التضخم ومخاوف الركود يدفعان البريطانيين للادخار على حساب الاستثمار

14 سبتمبر 2022
المستهلكون يتجهون إلى الادخار بدلاً من الإنفاق، ما يزيد من فرص الركود (Getty)
+ الخط -

انتعش الاقتصاد البريطاني بشكل متواضع في يوليو/تموز مع ارتفاع الناتج بنحو 0.2 في المائة في الشهر، وعقب انخفاض حاد بنسبة 0.6 في المائة في يونيو/حزيران. ما يعني أن الناتج المحلي الإجمالي، المقياس الرئيسي للناتج، بقي راكداً عند صفر في المائة في الأشهر الثلاثة حتى نهاية يوليو. 
ويحذّر خبراء من أن الاقتصاد لا يزال معرضًا لخطر الانزلاق إلى ركود "ضحل" حيث تضرب أزمة كلفة المعيشة للأسر والشركات.

في السياق، يقول جيك فيني، الاقتصادي في شركة "برايس ووتر هاوس كوبرز"، (PwC)، إن الاقتصاد البريطاني لا يزال على وشك الدخول في الركود في الربع الثالث على الرغم من النمو بنسبة 0.2 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي في يوليو، ويوضح  أنّه من الواضح أن معدل النمو الإيجابي هذا كان مدفوعًا بشكل أساسي بأداء قطاع الخدمات. 
بدوره، يقول صامويل تومبس، كبير الاقتصاديين في المملكة المتحدة، إنّ نمو قطاع الخدمات بنسبة 0.4 في المائة في يوليو بعد انخفاض بنسبة 0.5 في المائة في يونيو، كان المحرك الرئيسي لارتفاع الناتج المحلي الإجمالي، وإنّ نمو قطاعي المعلومات والاتصالات بنسبة 1.5 في المائة، كانا المساهمين الأكبرين في نمو الخدمات في يوليو.

وقد شهد قطاع الخدمات الموجهة للمستهلكين (الأنشطة الرياضية وأنشطة التسلية والترفيه) نموًا بنسبة 8.1%. مع ذلك، فإن معدل النمو القوي هذا قابله جزئيًا انخفاض بنسبة 4.5% في أنشطة الخدمات الشخصية الأخرى.
ويرجع ذلك جزئيًا إلى أزمة كلفة المعيشة التي بدأت تلقي بثقلها على طلب المستهلكين. فعلى الرغم من أرقام النمو الإيجابية هذه، يتوقع خبراء أن الاقتصاد البريطاني سينكمش في الربع الثالث من عام 2022، بعد انكماشه بنسبة 0.1% في الربع الثاني من عام 2022. 

وهذا يعني أن المملكة المتحدة تدخل في ركود تقني للمرة الأولى منذ انتهاء قيود الإغلاق. 
إلى ذلك، من المفترض أن يؤدي الإعلان الأسبوع الماضي عن ضمان/تجميد أسعار الطاقة، إلى تقليل مخاطر تعرض الاقتصاد لركود عميق، ولكن العام المقبل أو نحو ذلك سيمثل تحديًا كبيرًا للاقتصاد.

الخيار الأفضل بمواجهة التضخّم 

واحد من المكاسب القليلة لارتفاع التضخم هو أن العوائد على حسابات التوفير آخذة في الارتفاع. ومع صعودها، يحوّل البريطانيون المزيد من أموالهم إلى صفقات الادخار ذات السعر الثابت، مع ارتفاع أسعار الفائدة في جميع أنحاء السوق على أساس يومي. 
وتدفقت 2.8 مليار جنيه إسترليني على الودائع النقدية ثابتة الأجل في يوليو 2022، وفقًا لأحدث الأرقام الصادرة عن بنك إنكلترا، وأقوى تدفق شوهد منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2010. 

العوائد على حسابات التوفير آخذة في الارتفاع. ومع صعودها، يحوّل البريطانيون المزيد من أموالهم إلى صفقات الادخار ذات السعر الثابت

ويرى خبراء أنّ من بين الأفضل حسابات التوفير ذات السعر الثابت، حيث يدفع السند لمدة عام 3.32 في المائة، وبينما لا يقترب ذلك من مطابقة التضخم المرتفع، فقد بدأ يطرق الباب على المدفوعات السنوية لصناديق الدخل وصناديق الاستثمار، مع مؤشر فوتسي 100 بعائد 4 في المائة. 
مع ذلك، لن يستفيد مدخروا النقد من المكاسب المحتملة من ارتفاع أسعار الأسهم، ولكن عائد سعر الفائدة الذي يقارب 3.32 في المائة يعد خيارًا خاليًا من المخاطر تقريبًا إذا تم الاحتفاظ به في حساب توفير محمي بموجب برنامج دعم الخدمات المالية، في حين أن الاستثمار في سوق الأوراق المالية ينطوي على إمكانية انخفاض الاستثمارات وكذلك ارتفاع قيمتها.

مخاوف الشتاء

في الشأن،  قابل "العربي الجديد" عددا من المواطنين البريطانيين، الذين عبّروا عن مخاوفهم من الشتاء وارتفاع أسعار الطاقة وأبدوا بالإجمال ميلهم إلى الادّخار بدلاً من الاستثمار، تحسباً للتكاليف الإضافية وارتفاع الأسعار الجنوني في البلاد.

