عجز موسم الصيف الذي يشهد عودة الكثير من المغتربين الجزائريين إلى بلدهم لقضاء العطلة، عن إخراج السوق العقارية من الركود الذي يسيطر عليها، بفعل تراجع القدرات الشرائية للكثير من المواطنين في الداخل، بفعل الغلاء وإجراءات الإقراض المشددة من البنوك التي تتعامل بحذر في هذا الملف خشية التعرض لأزمة سيولة.
يقول كريم جملاوي، رئيس جمعية المرقين (المستثمرين) العقاريين إن "المبيعات لم تتحرك في هذا الصيف، رغم عودة المغتربين، الذين اعتادوا الاستثمار في العقارات".
ويضيف جملاوي في حديث مع "العربي الجديد" أن "هناك الكثير من المعروض، بينما جاء الطلب ضعيفاً طوال فصل الصيف".
ولا ينكر جملاوي مساهمة ارتفاع الأسعار في تراجع المبيعات، لكنه يشير كذلك إلى تغير النمط المعيشي في الدول الأوروبية في ظل غلاء المعيشة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، ما سبّب تقلّص مدخرات المغتربين، الذي تجسد في تراجع إنفاقهم خلال عطلة هذا الصيف مقارنة بالسنوات الماضية.
وتضررت سوق العقارات كذلك بسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطنين في الدولة، جراء تراجع قيمة العملة وارتفاع معدل التضخم، فضلاً عن تعقد آليات تمويل شراء المساكن، ولا سيما من قبل البنوك.
ويقول مواطنون إن إيجاد شقة في المحافظات الكبرى دون 11 مليون دينار (75 ألف دولار) أضحى مستحيلاً، فيما يبلغ متوسط سعر الفيلات نحو 25 مليون دينار (172 ألف دولار)، وذلك في وقت لا يتعدى فيه الأجر في البلاد 20 ألف دينار (137 دولاراً) شهرياً.
ويقول عبد القادر مروانة (مستثمر عقاري) إن "المغتربين كانوا يساهمون في إنعاش سوق العقارات خلال أشهر الصيف من كل عام، لكن إقبالهم على شراء العقارات تراجع هذه السنة، ما ساهم في هبوط الطلب في المدن الكبيرة".
ويشير خبراء في القطاع العقاري إلى أن شرائح من المغتربين تفضل استثمار أموالهم في شراء عقارات في إسبانيا والبرتغال وفرنسا عوض شراء عقارات في الجزائر بأسعار مرتفعة تفوق قيمتها السوقية.
وكانت الحكومة الجزائرية قد أطلقت مشاريع سكنية تحتوي على شقق مجهزة، موجهة إلى الجزائريين المقيمين بالخارج، بغرض جلب النقد الأجنبي للخزينة العمومية، إلا أن المغتربين عزفوا عن هذه المشاريع بحجة ارتفاع أسعارها، ووجود غموض في طرق الدفع، بالإضافة إلى طول مدة دراسة الملفات ونقل الملكية القانونية بعد الشراء.
ولم يكن شراء العقارات وحده المتأثر بارتفاع الأسعار، بل أيضاً إيجار الوحدات السكنية، ولا سيما في المدن الساحلية، ما دعا مغتربون إلى التعبير عن ضيقهم من مستويات الأسعار. فمنذ بداية فصل الصيف، سجلت إيجارات الشقق في المدن الساحلية ارتفاعاً ملحوظاً، وسط شكوى من عدم تناسب هذه الأسعار مع مستويات التجهيزات، خاصة أنها تقترب من أسعار الفنادق التي تعرضها وكالات السياحة في دول مجاورة.
يقول مواطنون إن إيجاد شقة في المحافظات الكبرى دون 11 مليون دينار (75 ألف دولار) أضحى مستحيلاً، فيما يبلغ متوسط سعر الفيلات نحو 25 مليون دينار (172 ألف دولار)
وليد خيدر، وهو أحد الجزائريين العاملين في فرنسا، الذي قضى عطلته في الجزائر، قال لـ"العربي الجديد" عند مغادرته البلاد إنه "استأجر شقة من غرفتين بـ 13 آلف دينار (89 دولاراً) لليلة الواحدة، وهو سعر يراه مبالغاً فيه، إلا أنه كان مضطراً إلى ذلك، في ظل غياب البديل من فنادق ومركبات سياحية"، مضيفاً أنه "وجد ذات الأسعار أو أقل منها بكثير في شقق فاخرة في تونس أو إسبانيا وإيطاليا".
وبحسب عبد الحكيم عويدات، عضو الفيدرالية الجزائرية للوكالات العقارية، فإن "أسعار الإيجارات في فصل الصيف تخضع لقانون العرض والطلب"، لكن هناك نقطة أخرى تتعلق بسلوك الجزائريين الذين يتركون حجز الشقق حتى وقت قريب من بداية عطلهم، وبالتالي لا يتمكنون من المفاضلة، سواء في ما يتعلق بالسعر أو التجهيزات التي تحتوي عليها الشقق المعروضة.
وأضاف عويدات، لـ"العربي الجديد"، أن "السماسرة يؤثرون بالأسعار، فهم لا يحترمون نسبة الربح التي حددها المُشرع الجزائري بـ10%. إنهم يضاربون ويُخضعون عمليات الإيجار في فصل الصيف لنظام من يدفع أكثر".