دخلت سوق السيارات المستعملة في الجزائر مرحلة غير مسبوقة، بعد أن سجلت الأسعار ارتفاعاً حاداً أرجعه تجار إلى مواصلة الحكومة تجميد استيراد المركبات الجديدة والمستعملة على حد سواء.
في سوق مدينة "الأربعاء" للسيارات المستعملة في الضاحية الجنوبية للعاصمة الجزائر، خيمت حالة من السخط على المواطنين، بسبب انفلات الأسعار إلى مستويات يصفونها بـ"الخيالية".
يتنقل عبد القادر بن براهمية، من سيارة إلى أخرى في السوق، عله يظفر بسيارة صينية أو هندية صغيرة مستعملة، لكن آماله اصطدمت "بقانون البائعين" ومنطق الأرقام، ما جعله يعلق لـ"العربي الجديد" قبل خروجه من السوق قائلا: " إما أنا مجنون، أم هم من أصابهم الجنون، لا يمكن أن يكون ما نعيشه حقيقة، سيارة كان ثمنها قبل سنة لا يتعدى 600 ألف دينار (5600 دولار)، بات سعرها اليوم مليون دينار (9700 دولار)، دون وجود أي سبب لهذه الزيادة".
يضيف بن براهمية: "لم نعد نفهم شيئا في هذا البلد، كل شيء زاد سعره، والكل أصبح يتفلسف ليبرر الزيادة، البائع يقول إنه منطق السوق، لا أفهم أي منطق كيف ارتفعت الأسعار، بين ليلة وضحاها.. على الدولة التدخل لضبط الأسواق بتحرير الاستيراد".
يغادر بن براهمية سوق السيارات ويعلو وجهه الغضب من الأرقام التي سمعها من البائعين، بينما واصلت "العربي الجديد" جولتها لتقابل الشاب أمين غبريني، الذي قدم إلى السوق بحثاً عن سيارة ألمانية أو فرنسية، بميزانية لا تتعدى مليوني دينار (19400 دولار)، لكن مستويات الأسعار أفقدته الأمل في الظفر بصفقة مربحة.
يقول أمين إن " ميزانيته كانت تكفي لشراء سيارة ألمانية أو فرنسية وحتى كورية جنوبية جرى استعمالها لسنة أو سنتين على الأكثر، لكن اليوم سيارة مستعملة ألمانية من نوع فولكس فاغن أو رينو على سبيل المثال يعود تصنيعها إلى 2014 أو 2015 باتت بأكثر من مليوني دينار، أما موديل 2019 أو 2020 فتصل إلى 4 ملايين دينار، في وقت لم يكن سعر الجديد منها في مصانع تجميع السيارات قبل 2020، مليوني ونصف المليون دينار".
يضيف: "ما نشهده اليوم من أسعار بمثابة كارثة، لا أدري، هل ما يحدث مضاربة من طرف سماسرة الأسواق المستعملة، أم أنه منطق العرض والطلب في ظل تجميد الاستيراد، لكن المحصلة الأكيدة أن المواطن وحده من يدفع الثمن، هناك سيارات يصل سعرها إلى 5 ملايين دينار، في وقت لا يتعدى سعرها في بلد إنتاجها مليون ونصف المليون دينار، لا ندري إلى أين تسير الجزائر، كل شيء فيها ارتفع سعره".
ولا تزال الحكومة تتخبط في تسيير ملف السيارات، بعد أكثر من عام ونصف العام على إغلاق مصانع تجميع السيارات بسبب الفساد الذي طاولها وأدى إلى سجن أصحابها، وبعد أكثر من 5 سنوات من منع استيراد السيارات الجديدة والمستعملة من طرف الوكلاء في القطاع الخاص.
وأجلت الحكومات المتعاقبة منذ بداية الحراك الشعبي وسقوط نظام الرئيس الراحل بوتفليقة عام 2019، طرح اشتراطات تنظيم نشاط استيراد وتجميع السيارات الجديدة، وكذلك اشتراطات استيراد السيارات المستعملة، ما زاد الضغط على سوق السيارات في الدولة.
ويبرر بائعو السيارات المستعملة أن السوق هو من يتحكم في الأسعار، فتراجع العرض وارتفاع الطلب، قفز بأسعار السيارات المستعملة خاصة الصغيرة منها ذات 5 مقاعد ومحركات أقل من 1.6 لتر، الآسيوية منها أو الأوروبية.
يقول عبد الهادي مزيان، بائع للسيارات المستعملة لـ"العربي الجديد" إن "الأسعار فعلا غير منطقية، لكنها نتيجة عدة عوامل منها تراجع العرض، في السابق كنا نشري من المصانع ونستورد من فرنسا بأسعار معقولة ونضمن هامش ربح معقول، أما اليوم وفي ظل تراجع العرض، بات الجميع يحدد سعراً لسياراته كما يشاء، ولا يمكنك الاعتراض إما أن تشتري أو تنصرف".
يضيف مزيان أن "الأسعار قفزت حتى 4 مرات بالنسبة للسيارات الأكثر طلباً كالمركبات الكورية الجنوبية من نوع كيا أو الصينية شيري، وبولو من فولكس فاغن، فعندما تحاول إيجاد تفسير لذلك لا تجد، للأسف، هذا هو منطق السوق".
في السياق، يصف محمد كواش، وهو بائع للسيارات المستعملة منذ أكثر من ثلاثة عقود ما يحدث بأنه "جنون ضرب الأسواق"، مؤكدا أن الأسعار غير منطقية، لم أرَ ما يحدث الآن في حياتي، ولم أعد أجد ما أشتريه لأعيد بيعه علني أضمن خبزة أولادي".
يقول كواش لـ"العربي الجديد" إن "التحجج بنقص العرض ومنع الاستيراد مقبول، لكن لا يبرر هذه القفزات الخيالية، وعلى الحكومة التدخل فالمواطن بات لا يجد ما يشتريه ليس في سوق السيارات فحسب، بل حتى في سوق الخضروات والمواد الغذائية، كل شيء تضاعف سعره".
وكانت الجزائر قد جمدت عمليات استيراد السيارات مطلع 2016، بعدما كانت تستورد 400 ألف سيارة جديدة سنوياً، وذلك بحجة دعم مصانع تجميع السيارات، لكن اتهامات بالفساد وإهدار المال العام طاولت مصانع التجميع المحلية بعد إطاحة نظام بوتفليقة.
كما تسعى الحكومة الحالية، إلى مواصلة سياسة "شد الحزام"، من خلال كبح الواردات وتجميد استيراد الآلاف من السلع والمنتجات، في مقدمتها السيارات.