الاقتصاد الروسي في مهب رياح الحرب

21 أكتوبر 2022
حرب أوكرانيا ترهق الاقتصاد الروسي (Getty)
+ الخط -

ربما يكون الطقس وقدرة أوروبا على تجاوز شهور الشتاء حتى نهاية أبريل/ نيسان المقبل من المحددات الرئيسية لمستقبل الاقتصاد الروسي.

وحتى الآن لا تلوح في الأفق بشائر تسوية لهذه الحرب الشرسة التي يقودها الجيش الروسي في أوكرانيا.

فالاقتصاد الروسي الذي يبلغ حجمه 1.7 تريليون دولار في العام 2021 ويعتمد بدرجة كبيرة على مبيعات الطاقة والمعادن سيكون في وضع خطير في حال تمكنت أوروبا من اجتياز الشتاء، والاستغناء عن استيراد النفط والغاز الروسي، والنجاح في تحديد سقف لأسعار النفط الروسي في الأسواق العالمية، وهي الخطة التي تعمل عليها المفوضية الأوروبية حاليا.

ووفق وزارة الاقتصاد الروسية، فإنه من المتوقع أن تتمكن روسيا من تحقيق دخل من مبيعات النفط والغاز خلال العام الجاري، تقدره بنحو 338 مليار دولار مقارنة بدخلها في العام الماضي 2021 والبالغ 244 مليار دولار.

واستفادت موسكو في تحقيق هذا الدخل المرتفع من تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، وما أحدثه من ذعر واضطراب في أسواق الطاقة العالمية تبعته زيادات في أسعار النفط والغاز الطبيعي والمواد الخام.

لكن ربما لن يتحقق لموسكو هذا الرقم من مبيعات الطاقة في العام المقبل في حال تشديد الغرب للعقوبات، وتحديد "السقف السعري" للنفط والمشتقات البترولية، وتوقف أوروبا تماماً عن استيراد الغاز الروسي. وكانت روسيا قد تمكنت من تحقيق دخل بلغ أكثر من 158 مليار دولار من مبيعات النفط والغاز منذ بداية الحرب وحتى نهاية أغسطس/آب.

ورغم أن هنالك العديد من الدراسات التي نشرت في المراكز المتخصصة حول وضع الاقتصاد الروسي، إلا أن هنالك صعوبة في تحديد أرقام دقيقة لخسائره من غزو أوكرانيا بسبب توقف الحكومة الروسية عن نشر بيانات تفصيلية، ولكن بالتأكيد حينما تتوقف الحرب سيكتشف الروس أنهم دفعوا مبالغ باهظة ثمناً لهذه الحرب التي ربما تنتهي كذلك بدفع تعويضات لأوكرانيا.

على الصعيد الاقتصادي يرى البنك الدولي في أحدث دراساته أن الاقتصاد الروسي ربما سينكمش خلال العام الجاري 2022 بنحو 8.9%، بينما يقدر صندوق النقد الدولي حجم الانكماش بأقل من ذلك وبنحو 6%.

من جانبها تتوقع وزارة التنمية الاقتصادية الروسية أن ينكمش اقتصاد البلاد في عامي 2022 و2023 بنسبة 4.2% و2.7% على التوالي. وترى وزارة الاقتصاد الروسية أن الاقتصاد سيعود للنمو في العام 2024 وبنسبة 3.7%.

وفي ذات الصدد يقدر الاقتصادي الفنلندي ورئيس معهد بنك فنلندا لشؤون الاقتصادات الناشئة، ليكا كورهينين، أن روسيا كان يمكن أن تحقق نمواً اقتصادياً كبيراً في العام الجاري والعام المقبل 2023 لولا غزوها أوكرانيا.

ويقول كورهينين في تغريدة على تويتر، إن الاقتصاد الروسي كان سينمو بنسبة 15% في العام 2023 إن لم تغز أوكرانيا. وهو ما يعني أن روسيا ستخسر نحو 270 مليار دولار من حجم اقتصادها في العام 2023.

وفي ذات الشأن، كشفت دراسة حديثة لمركز الاستشارات الأوروبي المتخصص في الأسواق الناشئة "CIVITTA"، أن التكلفة اليومية للحرب في أوكرانيا قد تتجاوز 20 مليار دولار بالنسبة لروسيا.

وقالت الدراسة، التي أجراها المركز، إن الخسائر المباشرة في الأيام الأربعة الأولى من الحرب بلغت حوالي 7 مليارات دولار، بما في ذلك المعدات العسكرية والخسائر المادية الأخرى. وترجح الدراسة أن تتجاوز التكلفة اليومية الإجمالية للحرب بالنسبة لروسيا ما بين 20 و25 مليار دولار نظراً للوجستيات والأفراد وإطلاق الصواريخ وما إلى ذلك.

وإلى جانب التكاليف العسكرية، أشارت الدراسة أيضاً إلى الضغوط المالية على الاقتصاد الروسي بسبب العقوبات المالية والحصار الاقتصادي الذي عانت منه الشركات الروسية وسوق المال والمصارف التجارية في البلاد.

وتشير الدراسة في هذا الشأن، إلى أن القطاع المالي في روسيا تعرض لخسائر ضخمة لا يمكن تعويضها بسبب العقوبات الغربية.

