الجزائر: الغلاء ينحدر بالطبقة الوسطى نحو "الفقر"

17 مايو 2023
موجات ارتفاع أسعار متواصلة تضرب الأسواق الجزائرية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

يعيش نحو 23 مليون جزائري ينتمون للطبقة الوسطى أياماً قاسية، وسط موجات غلاء متواصل للسلع الضرورية والخدمات قد تدفعهم نحو الفقر في ظل سياسات حكومية تفتقد أي مساندة أو حماية لهم، حسب مراقبين.

"ليست غنية إلى درجة تسمح لها بالعيش دون خوف من الظروف الاقتصادية التي تمر بها الجزائر، ولا هي فقيرة إلى درجة تسمح لها بالاستفادة من المنح التي تخصصها الحكومة الجزائرية للفقراء"، ذاك هو التعريف الذي يضعه أستاذ الاقتصاد الاجتماعي في جامعة باجي مختار سعيد بربيش لـ "الطبقة الوسطى" في الجزائر التي تمثل 52 بالمائة من سكان البلاد المقدر عددهم بـ45 مليون نسمة، وهي الطبقة التي باتت تعيش حاضرا قاتما وتنتظر المستقبل بتشاؤم كبير.
تشهد الجزائر مع توالي الأزمات الاقتصادية والاجتماعية خلال السنوات الأخيرة، ظهور بوادر تآكل طبقتها الوسطى المشكلة من الموظفين والعمال، وهو ما اعتبره الخبراء مؤشرات وضوءا خطرا حول انحدار هذه الطبقة نحو "الفقر". 

ويعود ظهور الطبقة الوسطى في الجزائر في أحضان القطاع العام، وخاصة خلال مرحلة الرهان على التصنيـع السريع، حيث كانت الحاجة ماسة إلى مسيرين ومهندسين لترجمة المشروع قبل 50 سنة وإن لم تُحدد لها ضوابط تُمكن من تعريفها، إلا أن أستاذ الاقتصاد الاجتماعي في جامعة باجي مختار، سعيد بربيش، يقول إنه "يمكن تحديدها، حسب الدخل، والتي يمكن حصرها في الأشخاص الذين يتقاضون ما بين 200 و1600 دولار في الشهر".

وبعد أن عاشت الطبقة الوسطى في الجزائر سنوات "وردية" منذ 2010 إلى غاية 2014 تميزت برفع أجور عمال القطاع العمومي ورفع الراتب الوطني الأدنى المضمون، إلا أن هذه الشريحة من المجتمع أضحت تعيش حاضرا يتميز بتدهور قدرتها الشرائية جراء انهيار قيمة الدينار وارتفاع الأسعار، بسبب انفلات معدلات التضخم، وهو وضع قد يغير تركيبة المجتمع الجزائري إذا استمر الحال على هذا الحال.
وكان البنك الأفريقي للتنمية قد كشف في دراسة له أجراها سنة 2021 أن 27 بالمائة من الطبقة الوسطى في الجزائر أي ثلثها، بات مهددا بالفقر.
وفي السياق، يقول الخبير الاقتصادي، جمال نور الدين، إن "المخاوف بدأت تكثر وسط المجتمع الجزائر من زوال طبقة "الزوالية" أي الوسطى وتحول المجتمع إلى طبقتين "برجوازية" غنية تزداد غنى وتبحث عن جمع المال وأخرى فقيرة تزداد فقرا همها كسب قوت يومها".
وأضاف نور الدين أن "غلاء المعيشة وتدهور القدرة الشرائية بالنسبة للطبقة الوسطى عاملان يعجلان باتساع دائرة الفقر على حساب دائرة "ميسوري الحال".
مخاوف الخبراء من عدم صمود الطبقة الوسطى التي كانت في ماضٍ قريب "مفخرة الجزائر المستقلة" أمام الصدمة التي تعرض لها الاقتصاد الجزائري جراء انهيار مداخيل النفط، بالإضافة إلى مخلفات الجائحة الصحية، انتقلت إلى المواطنين الذين باتوا يترقبون انهيارا بات وشيكا لهذه الطبقة في ظل تأكيد التوقعات إلى تواصل ارتفاع مستويات التضخم، ولا وجود لبوادر انتعاش العملة وعودة بريقها.
يقول المواطن رضوان وهو ممرض إن "الزوالي" (نسبة لطبقة الزوالية أي الوسطى باللهجة الجزائرية) لن يكون لهم بقاء في الجزائر بعد عامين، متسائلا: كيف يمكن لمواطن يتقاضى 25 ألف دينار (158 دولارا) أن يعيش 30 يوما وكيس الحليب الواحد يبلغ 25 دينارا والخبز بـ 15 دينارا والخضر كلها فوق 70 دينارا للكيلوغرام الواحد، و2700 دينار لكيلوغرام لحم الغنم، و1800 للحم البقر، دون احتساب النقل والعلاج والكهرباء والماء؟ إذن كلنا فقراء ولسنا من الطبقة الوسطى".
وعلى نفس الطريق سارت المواطنة آسيا التي تشتغل في ورشة لصناعة القماش والتي أكدت لـ "العربي الجديد" أن "الزوالية" يزدادون فقرا كل سنة وسيصبحون في خبر "كان"، لأن الحكومة تريد ذلك فهي ترفع الأسعار دون رفع الرواتب وفي نفس الوقت تساعد الأغنياء بمنحهم إعفاءات بحجة دعم الاستثمار وتنويع الاقتصاد.

وإن كانت مخاوف المتتبعين للشأن الاقتصادي والمواطنين من زوال "الزوالية" في الجزائر، لأسباب خارجة عن طاقتها، إلا أن خبراء يرون أن هذه الطبقة واجهت عاملا أخر يؤثر على بقائها.
يقول الخبير الاقتصادي وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي سابقا، عبد القادر زواغي، أن "الطبقة الوسطى في الجزائر مبنية أساسا على أفراد يعيشون من الريع، لا يساهمون في خلق الثروة، عكس البلدان المتقدمة التي تعتمد في نموها على هذه الشريحة باعتبارها خلاّقة للثروة الدائمة فهي تنتج وتستهلك في نفس الوقت، بالإضافة إلى أنها أكثر الطبقات دفعا للضرائب من الاقتطاع المباشر من رواتبها "، حسب الخبير الجزائري.
وأضاف زواغي لـ"العربي الجديد" أن "الحكومة من جانبها لم تعر اهتماما لهذه الفئة حيث ركزت على الفقراء والأغنياء فقط وأهملت "الزوالية" طيلة السنوات الماضية، إلا أنه منذ وصول عبد المجيد تبون لسدة الحكم، لاحظنا محاولات للحفاظ عليها من خلال إلغاء الضريبة على الدخل على الرواتب الضعيفة بالإضافة لرفع الأجور مؤخرا، ولو بشكل بسيط".
يُذكر أن الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان كانت قد دقت ناقوس الخطر، إزاء ازدياد نسبة الفقر في الجزائر بشكل ملحوظ، حيث أكدت الرابطة أن "مظـاهر الفقر عرفت تحولا كبيرًا في الجزائر بحيث لم يعد الفقر يمس الفئات المحرومة فقط، بل طاول الفئات المتوسطة".
واعتبرت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان في تقرير لها أن "ربع الجزائريين يعيشون تحت خط الفقر الذي تتجلى مظاهره من خلال تدهور المستوى المعيشي وسوء الخدمات الصحية والبطالة وتزايد الراغبين في الهجرة بأي ثمن".

المساهمون