الجزائر تسعى للخروج من نفق تهاوي الدينار والاحتياطي

25 سبتمبر 2020
تهاوي العملة المحلية يقفز بأسعار السلع الأساسية (فاضل سينا/فرانس برس)
+ الخط -

أنهى الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، مسلسل شغور منصب محافظ المصرف المركزي، الذي دام لأكثر من 8 أشهرٍ، بعد تعيين محافظ جديد، في وقت تعيش فيه البلاد أزمة سيولة حادة، بالإضافة إلى تواصل انهيار قيمة الدينار وتبخر احتياطي الصرف بوتيرة أسرع حتى من توقعات الحكومة. 

وأصدر الرئيس الجزائري قراراً بتعيين رستم فاضلي، على رأس المؤسسة المالية الأولى في الجزائر، خلافا لـ"أيمن عبد الرحمان" الذي عُين في شهر يناير/كانون الثاني 2020، كوزير للمالية في أول حكومة للرئيس المنتخب في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019. ويحظى رستم فاضلي بإجماع داخل البنك المركزي الجزائري وحتى خارجه، بالنظر لتجربته الطويلة داخل بنك الجزائر، وتدرجه في المسؤولية داخله لأكثر من 3 عقود، بالإضافة لامتلاكه لنظرة "نقدية ومالية" إصلاحية، يمكنها أن تصحح الأوضاع النقدية للجزائر.

وحسب أحد المصادر داخل المركزي الجزائري لـ "العربي الجديد"، فإن "فاضلي يعد منتجا خالصا لبنك الجزائر، حيث قضى أغلب حياته المهنية خاصة في الفروع الحساسة داخله، وتخرج فاضلي الذي دخل عقده السادس من العمر، من المدرسة الجزائرية للإدارة تخصص مالية ونقد". وأضاف المصدر أن "محافظ بنك الجزائر الجديد قضى 30 سنة في فرع العلاقات المالية الدولية، المكلفة بتسيير احتياطي الصرف الجزائري والمسؤولة أيضا عن تحديد قيمة العملة أمام العملات الأجنبية، بالإضافة لتسيير علاقة الجزائر مع المؤسسات المالية الدولية". 

ويأتي تعيين فاضلي على رأس المصرف المركزي في وقت تعيش فيه البلاد أزمة مالية مركبة، فبالإضافة لأزمة تهاوي عائدات النفط لأكثر من الثلث، دخلت البلاد منذ تفشي وباء "كوفيد 19" في أزمة نقص سيولة لم تستطع الحكومة كبحها، رغم اتخاذها لعدة إجراءات احترازية، وفتح تحقيقات حكومية في مسببات الأزمة، إلا أن الوضع لا يزال قائماً وينذر بتواصله لشهور قادمة.

وحسب وزير المالية الأسبق، رئيس جمعية البنوك سابقا، عبد الرحمن بن خالفة، لـ "العربي الجديد"، فإن "محافظ بنك الجزائر الجديد تنتظره ملفات ذات طابع استعجالي، في مقدمتها أزمة نقص السيولة التي أصحبت جلية بتواصل طوابير الانتظار أمام مراكز البريد وبعض البنوك. وإذا كان تخفيض احتياطي البنوك من الأموال من 6 بالمائة إلى 3 بالمائة حلا مسكنا في الفترة الماضية، إلا أن الكتلة النقدية التي ستضخها البنوك لن تغطي العجز النقدي، وبالتالي نحن أمام وضع مؤقتٍ، يتطلب حلولاً جذرية للمشكل، ويجب على المحافظ أن يضع له ورقة طريق دقيقة لإنهاء الأزمة بشكل جذري".

وتعاني بنوك الجزائر من أزمة سيولة شديدة، رغم التدخلات العديدة للبنك المركزي، لإنقاذها من فخ شح الموارد الذي دفعها إلى الامتصاص من الاحتياطات الإجبارية، حيث هوى حجم السيولة المتداولة في السوق البنكية إلى ما تحت عتبة 8 مليارات دولار، ما رفع حجم العجز من 49 بالمائة شهر مارس/آذار الماضي، إلى 55 بالمائة نهاية مايو/أيار الماضي، علما أنها كانت عند 20 بالمائة مطلع سنة 2019.

ولمواجهة الأزمة، شدّد البنك المركزي الجزائري، في شهر يونيو/ حزيران الماضي، القيود على عمليات منح القروض من طرف المصارف والمؤسسات المالية، بتخفيض نسبة منح القروض الاستثمارية والقروض البنكية العقارية لأكبر درجة ممكنة.