وفي الأيام الأولى من الغزو انهارت العملة الروسية، الروبل، إلى 130 روبلاً مقابل الدولار، وأغلقت البورصة الروسية خلال الأسبوع الأول من الحرب بسبب الخسائر الكبيرة، كما أعلنت العديد من الشركات الأجنبية عن وقف عملياتها أو استثماراتها في روسيا.

وحتى الآن لا تستطيع الشركات والبنوك الروسية الحصول على تمويلات خارجية بالدولار أو الاكتتاب في أسواق المال الغربية، كما أن نحو 300 مليار دولار من أرصدة البنك المركزي الروسي من النقد الأجنبي باتت مجمدة في البنوك الخارجية.

ويقدر فريق اقتصادي من جامعة ييل الأميركية، يقوده البروفسور جيفري سمر فيلد في دراسة عن الاقتصاد الروسي، أن أكثر من ألف شركة عالمية غادرت السوق الروسي منذ بداية الحرب وحتى بداية أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.

وحرمت العقوبات البنوك الروسية من استخدام نظام سويفت للتراسل المالي بين البنوك العالمية، في حين خسر أكبر مقرض روسي وهو "مصرف سبير بنك" سوق الاتحاد الأوروبي.

من جانبه يرى مجلس الاتحاد الأوروبي، أن إجراءات الحظر صممت بعناية لحظر استيراد وتصدير بعض السلع الروسية لمضاعفة التأثير على الاقتصاد الروسي، مع الحد من العواقب السالبة على الشركات والمواطنين في الاتحاد الأوروبي.

ووسط رفض الشركات في أوروبا وواشنطن شراء الخامات النفطية الروسية اضطرت موسكو لبيع الخامات والمشتقات البترولية في السوق الآسيوي بحسومات بلغت 17 دولاراً، مقارنة بسعر برميل برنت في الأسواق العالمية. ويقدر كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أن التجارة الروسية في السلع والخدمات في عام 2022 ستنخفض بشكل كبير.

على صعيد محيط نفوذها السياسي والاقتصادي وثروة دول آسيا الوسطى، ربما ينهي هذا الغزو لأوكرانيا تبعية دول آسيا الوسطى الغنية بالذهب والنفط والغاز واليورانيوم لروسيا.

وتستخدم روسيا موارد هذه الدول لتقوية اقتصادها ونفوذها في أسواق السلع والمعادن العالمية.

وحتى الآن تقف دول آسيا الوسطى موقفا شبه محايد من الحرب، حيث إنها لم تؤيد الغزو الروسي لأوكرانيا، كما أنها لم تتبن العقوبات الاقتصادية الغربية على موسكو، وهي تراقب ما ستسفر عنه الحرب ذات الكلفة العالية على اقتصاداتها.

وهذه الدول مع أنها نالت استقلالها في التسعينيات، إلا أن اقتصاداتها لا تزال مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالاقتصاد الروسي وتستخدم موسكو مواردها لتعزيز اقتصادها، وبالتالي تبدو تداعيات العقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضتها الدول الغربية على روسيا مؤثرة على نمو دول آسيا الوسطى الاقتصادي، وكذا على أسواقها ومواطنيها والخدمات المقدمة لهم.

ووفق تحليلات غربية فإن هنالك ثلاثة عوامل اقتصادية سالبة ترتبت على اقتصادات دول آسيا الوسطى من الغزو الروسي لأوكرانيا، وربما تجبرها على التحول من النفوذ الروسي إلى النفوذ الغربي والتبعية للولايات المتحدة في المستقبل القريب.

وعانت دول آسيا الوسطى من الحرب على صعيد اضطراب سعر صرف عملاتها المرتبطة بالاقتصاد الروسي، وارتفاع فاتورة الواردات وتفاقم معدل التضخم وغلاء المعيشة. وهذا العامل ربما ستكون له كلفة سياسية مباشرة على الاستقرار السياسي لحكومات آسيا الوسطى التي شهدت بعضها احتجاجات عنيفة كادت أن تعصف بالحكومة الكازاخستانية.

كما عانت دول آسيا الوسطى من العقوبات الغربية والتداعيات السالبة للحرب على الاستثمارات والصادرات النفطية والمعدنية، إذ تمر العديد من صادراتها عبر موانئ روسيا إلى أسواق العالم.

ولاحظت دراسة على موقع "تشاتام هاوس"، أن عملة كازاخستان، كبرى دول آسيا الوسطى، "تينغ" تراجعت بنسبة 20% بعد فرض العقوبات الغربية على روسيا.
لكن لماذا لم ينهر الاقتصاد الروسي حتى الآن رغم العقوبات؟

يرجع خبراء ذلك إلى عاملين وهما، أن التأثير الرئيسي للعقوبات من المتوقع ألا تظهر نتائجه المدمرة للاقتصاد الروسي إلا بعد تطبيق كامل العقوبات على الطاقة الروسية.

وثانياً، فإن الدول الغربية لا ترغب حتى الآن في إغلاق باب التسوية السياسية تماماً على دولة نووية مثل روسيا، وسط التهديدات المستمرة للقيادات الروسية بأنها قد تضطر لاستخدام أسلحة دمار شامل.

المساهمون