يعيش الميزان التجاري الجزائري انتعاشا لم يسجله منذ قرابة عقد من الزمن، وذلك بفعل ارتفاع عائدات النفط، وجني الحكومة للثمار المالية لكبح الواردات وتشديد الإجراءات الحمائية للإنتاج المحلي.
إلا أن المحللين والمتابعين للأسواق المحلية يرون أن الواقع ليس بالضرورة كما تظهره أرقام التجارة الخارجية، حيث تحملت جيوب الجزائريين الأعباء كاملة للإصلاحات الحكومية.
وحسب آخر أرقام للحكومة، سجل الميزان التجاري للبلد فائضا في النصف الأول من 2022 بـ5.689 مليارات دولار، مقابل 1.348 مليار دولار في نفس الفترة من سنة 2021.
وبلغت قيمة صادرات الجزائر خلال السداسي الأول من السنة الحالية، 25.922 مليار دولار، أي بزيادة قدرها 48.3 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2021.
وفي المقابل، بلغت واردات الجزائر في النصف الأول من السنة الحالية 20.223 مليار دولار، أي بزيادة قدرها 7.41 بالمائة، مقارنة بما قيمته 18.829 مليار دولار في الأشهر الستة الأولى من 2021.
وفي قراءة لمؤشرات التجارة الخارجية للجزائر، اعتبر المستشار الحكومي وعضو مجلس المحاسبة الجزائري عبد الرحمان مبتول أن "الفائض التجاري خلال هذه الفترة كان متوقعًا، بسبب الارتفاع الكبير في أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي، الناجم عن الوضع في أوكرانيا وأوروبا، ومن المنتظر أن تقوم شركة النفط "سوناطراك" ببساطة بمضاعفة حجم مبيعاتها المقومة بالدولار".
وفوجئ مبتول، في حديث مع "العربي الجديد" من "وصول الواردات إلى عتبة 20 مليار دولار، بينما توقع الخبراء حدوث انخفاض بفضل الإجراءات المختلفة التي اتخذتها الحكومة لكبح الواردات لتنظيم عمليات الشراء من الخارج، مثل طلب رخصة من الشركة الجزائرية لتطوير التجارة الخارجية قبل استيراد أي منتج، وتواصل تجميد استيراد السيارات والحديد والإسمنت، وبعض المنتجات الزراعية".
كما شدد المستشار الحكومي على أن "الصادرات غير النفطية لا تزال منخفضة جدًا من حيث القيمة المطلقة، بالرغم من تسجيلها لنمو متوسط، ما يؤكد أن نشاط التصدير، باستثناء النفط، لم ينجح في الإقلاع، فنادرًا ما يتعدى 3 مليارات دولار سنويًا".
وتوقعت الحكومة في موازنة سنة 2022 التكميلية، أن تصل عائدات البلاد النفطية إلى عتبة 50 مليار دولار نهاية السنة، مستفيدة من الطفرة التي تعيشها أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية، ما يعدل التوازنات المالية للدولة التي تسجل عجزا مركبا، مس الميزان التجاري والموازنة والخزينة العمومية.
وفي السياق، يرى الخبير الاقتصادي جمال نورالدين أنه "مع استمرار هذا الاتجاه التصاعدي لأسعار النقط، يمكننا القول إن نهاية السنة المالية 2022 ستعرف عودة الجزائر إلى الرصيد الإيجابي لميزان المدفوعات نفسه، وحتى احتياطيات النقد الأجنبي ستتحسن قليلا، ويتوقع أن ترتفع من 40 مليار دولار حاليا إلى ما فوق 50 مليار دولار نهاية السنة".
وأضاف نفس المتحدث لـ"العربي الجديد" أنه "مع ذلك، لا ينبغي لهذه المؤشرات المشجعة للتجارة الخارجية الجزائرية أن تخفي حقيقة أن الظروف تتغير ومن الضروري التكيف معها أو حتى توقعها، إذ يجب على الحكومة أن تظل "حذرة" لأن التوقعات الاقتصادية العالمية للفترة 2023-2024 لا تزال "قاتمة" إذ أن الركود العالمي مع ارتفاع التضخم من المترقب أن يتواصل.