وأكد بن خالفة أن "أكبر الورشات الإصلاحية التي تنتظر محافظ بنك الجزائر هي تعديل قانون القرض والنقد الذي يعود إلى 4 عقود، لإصلاح النظام النقدي في الجزائر، خاصة المتعلق بصرف الدينار أمام العملات الأجنبية، والذي يتميز بكونه "إداريا" أكثر منه تجاريا، ما أضر بالعملة وحتى بالمستثمرين الذي يخسرون أحيانا أموالا كبيرة بسبب تدخلات المصرف المركزي المفاجئة في سعر الصرف".

وتتزامن الأزمات المتراكمة التي تواجه محافظ بنك الجزائر الجديد مع عودة الدينار للتهاوي، منهيا قرابة 24 شهرا من شبه الاستقرار، حيث سجّل سعر العملة الأوروبية، اليورو، في البنك المركزي الجزائري، ارتفاعاً غير مسبوق أمام الدينار، إلى نحو 153 ديناراً لليورو الواحد للشراء، في تعاملات الأسبوع الحالي، كما ارتفع الجنيه الإسترليني أمام الدينار، وفقاً لآخر تحديثات "المركزي"، ليبلغ 163.2 ديناراً للشراء، أما الدولار فاستقرّ سعره عند 129 ديناراً للشراء. 

وكان الدينار قد تراجع في مطلع يونيو/ حزيران المنصرم إلى أدنى مستوى له أمام العملات الأجنبية، منذ بداية تفشي جائحة كورونا، إذ سجّل سعر الدولار في البنك المركزي الجزائري 129.482 ديناراً للشراء، كما ارتفع سعر صرف العملة الأوروبية الموحّدة (اليورو) أمام الدينار إلى 142.88 ديناراً للشراء، أما الجنيه الإسترليني فاستقر عند 159.28 ديناراً للشراء.

وقبلها، خسرت العملة الجزائرية أكثر من 4 دنانير أمام الدولار، مطلع إبريل/ نيسان المنصرم، مع بداية الأزمة الصحية، إذ بلغ سعر الصرف 127.02 ديناراً للدولار الواحد، بعدما كان عند 123 ديناراً، مطلع مارس/ آذار، كما قفز اليورو من 135 ديناراً خلال مارس/ آذار الماضي إلى 137 ديناراً في إبريل/ نيسان الماضي. 

وأكد الخبير الاقتصادي، فارس مسدور، أن "تزامن أزمتي السيولة والدينار، أثر بشكل مباشر على المواطن كونه الحلقة المهمة في السلسلة الاقتصادية، حيث عادت المخاوف في الجزائر من ارتفاع أسعار السلع والخدمات لتتقدم المشهد الاقتصادي، بعد تسجيل الدينار أرقاما تاريخية متدنية أمام الدولار واليورو، ما ينذر بمزيد من الغلاء، ويهدد الخطط الحكومية الرامية إلى إلغاء الدعم تدريجياً".

ووفق مسدور فإن تداعيات انخفاض قيمة الدينار لا تقتصر على الفقراء، وإنما على الطبقة المتوسطة أيضاً، ما يهدد بتعجيل انهيار القدرة الشرائية أكثر في السنة الحالية، بسبب تواصل عملية التعويم وتمسك الحكومة بسياسة تقليص فاتورة الواردات من خلال خفض قيمة الدينار، كما أن نقص السيولة سيدفع نحو تراجع الإنفاق والاستهلاك، ما سيؤثر على العملية الإنتاجية طبعا.

وتابع الخبير في حديثه مع "العربي الجديد" أن "الأزمة المركبة التي يعيشها الدينار بنقص سيولته وقيمته في نفس الوقت، تهدد عدة قطاعات اقتصادية بالشلل التام، خاصة الإنتاجية المعتمدة على استيراد المواد الأولية من الخارج، حيث سيجد المتعاملون صعوبة في تحصيل الأموال من البنوك، سواء عبر القروض أو بسحب أموالهم، يضاف إلى ذلك ارتفاع فاتورة واردات المواد الأولية، وللأسف كل هذا يتزامن مع عودة الاقتصاد الجزائري للحركة بعد جمود لعدة أشهرٍ فرضته جائحة كورنا".

وتراجع احتياطي النقد الأجنبي بنحو 15.6 مليار دولار في أقل من سنة ونصف السنة، حيث استقر بحلول أغسطس/آب الماضي عند 57 مليار دولار، بينما بلغ بنهاية إبريل/نيسان 2019 حوالي 72.6 مليار دولار، في حين سجل نهاية 2018 نحو 79.88 مليارا، وفي نهاية العام السابق عليه 97.33 مليار دولار. وتتوقع الحكومة تراجع الاحتياطي إلى 51.6 مليار دولار بنهاية العام الجاري، وإلى ما دون 40 مليار دولار بنهاية العام المقبل.

المساهمون