يسعى العراق إلى مواجهة أزمة شحّ المياه، من خلال وقف الهدر الناتج من استخدام آليات الري الزراعي القديمة المعتمدة منذ آلاف السنين، وتحديداً الري بالأنهر الفرعية والجداول والبزول، والتوجه نحو اعتماد المرشّات الحديثة التي باتت السلطات العراقية تحث على اعتمادها، إلا أن أمام السير في هذا التوجه الكثير من العقبات.
وخلال العامين الماضيين، تحدثت وزارات الزراعة والموارد المائية والتجارة عن أهمية اعتماد منظومات الري الحديثة وتعميم تجربتها في عموم مناطق البلاد، التي يقول مسؤولون إنها ستساعد في منع إهدار كميات ضخمة من المياه التي تذهب للسقي في المواسم الزراعية، وقد أقرت لأكثر من مرة الخطط المشتركة لذلك، إلا أنها لم تتقدم على أرض الواقع، بل أجبرت على تخفيض المساحة المقررة للزراعة في الموسم الشتوي بسبب قلة الموارد المائية.
ويعاني القطاع الزراعي في العراق من أزمات مركبة تتمثل في الجفاف وضعف الخطط والتجاوزات على الحصص المائية، ناهيك عن عدم معالجة إشكالية الاستيراد المفتوح للبضائع والمنتجات الغذائية من الخارج، ما يؤدي إلى كساد في السوق الزراعية بالبلاد.
وقال المتحدث باسم وزارة الزراعة العراقية محمد الخزاعي، إن "المرشات الحديثة الخاصة بتغذية المساحات المزروعة من أهم الابتكارات التي تخدم الوضع العراقي من ناحية السقي والري، خصوصاً مع الشح في الموارد المائية الذي تعاني منه البلاد أصلاً، بالتالي فإننا ندعم هذه التوجهات رغم أننا لسنا جهة تجارية لاستيرادها"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "الوضع الزراعي في العراق بحالة جيدة حالياً، ونحن أمام نتائج مبهرة فيما يتعلق بالإنتاج الزراعي من الحنطة، ومنتجات أخرى".
وأضاف الخزاعي، أن "هناك حاجة ملحة لتغيير ثقافة التعامل مع المياه الخاصة للري، ومراعاة قلة الأمطار وقلة الموارد المائية من دول الجوار، التي أدت إلى تغييرات زراعية وبيئية وزيادة مساحات التصحر وتضرر الثروة السمكية، بالتالي فإن اعتماد الأساليب الحديثة للري بات ضرورة حتمية لاستمرار الزراعة في العراق"، مشدداً على أن "الوزارة أصدرت عدة توصيات بإلزام جميع المزارعين باستخدام تقنيات الري الحديثة، للحفاظ على الثروة والإنتاج الزراعي".
من جهته، بيَّن وكيل وزارة البيئة العراقية جاسم الفلاحي، أن "العراق بحاجة إلى تعامل جديد مع ملفات الزراعة والبيئة وفقاً للمتغيرات التي تحدث في العالم، والعراق يمثل واحدة من أكثر خمس دول تأثراً بالمشاكل البيئية والتغيرات المناخية، بالتالي فإن التقنيات الحديثة بات من الواجب استخدامها على كافة الأصعدة بما في ذلك، طرق الرش والسقي الحديثة لمنع هدر المياه، لا سيما وأن مناطق زراعية لا تزال تعتمد أساليب للري تعود إلى عصور قديمة".
وأكمل الفلاحي في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "وزارة البيئة تدعم قرارات الحكومة بشأن تمكين المزارعين من الحصول على المرشات الحديثة، إضافة إلى أنها تأمل في مزيدٍ من الدعم الدولي للعراق للانتقال من الري البدائي المعمول به حاليا إلى وسائل الري الحديثة"، موضحاً أن "الخزين المائي والوضع البيئي والتعامل مع الملف المناخي سيتحسن في حال وصلنا إلى مرحلة التطور في اعتماد الأساليب الحديثة".
بدوره، أشار الخبير في مجال البيئة عادل المختار، إلى أن "استخدام الأساليب الزراعية الحديثة من رشاشات مياه ومنظومات التنقيط وكذلك استخدام البذور المحسنة والمهجنة أثبتا نجاحها في العراق، وخصوصاً في محافظتي صلاح الدين والأنبار شمال وغربي البلاد، وكذلك في محافظة كربلاء جنوبي بغداد، ما يعني أن هناك إمكانية لنجاح التجربة في عموم محافظات البلاد بما في ذلك مناطق إقليم كردستان، لدعم الفلاحين وزيادة معدلات إنتاجهم من جهة، والحفاظ على المياه الداخلية من جهة ثانية".
وتابع في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "هناك أنواعا من المرشات منها الاعتيادية التي يتم توقيت مواعيد الرش فيها ضمن مساحات محددة، وهي تغطي كل المساحة، وهناك مرشات ذكية جداً، يمكن أيضاً استيرادها، وهي توفر المياه وقت حاجة الأرض إليها، عبر مجسات يتم دفنها على مسافة علمية في الأرض"، معتبراً أن "العراق بدأ يفكر باستحداث طرق جديدة للري من سبعينات القرن الماضي، لكن زادت حاجته إليها، عقب الحصار الغربي على العراق في العام 1991 وما أعقبه من نقص حاد في توفر المواد الغذائية وفي مقدمتها محاصيل الحبوب".
ووفقاً لتقرير سابق للأمم المتحدة حول الأمن المائي في المنطقة العربية، 17 دولة في العالم العربي من أصل 22 تتواجد حالياً على خط الفقر المائي، من بينها 12 دولة ترزح بالفعل تحت خط الفقر المائي المدقع من بينها العراق، لكن العراق حقق خلال عامي 2019 و2020 الاكتفاء الذاتي بأكثر من 10 محاصيل زراعية، ثم تراجعت مساحات الزراعة بفعل انحسار المياه، ما أدى إلى رفع الحظر عن استيراد تلك المواد مرة أخرى وبدء تدفقها من إيران وتركيا على وجه التحديد.