التعليم في تونس يفقد مجانيته تحت وطأة الغلاء

17 سبتمبر 2023
الأسر تضطر للدروس الخصوصية لتدارك تراجع التعليم في المدارس (الأناضول)
+ الخط -

يتحوّل التعليم الحكومي في تونس إلى عملية مكلفة للأسر التي تتحمل قفزات أسعار المستلزمات، وزيادة الحاجة إلى الدروس الخصوصية، التي تنفق من أجلها الأسر أكثر من 1.4 مليار دينار (466.6 مليون دولار) سنوياً، ما يفقد التعليم مجانيته.

وأبرزت دراسة نشرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (مدني) في وقت سابق من سبتمبر/ أيلول الجاري عن حصول تغيرات كبيرة في منظومة التعليم الحكومي التي حوّلت مجانية الخدمة التعليمية التي أطلقتها تونس منذ الاستقلال إلى "وهم نتيجة الإرهاق المادي الذي تتحمله العائلات على امتداد السنة الدراسية".

ويقدر عدد التلاميذ في تونس في المرحلتين الابتدائية والثانوية بما يزيد عن 2.3 مليون تلميذ، يصل معدل إنفاق أسرهم سنوياً لتأمين الحد الأدنى لدراسة تلميذ واحد إلى أكثر من 1600 دينار (حوالي 533 دولاراً) في بلاد لا يتجاوز فيها الحد الأدنى للأجر 430 ديناراً.

وأشارت الدراسة التي جاءت بعنوان "إنفاق المجتمع على التعليم: بين وهم المجانية والإرهاق المادي للعائلات" إلى تراجع الإنفاق الحكومي على التعليم ما يدفع المواطنين إلى البحث عن بدائل مكلفة، من بينها اللجوء إلى التعليم الخاص، أو الدروس الخصوصية.

وتكشف الأرقام الواردة في الدراسة أن كلفة المستلزمات المدرسية الأساسية لتلميذ في أول سنة من التعليم الابتدائي تصل إلى 231 ديناراً، بينما ترتفع هذه الكلفة لتجهيز تلميذ في المرحلة النهائية من التعليم الثانوي إلى 366 ديناراً.

كما سجل البحث الميداني الذي استندت إليه الدراسة إلى تسجيل زيادة في أسعار الكراسات والدفاتر المدرسية تقدر بنحو 75% ما بين عامي 2021 و2023، بينما زادت أسعار باقي المستلزمات بنسبة 40%، وارتفع ثمن الكتب المدرسية خلال عام واحد بحوالي 14%.

ويؤكد رئيس منظمة إرشاد المستهلك لطفي الرياحي، أن هناك زيادة سنوية في كلفة تجهيز التلاميذ بالحد الأدنى من المستلزمات بنحو 20%، لافتاً إلى أن المنظمة دعت إلى ترشيد قائمات الكراسات ولوازم العودة المدرسية، من أجل تخفيف الإرهاق المالي الذي تصاب به الأسر في هذه الفترة.

ويضيف الرياحي لـ"العربي الجديد" أن التعليم في تونس فقد مجانيته واقعياً منذ سنوات تحت تأثير الغلاء والتضخم، وتراجع المستوى المعيشي لملايين الأسر التي انحدرت إلى دائرة الفقر.

وكشف أحدث مسح إحصائي حول الإنفاق والاستهلاك ومستوى عيش الأسر الصادر عن معهد الإحصاء الحكومي أن رقعة الفقر في تونس توسعت إلى 16.6% في 2021 مع انزلاق فئات من الطبقة المتوسطة تحت وطأة الغلاء المتزايد وتراجع الدخول، وذلك مقارنة بـ 15.2% عام 2015، فيما حافظت نسبة الفقر المدقع على استقرارها في حدود 2.9%.

وأشار المسح إلى أن متوسط الإنفاق السنوي للفرد تطور بنسبة 41.3% خلال الفترة ذاتها ليبلغ 5468 ديناراً عام 2021 مقابل 3871 ديناراً في 2015. وفي تلك الأثناء فقد الدينار التونسي أكثر من 52% من قيمته خلال الفترة الممتدة ما بين 2011 و2022، وفق بيانات للمرصد التونسي للاقتصاد.

ويقول المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، إن زيادة الإنفاق الأسري على الخدمات العامة، ومن بينها التعليم والصحة والنقل، تكشف الانهيار الحاصل في هذه الخدمات الحكومية، ما يدفع الأسر إلى البحث عن بدائل مكلفة، ومن بينها التعليم الخاص، أو الدروس الخصوصية.

ويضيف بن عمر في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الدراسة الصادرة عن المنتدى قيّمت الإنفاق الأسري على الدروس الخصوصية خلال العام الدراسي (10 أشهر) بأكثر من 1.4 مليار دولار تخرج من جيوب المواطنين، من أجل تعويض قصور في نظام التعليم، ناتج عن تخلي الدولة عن التوظيف، والاكتفاء باللجوء للشغل الهش، عبر التعويل على النواب لسد الشواغر في المؤسسات التربوية.

سياحة وسفر
التحديثات الحية

ويشير إلى أن الأسر تضطر إلى تدارك النقص في التأهيل بالمدارس الحكومية باللجوء المكثف إلى الدروس الخصوصية، وهو ما يزيد في حجم الإنفاق المادي الذي تتحمّله الأسرة لتعليم أبنائها، معتبراً أن مجانية التعليم في تونس تحوّلت إلى مجرد شعار تستعمله السلطات السياسية لإيهام المواطنين بمواصلة تحمّل مسؤولياتها الاجتماعية، والحفاظ على دورها في تقديم الخدمات الأساسية.

وتكشف البينات الواردة في دراسة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن مجموع الكلفة السنوية للدروس الخصوصية يبلغ 1468 ديناراً للتلميذ الواحد (490 دولاراً) بمعدل شهري للتلميذ في المرحلة الابتدائية 94 ديناراً.

ويرى بن عمر أن الإنفاق المتفاقم على التعليم يزيد من هشاشة الأسر التي تعاني بالأساس من ضعف المداخيل، خاصة بعد الجائحة الصحية، مؤكداً أن خدمة التعليم العام مهددة بالانهيار، بسبب الصعوبات المالية للدولة. وأمام تزايد رقعة الفقر في تونس وتحسباً لسقوط مزيد من التونسيين في الفقر المدقع، تحرك البنك الدولي لتقديم مساعدات في شكل قروض ميسرة لتونس، بقيمة إجمالية تبلغ 700 مليون دولار، ضمن برنامجه الاجتماعي الذي يهدف إلى مساعدات الأسر التونسية على تجاوز المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد، إثر تداعيات أزمة كورونا، والنزاع الروسي - الأوكراني.

المساهمون