع اتفاقا مع الصندوق النقد.

مظاهر متعددة لأزمة الاقتصاد التونسي زادتها أزمة الجفاف حدة وعمقاً، وتقف الحكومة مكتوفة الأيدي أمام توالى الأزمات، وتعلق كل أحلامها علي قرض الصندوق، في ظل غياب رؤى اصلاح حقيقي تساهم في ترميم الأمل المفقود لدى المواطنين، وإعادة بعض من المستوي المعيشي المهدر خلال الأعوام السابقة، وهو الأمر الذي يدفع إلى القول بأن الحلول في تونس تبدأ وتنتهي في الداخل، ولن تعدو الحلول الخارجية سوى كونها مسكنات مؤقتة لأزمات تتفاقم.

المساهمون