في المقابل، قال شون  سينكلير، رجل الأعمال البريطاني (54 عاماً)، إن "الأمر يعتمد على وضع المستثمر. ولتجنّب المخاطرة سيكون الميل إلى الادخار بشكل مناسب أكثر من ذي قبل. أمّا إذا كنت تميل إلى المخاطرة فقد يوفر التضخم فرصة".

يشعر صانعو السياسة بالقلق من أن الانخفاض في الدخل الحقيقي، وهو قيمة حزم الأجور بعد التكيف مع تأثير التضخم، سيقلل من إنفاق المستهلكين ويدفع البلاد إلى الانكماش الاقتصادي

وأشار إلى أنه "بالنسبة لأولئك الذين لديهم إمكانية الوصول إلى فرص الاستثمار، فسيصبح الوصول إلى التمويل وكلفة التمويل أكثر صعوبة وأكثر كلفة، ما يجعل تكاليف الاستثمار أعلى. لذا فإن رأيي الخاص بي سيكون توجهي إلى الاستثمار هو الأساس".

انخفاض الدخل الحقيقي للأسر 

لا تزال الأسر تواجه انخفاضًا إضافيًا في دخولها الحقيقية خلال النصف الثاني من هذا العام، حتى لو استطاع البعض الادخار والاقتراض أكثر، وهو ما سيؤثر على إنفاق المستهلكين. 
فالأجور تنخفض بمعدل قياسي من حيث القيمة الحقيقية، لأنه في حين أن حزم الأجور قد ترتفع، فإنها لا تزال متخلفة عن زيادة الأسعار. وستظهر أرقام سوق العمل المنفصلة خلال هذا الاسبوع ما إذا كانت الفجوة قد اتسعت أكثر.
وقد بلغ التضخم أعلى مستوياته في 40 عامًا عند 10.1% قبل أن يتباطا في أغسطس/آب إلى 9.9%.
ويشعر صانعو السياسة بالقلق من أن الانخفاض في الدخل الحقيقي، وهو قيمة حزم الأجور بعد التكيف مع تأثير التضخم، سيقلل من إنفاق المستهلكين ويدفع البلاد إلى الانكماش الاقتصادي. 

في السياق، يقول أليستير ماكوين، رئيس المدخرات والتقاعد في شركة التأمين أفيفا: "لقد عادت الأموال النقدية، حيث يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة وزيادة تقلبات سوق الاستثمار والمستويات القياسية المنخفضة لثقة المستهلك إلى دفع المدخرين نحو الملاذ الآمن للادخار النقدي". 
وتابع في تصريحات إعلامية: "ارتفع متوسط سعر الفائدة الجديد محدد الأجل إلى 1.72 في المائة. هذه زيادة بمقدار ستة أضعاف عن متوسط 0.29 في المائة المبلغ عنه في يوليو 2021. ويقدم العديد من مقدمي الخدمات أسعارًا أعلى من هذا المتوسط. ولم تكن قيمة التسوق أقوى من أي وقت مضى".

يبقى الجانب السلبي للادخار هو أنّ تضخم مؤشر أسعار المستهلكين الذي يتوقع بنك إنكلترا أن يبلغ ذروته عند حوالي 13 في المائة هذا الخريف. 
وإذا استمر التضخم بمعدله الحالي فإن قيمة المدخرات، حتى عندما يتم الاحتفاظ بها في الحسابات الأفضل ربحًا، سوف تنخفض قيمتها الحقيقية في الواقع.

تحديات كلفة المعيشة 

ستكشف مجموعة كبيرة من البيانات الاقتصادية هذا الأسبوع عن التحدي الذي يواجه الحكومة البريطانية برئاسة ليز تراس، التي حاولت بالفعل معالجة ضغوط كلفة المعيشة من خلال الإعلان عن تجميد فاتورة طاقة بقيمة 150 مليار جنيه إسترليني. 
إذ يتوقع البعض أنّ من شأن هذه الخطوة تخفيف الضغط على الأسر وقد تتجنّب الركود.

ومن المعلوم أنّه قبل الإعلان عن حزمة دعم فواتير الطاقة الحكومية يوم الخميس الماضي، حذر بنك إنكلترا من أن المملكة المتحدة تتجه إلى ركود لمدة 15 شهرًا، من شأنه أن يزيل أكثر من 2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي بدءًا من هذا الشتاء.

أضف إلى ذلك عطلة البنوك المقرّرة في يوم جنازة الملكة التي يتوقع اقتصاديون أنّها ستساهم في خفض إجمالي الناتج المحلي بمقدار ملياري جنيه إسترليني.

وفي هذا الصدد، يقول سايمون فرينش، من بنك الاستثمار بانمور غوردون، لصحيفة "صنداي تايمز"، إن "عطلة البنوك يوم الاثنين المقبل قد تمثل عقبة جديدة للاقتصاد".
ويوضح أنّ "العطلات الرسمية السابقة لمرة واحدة قد خفضت الإنتاج بما يصل إلى ملياري جنيه إسترليني".
وأضاف: "رأينا أنّ بعض الشركات أغلقت أبوابها ليوم واحد بعد وفاة الملكة في الأسبوع الماضي بينما تأثرت الأحداث الرياضية والترفيهية. ومن الطبيعي أن يهدد الانخفاض الجديد في النشاط الاقتصادي بخلق عقبة متجددة أمام الاقتصاد المتضرر بالفعل من ضغط كلفة المعيشة".

المساهمون